أقلام وأراء

د. محمد السعيد إدريس: انقسام أوروبي أمريكي حول أوكرانيا

د. محمد السعيد إدريس 28-6-2024: انقسام أوروبي أمريكي حول أوكرانيا

قبل يومين فقط، من القمة الدولية الأولى حول «السلام في أوكرانيا» التي عقدت في منتجع «بورغنستوك» السويسري، يومي السبت والأحد 15 و16 من الشهر الجاري، لمناقشة متطلبات ومستقبل السلام في أوكرانيا ضمن «ورقة أوكرانية» خاصة بذلك، أقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن، على القيام بإجراء استباقي لمحاصرة الموقف الأوروبي على وجه الخصوص، وبالتحديد في ما يتعلق بالتردد الأوروبي عن تقديم الدعم المطلوب لأوكرانيا لصد التقدم العسكري الروسي الراهن في أوكرانيا، وللحيلولة دون خروج روسيا منتصرة في هذه الحرب.

فعلى هامش قمة الدول الصناعية السبع التي استضافتها إيطاليا، قام الرئيس الأمريكي بالتوقيع، مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الخميس 12 من الشهر الجاري، على اتفاق أمني بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، مدته 10 سنوات، يستهدف تعزيز دفاعات أوكرانيا أمام روسيا، الأمر الذى أثار تساؤلات مهمة بخصوص ما يمكن اعتباره «مأزق بايدن» المزدوج مع أوكرانيا. سواء في العلاقة مع الحلفاء الأوروبيينن أو حتى مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامبن في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، حيث استهدف الاتفاق الأمريكي- الأوكراني «إلزام الإدارات الأمريكية» في المستقبل بدعم أوكرانيا.

ويمكن تحديد ثلاثة أهداف نص عليها هذا الاتفاق؛ الهدف الأول، هو وضع إطار عملي لجهود أمريكية طويلة للمساعدة في تطوير القوات المسلحة الأوكرانية، والهدف الثاني هو وضع إطار عملي لتهيئة أوكرانيا للحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أما الهدف الثالث فيتعلق باستخدام الفوائد التراكمية للأصول الروسية المجمدة لتمويل احتياجات أوكرانيا العسكرية، وغير العسكرية، أي تمويل الميزانية الأوكرانية من عائدات الأصول الروسية المجمدة.

أجواء «القمة الأوكرانية» التي عقدت في سويسرا بعد يومين من التوقيع على ذلك الاتفاق، لم تكشف عن جدية حقيقية للقبول بهذه الأهداف الثلاثة. فالقمة التي تعمدت عدم توجيه الدعوة إلى روسيا للمشاركة فيها، والتي أعلنت الصين رفض حضورها لهذا السبب، واتهمتها «بعدم التوازن»، لم تخرج بموقف له اعتباره ينم عن دعم وتأييد الخطة الأوكرانية، أكثر من تكرار التأكيد على الالتزام بمبادئ السيادة، والاستقلال، ووحدة الأراضي لكل الدول، بما فيها أوكرانيا، ضمن حدودها المعترف بها دولياً، ما يعني رفض الحضور الذين زاد عددهم على 90 دولة لضم روسيا أراضي من أوكرانيا تحت مسمى أنها «أرض روسية تاريخية»، لكن المؤتمر أكد في ذات الوقت أن التوصل إلى السلام «يتطلب مشاركة جميع الأطراف وحواراً بينها»، ما يعني الإقرار بضرورة حضور روسيا لأي مؤتمر يخص السلام في أوكرانيا، حرصاً على الالتزام بموقف متوازن من الصراع، الأمر الذي شدد عليه بعض الحضور القريبين من روسيا، الذين رفضوا التوقيع على البيان الختامي «لعدم توازنه»، أي عدم مراعاته للمطالب والمواقف الروسية.

الأهم من ذلك، هو ما ظهر في أجواء ذلك المؤتمر من انقسام صريح حول ما استهدفه «الاتفاق الأمريكي – الأوكراني»، سواء ما يتعلق بالدعم المادي والعسكري، غير المحدود لأوكرانيا، أو لتوظيف عائدات الأموال الروسية المجمدة في البنوك الأوروبية، على وجه الخصوص، لتمويل الميزانية الأوكرانية، وتوفير احتياجات الدعم العسكري، أو ما يخص ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي.

فقد تكشف مدى الخلاف بين الموقفين الأمريكي والأوروبي بخصوص تلك الأهداف في قمة وزراء المال لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى التي عقدت في الشمال الإيطالي، بعد أقل من عشرة أيام، من انتهاء «قمة السلام الأوكرانية»، وبالتحديد في 24 مايو/ أيار الجاري. فقد تحفظ الأوروبيون، (خاصة فرنسا وألمانيا)، على عنوان تلك القمة لوزراء المال لدول مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، بحضور حكام المصارف المركزية، التي جاءت تحت عنوان «السند الأوكراني» الذي يستهدف تمكين أوكرانيا من تمويل احتياجاتها العسكرية الضخمة، والإعمار بعد نهاية الحرب، من استخدام الفوائد التراكمية للأصول الروسية المجمدة لدى الدول الغربية، بقيمة تصل إلى 50 مليار دولار.

صدى الرفض الأوروبي لهذه الدعوة ظهر في مشروع أمريكي بديل، يهدف إلى تشكيل «ائتلاف طوعي» يضم الولايات المتحدة مع كل من كندا وبريطانيا واليابان، ومن لديه استعداد من الدول الأوروبية، هدفه «استحداث آلية جديدة للتمويل» في حال تعذر القبول بمطلب «السند الأوكراني».

وعي الدول الأوروبية بالتعقيدات القانونية والسياسية لذلك المطلب، يقول بصراحة إن أوروبا لن تكون طرفاً في الاتفاق الأمريكي – الأوكراني، وإن هذا الموقف يزيد من حدة الانقسام الغربي حول ما يخص التطورات المستقبلية لحل الأزمة الأوكرانية، بخاصة ما يتعلق بالتوافق الأمريكي – الأوكراني الجديد، لضم أوكرانيا مستقبلياً إلى حلف الناتو،على العكس تماماً، مما توصلت إليه القمة الأخيرة لحلف الناتو التى عقدت في العاصمة الليتوانية في العاشرمن شهرتموز/ يوليو من العام الماضي، والتي انتهت بصيغة «مبهمة» حول هذا الموضوع مفادها «لا لعضوية أوكرانيا في الناتو»، تحسباً لمستقبل العلاقات الأوروبية- الأمريكية من ناحية والعلاقات الأوروبية – الروسية من ناحية أخرى.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى