أقلام وأراء

د. محمد السعيد إدريس: ثلاثة تحديات تواجه ماكرون

د. محمد السعيد إدريس 7-4-2023: ثلاثة تحديات تواجه ماكرون

الأزمة الراهنة في فرنسا قد تكون هي المستقبل الذي ينتظر معظم الدول الأوروبية، خاصة دول غرب أوروبا التي تجمعها كتلة مكثفة من الأزمات الاقتصادية – الاجتماعية والسياسية خاصة بريطانيا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا. فرنسا سبقت هذه الدول في عنف أزمتها بسبب تزامن تحديات ثلاثة تواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والحكومة الفرنسية على مستوى علاقة فرنسا بالاتحاد الأوروبي الذي تتفاقم أزمته يوماً بعد يوم، وعلى مستوى الداخل الفرنسي وعلى مستوى علاقات فرنسا الخارجية.

فالاتحاد الأوروبي يواجه خطر الانفراط، بعد أن خسر طموحات بناء حلم «أوروبا القوية» الذي بشّر به ماكرون بعد أن جعلت تداعيات الأزمة الأوكرانية أوروبا تنصاع للتعليمات الأمريكية بالتورط في المزيد من تداعيات تلك الأزمة، وقبول خيار خوض الصراع إلى جانب أوكرانيا في مواجهة روسيا.

ومع كل يوم يزداد التورط الأوروبي في الأزمة الأوكرانية تتفاقم الخلافات بين الدول الأوروبية داخل الاتحاد حول الموارد المالية وقيود الميزانية التي لا نهاية لها، ما دفع دولاً بوزن ألمانيا إلى إعطاء الأولوية للمصالح الألمانية على المصالح الجماعية للاتحاد الأوروبي.

أما التحدي الثاني، فهو الأهم، أي التحدي الداخلي الذى سيحدد ليس فقط مستقبل حكومة إليزابيث بورن التي يعتبر سقوطها أحد المخارج المطروحة لحل تلك الأزمة المتصاعدة بل قد تمتد لتهديد المستقبل السياسي لماكرون نفسه، خصوصاً بعد أن تفاقمت أزمة الاحتجاجات والتظاهرات المليونية الحاشدة التي مازالت تجتاح باريس والمدن الفرنسية الكبرى، وتجاوزت مطلب إلغاء أو تأجيل قانون «تعديل نظام التقاعد» الذي رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى المطالبة بتغييرات سياسية، ودخول الأحزاب السياسية إلى أتون المعركة ضد الرئيس والحكومة إلى جانب النقابات العمالية وخاصة حزب «فرنسا الأبية» الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون حسب ما ورد على لسان ماكرون نفسه، الذي قال إن «ثمة مشروعاً سياسياً يعمل عليه حزب (فرنسا الأبية) الذي يسعى إلى نزع الشرعية عن النظام القائم وعن المؤسسات».

في بداية تفجر أحداث الغضب الفرنسية كانت الحكومة الفرنسية مهتمة بمتابعة تطورين أساسيين، الأول هو رصد أعداد المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع رفضاً لقانون تعديل نظام التقاعد، والثاني هو رصد مستوى العنف المصاحب لهذه التظاهرات، ولصدمة الحكومة أخذت أعداد المتظاهرين تتزايد بأعداد كبيرة، لكن الصدمة الأكبر للحكومة جاءت من انخراط الشباب في التظاهرات بكثافة ومن ثم دخول قضايا جديدة اجتماعية واقتصادية وسياسية أيضاً لم تكن موجودة قبل ذلك، الأمر الذي جعل الأحداث تتجاوز ملف التقاعد وتتحول إلى مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية معمقة جعلت الحكومة تتعامل معها باعتبارها مصدراً للتهديد الأمني.

هذا التصعيد جعل الحكومة تتقوقع في «الحل الأمني» للأزمة، خاصة مع انخراط المجموعات المتطرفة في أعمال الشغب التي اجتاحت باريس ومعظم المدن الفرنسية وخاصة ممن يسمون أنفسهم «بلاك بلوك» الفوضوية المعادية للنظام الرأسمالي.

يحدث هذا في ظل بروز التحدي الثالث ممثلاً في تعقد السياسة الخارجية الفرنسية وظهور تهديدات خارجية للأمن والمصالح الوطنية، منها، أو على رأسها ملف الحل الدبلوماسي للأزمة الأوكرانية وتداعي محاولات ماكرون لإنجاح هذا الخيار، أو تفاقم أزمات فرنسا مع إفريقيا التي توصف ب «الحديقة الخلفية» لفرنسا.

فالتمرد الإفريقي على الوجود الفرنسي والسياسة الفرنسية في القارة يتفاقم مع تنامي وكثافة الوجود الروسي والصيني، الأمر الذي بات يضع فرنسا أمام مسؤوليات جديدة في علاقاتها الخارجية، في وقت تزداد فيه تأزماً أوضاعها الداخلية وروابطها بالاتحاد الأوروبي، الأمر الذي من شأنه وضع الرئيس ماكرون في مأزق لم يسبق له مواجهته وينال كثيراً من وزن فرنسا وثقلها السياسي في القارة الأوروبية وعلى مستوى العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى