أقلام وأراء

د. محمد السعيد إدريس: قمة فيلنيوس وصفقة أردوغان

د. محمد السعيد إدريس 21-7-2023: قمة فيلنيوس وصفقة أردوغان

في طريقه من أنقرة إلى فيلنيوس عاصمة ليتوانيا يوم الاثنين (10-7-2023)، لحضور قمة «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) في اليوم التالي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «منذ أكثر من 50 عاماً تركيا تنتظر على أبواب أوروبا، ومعظم دول الاتحاد الأوروبي باتوا أعضاء في الناتو.. أقول لهذه الدول، وسأقولها في القمة: تعالوا وافتحوا الأبواب أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ونحن نفتح الباب أمام السويد للانضمام للحلف، كما فتحنا الباب أمام فنلندا، وهذا ما قلته للرئيس جو بايدن بالمحادثة الهاتفية أمس (الأحد) وسأقوله في القمة». المؤكد أن أردوغان قال هذا الكلام ولكن، ربما، بمفردات مختلفة لكن ما حدث أمر مختلف. قال أردوغان: نعم لانضمام السويد إلى «حلف الناتو» لكن الحضور «لم يقولوا نعم» لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لأن القرار بيد الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، وليس بيد حلف شمال الأطلسي.

لم يكن إعلان أردوغان موافقته على انضمام السويد أمراً مفاجئاً في مشروعه الجديد، الذي يخاطب الغرب به بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة، فالأسابيع التي سبقت إعلان أردوغان هذه الموافقة شهدت مؤشرات تركية تقول إن أنقرة مقبلة على قفزة غير متوقعة في سياستها الخارجية نحو الغرب، وليس نحو روسيا التي دخلت معها تركيا في شراكة استراتيجية عميقة المصالح والأهداف. أولى هذه المؤشرات كانت استقبال الرئيس التركي لنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في إسطنبول (7-7-2023)، وثانيها تعهد الرئيس التركي، في حضور زيلينسكي، انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وثالثها تسليم زيلينسكي خمسة من قادة ميليشيات «آزوف» النازية منتهكاً اتفاقية تبادل الأسرى مع روسيا. فمن يستقبل زيلينسكي، ويعلن دعمه لانضمام أوكرانيا إلى حلف «الناتو»، ما كان له أن يتردد في قبول انضمام السويد إلى عضوية هذا الحلف، والثمن هو الثقة في أنه سيحصل على دعم غربي لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. فما هي جدية هذا الدعم؟

الكاتب الصحفي الأمريكي سيمور هيرش، كتب مقالاً نشره على موقعه على الإنترنت أجاب فيه على هذا السؤال، بما يفيد بأن تركيا التي تحظى بوضع «مرشح رسمي» لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ عام 2005، لم تحصل على أي وعد بتغيير هذا الوضع، وأن ما حصلت عليه، هو وعد من الرئيس الأمريكي جو بايدن بالحصول على دعم اقتصادي. ففي مقاله المنشور (13-7-2023)، أي بعد يومين من تاريخ القمة الأطلسية كتب هيرش يقول: إن الرئيس الأمريكي وعد نظيره التركي بمساعدة مالية من صندوق النقد الدولي تتراوح بين 11 و13 مليار دولار، موضحاً أن بايدن كان في حاجة إلى هذا القرار التركي (ويقصد قرار موافقة تركيا على انضمام السويد للناتو)، كما أن تركيا التي تمر بأزمة اقتصادية حادة، كانت هي الأخرى، في حاجة إلى هذا المبلغ. بدورها كانت صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية أكثر صراحة في تسمية الأشياء بمسمياتها، عندما نشرت (13-7-2023) أن «محاولة تركيا مقايضة عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي (ليس لها أي فرصة)». وأوضحت الصحيفة أن التحرك التركي الأخير نحو هذه «المقايضة» جاء تعبيراً عن سياسة «حافة الهاوية الجيوسياسية» التي أطلقها الرئيس أردوغان، عبر ربطه لطلب انضمام السويد لحلف الناتو بطلب انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

كثيرون يتحدثون عن وجود «صفقة»، وراء كواليس قبول أردوغان لانضمام السويد إلى حلف الناتو، لكن إذا كان أغلب هؤلاء ينفون أن هذه الصفقة تشمل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي؛ فإن معظمهم يرى أن أردوغان حصل على صفقة، قد لا يكون من بينها قبول طلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن المؤكد أنها تتضمن ثلاثة عناصر، أولها وأهمها وعود أوروبية مؤكدة بإعادة فتح باب البحث في انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. كان أوضح تلميح لذلك ما ورد على لسان رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، عقب لقائه مع الرئيس أردوغان في فيلنيوس عشية قمة الناتو. فقد أشاد ميشال بالاجتماع «الجيد»، مضيفاً أنهما بحثا في «الفرص المستقبلية لإعادة التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى الواجهة وإعادة تنشيط علاقاتنا». ثانيها الحصول على دعم عسكري أمريكي – أوروبي لتركيا، ابتداء من الحصول على صفقة طائرات «إف 16» الأمريكية المجمّدة، وامتداداً إلى رفع جميع العقوبات الأطلسية على قطاع الدفاع التركي وثالثها، الدعم الاقتصادي الأمريكي – الأوروبي للاقتصاد التركي.

ثلاثة عناصر تزيد من ثقة أردوغان في أنه حقّق المكاسب، لكن ماذا عن ثمن هذه الصفقة خاصة في العلاقة مع روسيا؟.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى