أقلام وأراء

د. عوض سليمية: بلير وكوشنير شركاء في محرقة القرن ضد الفلسطينيين

د. عوض سليمية 4-9-2025: بلير وكوشنير شركاء في محرقة القرن ضد الفلسطينيين

في فبراير 2025، أعلن الرئيس دونالد ترامب خلال مؤتمره الصحفي الذي جمعه بنتنياهو في البيت الابيض؛ ” أن بلاده سوف تستولي على قطاع غزة” دون أي عملية شراء أو تفاوض؛ وسيحول القطاع الى “ريفييرا الشرق الاوسط”. هذه التصريحات الصادرة عن زعيم الدولة “الديموقراطية الاولى في العالم”، جاءت منسجمة تماماً مع مواقف وتصريحات المتطرفين في حكومة نتنياهو، بدءاً من سموتريتش الذي كرر مواقفه بوجوب السيطرة على قطاع غزة بشكل كامل والى الابد وكشف عن خطته لممارسة التطهير العرقي وحرب الابادة “من لا يغادر، لا تدعوه يغادر. لا ماء، لا كهرباء؛ يمكنهم أن يموتوا جوعاً أو يستسلموا”. في مطلع مايو/أيّار الماضي، وبالتزامن مع إعلان كابينيت الحرب بالمضي قدمًا في عمليات “جدعون 1″، تصاعدت نبرة التهديد التي أطلقها سموتريتش بمحو قطاع غزة بالكامل، مؤكدًا أن سكانه سيُهجّرون بأعداد كبيرة إلى دول ثالثة، وشدد على أن الجيش الإسرائيلي سيمضي نحو “السيطرة الدائمة على القطاع للأبد”. بالتزامن، واصل نتنياهو تفاخره بحصوله على موافقة أمريكية مُطلقة لإنجاز المهمة بشكل عاجل ومن دون تأخير. ولا مانع لديه من وضع القطاع تحت الوصاية الامريكية.

هذه الاقوال يجري ترجمتها الان الى افعال، في يوليو/تموز من هذا العام، كشف موقع اكسيوس أن مدير الموساد دافيد بارنيع زار واشنطن سعياً للحصول على مساعدتها في إقناع الدول باستقبال مئات الآلاف من الفلسطينيين من غزة، وكشف بارنيع في لقاءه مع يتكوف، أن إسرائيل تُجري محادثات مع كل من إثيوبيا وإندونيسيا وليبيا على وجه الخصوص. وهو ما اكدته صحيفة The Times of Israel؛ في تقريرها بتاريخ 13 آب/أغسطس، من أن إسرائيل تجري محادثات مع خمس دول أو أقاليم – إندونيسيا، أرض الصومال، أوغندا، جنوب السودان، وليبيا – بشأن إمكانية قبول فلسطينيين “مُعاد توطينهم” من قطاع غزة.

نقطة التحول الكبيرة جاءت من صحيفة واشنطن بوست، التي كشفت في تقريرها تفاصيل ما دار في الاجتماع الذي جمع كل من توني بلير- رئيس الوزراء البريطاني السابق، جاريد كوشنير- صهر الرئيس ترامب ومستشاره الخاص خلال فترة رئاسته الاولى، “مبعوث ترامب للسلام” ستيف يتكوف، مارك روبيو وزير الخارجية ومستشار الامن القومي، مع الرئيس ترامب في البيت الابيض يوم29 آب/اغسطس؛ لمناقشة الافكار واستعراض الخطط المتصورة لمستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الحرب “اليوم التالي”؛ والتي صممها كل من جاريد كوشنير؛ ورفيقه توني بلير.

في الواقع؛ جوهر خطة بلير-كوشنير الواردة تحت عنوان (الثقة العظيمة: من وكيل ايراني مُهدم الى حليف ابراهيمي مُزدهر؛ “إعادة بناء غزة والتسريع الاقتصادي والتحول”) والمكونة من 38 صفحة، مصممة على مقاس خطة ترامب “ريفييرا الشرق الاوسط”. وهي قائمة على قاعدة التطهير العرقي للشعب الفلسطيني من كامل قطاع غزة، ولا يمكن توصيفها بأقل من محرقة القرن، بإعتبارها وصفه عدوانية جديدة لاقتلاع الفلسطينيين من جذورهم ونقلهم عُنوة الى خارج وطنهم تحت عناوين خداعة، على غرار “إعادة توطين/تهجير مؤقت”، لمواطني قطاع غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني إنسان. بمسارين، الاول؛ يأتي تحت مسمى “تهجير طوعي” إلى بلد آخر مقابل حفنة من الدولارات لكل شخص -5 الاف دولار واقامة مدفوعة لأربع سنوات تتناقص قيمتها بمعدل الربع في كل عام؛ وبعض من الطعام والشراب على مدار عام واحد. أما المسار الثاني من الخطة، فهو للرافضين لخيار التهجير، هؤلاء سيتم نقلهم إلى معسكرات داخل قطاع غزة اشبه بــ غيتوات المحرقة النازية- التي ظهرت في بولندا في حزيران من العام 1941؛ وستتولى “مؤسسة غزة الانسانية، الامريكية” بتقديم ما يسمونه طعاماً طيلة فترة إعادة الاعمار. في النهاية فان ظروف البطالة والجوع والامراض وقلة الغذاء والماء ومستلزمات الحياة بحدها الادنى والتي لن تكون متوفرة، سوف تجبرهم على الهجرة، ولكن امام عدسات العالم وميزان القانون الدولي ستكون هجرة “طوعية”؛ وهذا ما يخطط له نتنياهو وترامب.

من منظور بلير- كوشنير فإن قطاع غزة ليس الا مساحة ارض مُهدمة غير صالحة للحياة او السكن- دون ان يشيرا الى المسؤول عن كل هذا الموت والدمار الشامل، وان قيمته السوقية في عالم العقارات والاصول يساوي “صفراً”، وعليه، يحتاج القطاع الى قرابة 150-200 مليار دولار وربما أكثر من الاستثمارات الدولية والخاصة لإعادة بناءه من جديد، ولكن ليس لصالح مالكيه الاصليين ومواطنيه. بل بهدف تحويله الى منتجع سياحي لامع ومركز للتصنيع والتكنولوجيا المتطورة، وهذا يشمل إنشاء من بين امور اخرى، 6-8 مدن ذكية تنتشر فيها الابراج السكنية على غرار ابراج ترامب والعقارات التجارية، المرافق الخدمية، القطارات، الشوارع الواسعة، ميناء ومطار… وفقًا للخطة، فإن قيمة أصول غزة ستصل عندها الى 320 مليار دولار. وهذا لن يكون إلا من خلال سيطرة واشنطن على القطاع، واخضاعه للوصاية الامريكية لمدة لا تقل عن 10 سنوات على الأقل.

أن ينظر عديم الفائدة كوشنير الى قطاع غزة وكأنه مجرد قطعة ارض يمكن التخلص من سكانها وتهجيرهم الى شتات الارض، وإعادة تشكيله جغرافياً من جديد عبر تشييد الواجهات التجارية وإقامة المدن الصناعية والمدن الذكية والمجمعات الالكترونية وبوابات إبراهيم، فهذا أمر أصبح مألوفاً لنا بالنسبة لرجل سطحي اختزل قضية فلسطين في مشروع فاشل أطلق عليه صفقة القرن، ولا يهز الحاجبين. أما ان يكون توني بلير المبعوث الخاص للرباعية الدولية لدعم جهود تحقيق السلام في الشرق الاوسط لأكثر من 8 سنوات، والذي طالما تحدث ان المخرج الوحيد للصراع الاسرائيلي-الفلسطيني لا يكون الا من خلال حل الدولتين القائم على قرارات الشرعية الدولية، شريكاً في هذا المخطط، فهذا أمر يستحق النقاش.

السير توني بلير، الخارج بالإقصاء من منصب رئيس الوزراء عام 2007 بعد تدني شعبيته وإغراقه لحزب العمال على الساحة السياسية البريطانية، بسبب شراكته مع جورج بوش في العدوان على العراق، عاد من جديد ليبحث عن مصالح شخصية وامتيازات حصرية من بوابة غزة. ويبدو أنه لا يستطيع التخلص من عقدة مزايا منصب رئيس الوزراء، وتكشف خطته انه من السهل التخلص من كل ما آمن بحتميته خلال فترة رئاسته الطويلة ومبادئ حزبه ذو الجذور اليسارية، بما فيها استبدال مقعد طائرة الرئاسة البريطانية بحجوزات مقاعد الدرجة الاولى الفارهة على متن الطيران الدولي، لكن هذه المرة على نفقة مُشغليه، ومن سيقدم لهم التصورات والخدمات من مكتبه الجديد “مركز ابحاث توني بلير”؛ لتغيير الواقع السياسي والديموغرافي لإقليم

فلسطيني وليس بريطاني ولا يملك فيه ذرة تراب، دون ان يستشعر مخاطر نصائحه ومخططاته، وما سيترتب عليها من نتائج كارثية وسياسات تطهير عرقي لأكثر من 2 مليون فلسطيني، واقتلاعهم من ارضهم وتاريخهم وحضارتهم وارثهم وحاضرهم ومستقبلهم، والقاءهم في المجهول؛ لقاء حفنة من الدولارات او قليلاً من الاطراء المتوقع ان يحصل عليه من قبل صديقه ترامب، أو ربما المساهمة ولو قليلاً في خفض التوتر القائم بين لندن وواشنطن.

في هذا السياق، يقول جورج واشنطن “أن تكون وحدك أفضل بكثير من معاشرة السيئين”؛ لكن يبدوا ان السيد ترامب لا يستمع للنصيحة ولا يكتفي بمن هم حوله من مستشاري الحروب بل يستدعي المزيد. ويدفع بمزيد من اسباب حالة عدم الاستقرار في المنطقة، ويمنح نتنياهو الضوء الاخضر لإعادة تصميم معالم شرق اوسط جديد تكون فيه المصالح الامريكية أولاً، في الواقع، ما زالت استراتيجية الهيمنة التي تنتهجها واشنطن تجلب مزيداً من النكبات والكوارث على العالم، فالتصورات والمخططات التي يجري نقاشها على طاولة البيت الابيض، لم تعد مجرد إعلانات سياسية، إنها البرنامج العملي المشترك لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل. وسط تغييب مُتعمد للقيادة الفلسطينية عن طاولة النقاشات ومحاولات حجب الصوت على المنصات الدولية، يدفع ترامب بمشروعه “ريفييرا” بقوة لإخراجه الى حيز التنفيذ، بالمقابل، ينتقل شريكه نتنياهو من مرحلة سرد الرواية الى مرحلة التفعيل واختبار إمكانية تنفيذ مشروع مردخاي كيدار “الامارات السبع” في الضفة الغربية.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى