أقلام وأراء

د. محمد السعيد إدريس يكتب –  «الحسابات الخاطئة» بين واشنطن وطهران

د. محمد السعيد إدريس *- 18/12/2020 

بتصويت المجمع الانتخابي الأمريكي لصالح جو بايدن، وإعلانه رئيساً للولايات المتحدة مع نائبته كامالا هاريس، بمجموع 306 أصوات، مقابل حصول دونالد ترامب على 232 صوتاً، تكون معركة أصعب انتخابات رئاسية أمريكية قد أشرفت على الانتهاء، ولم يعد أمام الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب غير محطة واحدة، مشكوك في جديتها لمنع أو على الأقل عرقلة تولي بايدن السلطة، وهي دفع الكونجرس في اجتماعه في السادس من يناير/كانون الثاني المقبل، لرفض التصديق على قرار المجمع الانتخابي. 

وإذا فشل ترامب في مسعاه مع الكونجرس فسيتم تنصيب بايدن في العشرين من يناير/كانون الثاني، رئيساً، ومن ثم وضع نهاية لكثير من السياسات والممارسات التي أقدمت عليها إدارة ترامب ووُصفت ب«السياسات الخاطئة» الناتجة عن حسابات خاطئة، سواء على مستوى السياسات الداخلية أو على مستوى السياسات الأمريكية الخارجية.

برنامج بايدن الانتخابي حمل تأكيدات بهذا المعنى، ومنها تأكيدات تتعلق بمستقبل العلاقة مع إيران، وبالتحديد العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة ترامب في أغسطس 2018.

قد يكون هذا الاستنتاج صحيحاً، وقد لا يكون، ومن ثم، فإن الوقوع في خطأ القول إن التطورات الجديدة في الأزمة الأمريكية من شأنها أن تضع نهاية لما جرى وصفه ب«الحسابات الخاطئة» لإدارة ترامب، ومنها قيام الولايات المتحدة بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية قبيل تسلم إدارة بايدن مسؤولياتها الدستورية، هو بالتأكيد «حسابات خاطئة» لأسباب كثيرة، من أبرزها أن ترامب سيظل رئيساً حتى ظهر 20 من يناير/كانون الثاني المقبل، ويمكنه، ضمن مسعاه لإفساد حسابات بايدن مع إيران، أن يدفع القوات الأمريكية لشن هذا الهجوم.

أما السبب الثاني الأكثر أهمية، فهو أن ترامب لم ولن يعترف بفوز بايدن، ليس هذا فقط؛ بل إنه يعتبر فشله قضائياً، البداية الحقيقية للمعركة، وعبّر عن ذلك بوضوح شديد، ما يعني أن الأزمة الداخلية يمكن أن تدخل في منحدر شديد الخطورة، قد يحفز ترامب على إصدار قرار الحرب ضد إيران. 

صدمة ترامب كانت هائلة برفض المحكمة الاتحادية العليا للقضية التي رفعتها ولاية تكساس، بدعم من شريحة واسعة من الحزب الجمهوري، لإبطال ملايين الأصوات في ولايات ميتشيجن وبنسيلفانيا وويسكونسن وجورجيا، التي جاءت عبر البريد الإلكتروني. 

أجواء شديدة التعقيد تجعل من القول إن خطر شن حرب أمريكية ضد إيران خلال الأسابيع القليلة المقبلة يعد «حساباً خاطئاً»، لكنها يمكن أن تجعل الإقرار بجدية احتمال حدوث هذه الحرب «حساباً خاطئاً» أيضاً، من أن اتجاه الأزمة الأمريكية تسير نحو مزيد من التعقيد الداخلي، وأولوية خوض ترامب لصراعه داخل الولايات المتحدة لإفساد تسليم بايدن السلطة، يمكن أن تمنعه من تشتيت أولوياته، والتوجه نحو حرب ضد إيران، قد تفسر حرصه على استمرار دعم الملايين ال71 التي صوتت له في الانتخابات لمشروعه التفجيري لنتائج الانتخابات.

هذه الصعوبة في حسم ما هو «حسابات خاطئة»، و«حسابات غير خاطئة» في ما يتعلق باحتمال شن الولايات المتحدة حرباً ضد إيران، تسري أيضاً على إيران. فالأجواء الراهنة في طهران وخاصة على مستوى الرئيس حسن روحاني وحكومته، تكشف عن حسابات تقول إن زمن شن الأمريكيين حرباً على إيران قد انتهى بفوز بايدن، وإن ما يشغل إيران الآن، هو بلورة مشروع تفاوضي مع الإدارة الأمريكية لعودتها إلى الاتفاق. هذه الحسابات تقول أيضاً إن تصديق مجلس الأمن القومي، وقبله مجلس صيانة الدستور، على القانون الذي أصدره مجلس الشورى (البرلمان) ويحمل عنوان «خطة العمل الاستراتيجية لرفع العقوبات وحماية المصالح القومية الإيرانية»، ليس إلا حسابات إيرانية لرفع سقف التفاوض المحتمل مع إدارة بايدن، و«الترويكا» الأوروبية.

هذا النوع من الحسابات يمكن اعتباره حسابات خاطئة، فخطر الحرب ضد إيران مازال محتملاً من جانب إدارة ترامب، كما أن التيار المتشدد في طهران لن يسمح بمرور الذكرى الأولى لمقتل الجنرال قاسم سليماني دون انتقام حقيقي له وللعالم النووي محسن فخري زاده، وهو الثالث من يناير/كانون الثاني المقبل؛ الأمر الذي يجعل قرار الانتقام شبه مؤكد، ومعه تهيئة الفرص للأمريكيين ولحلفائهم الإقليميين بالتعجيل بقرار الحرب.

كل هذا يعني أن طهران ستعيش هي الأخرى  مثل واشنطن  أسابيع مفعمة بقدر كبير من الحذر، خشية «الحسابات الخاطئة» التي باتت مفعمة بدرجات عالية من الغموض غير المسبوق.

mohamed.alsaid.idries@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى