د. عوض سليمية: أزمة البرنامج النووي الايراني تعود للواجهة من جديد، وترويكا الاوروبية تهدد

د. عوض سليمية 30-8-2025: أزمة البرنامج النووي الايراني تعود للواجهة من جديد، وترويكا الاوروبية تهدد
تظهر التحركات الدبلوماسية الاخيرة والتصريحات الصادرة من العواصم الغربية، اشارات جدية بعودة شبح ازمة البرنامج النووي الايراني من جديد الى واجهة الجدل الدولي. ويبدو ان الضربات الجوية والقنابل الذكية التي وجهها الجيش الامريكي للمنشآت النووية الايرانية الرئيسية (فوردو، نطنز واصفهان) فجر يوم 22 يونيو/حزيران 2025 بتعليمات مباشرة من الرئيس ترامب؛ لم تكن كافية لتدمير هذه المنشآت أو على الاقل إخراجها من الخدمة، على الرغم من تصريحات ترامب المتكررة وتفاخره بإخراجها من الخدمة، في كل مناسبة. ورغم نفي إيران وقوع تدميراً كبيراً في منشآتها النووية واقتصار الضربة على الحاق اضرار يمكن معالجتها. إلا انها أوقفت جلسات المفاوضات النشطة التي عُقدت على مدار شهرين تقريباً مع واشنطن برعاية سلطنة عمان، بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. بهدف التوصل الى اتفاق سلمي يرضي كافة الاطراف، ويفضي الى رفع الحصار المفروض على طهران منذ العام 2018.
في وقت قريب من تنفيذ الهجوم الاسرائيلي على طهران، بتاريخ 9 يونيو/ حزيران 2025، اشار المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي في تقريره امام مجلس محافظي الوكالة الدولية، الى وجود 400 كغم من اليورانيوم عالي التخصيب؛ تمتلكهم إيران “لا يمكن للوكالة أن تتجاهل تخزين أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب”. يقول غروسي. هذا التصريح اثار حفيظة قادة طهران واعتبروه سبباً مباشراً في تحريض كل من إسرائيل والولايات المتحدة على شن عدوانها على بلادهم. في هذا السياق، كشف موقع Iran International، عن تصريحات صادرة على لسان اعضاء في لجنة الأمن القومي الايراني، تتهم غروسي بمساعدة الولايات المتحدة وإسرائيل في شن هجمات على المواقع النووية الإيرانية واغتيال علماء نوويين إيرانيين. “إن دور رافائيل غروسي، في التحريض على الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على المواقع النووية ومساعدة هذه الهجمات واغتيال العلماء النوويين واضح تمامًا”.
يبدو أن الازمة بين الاطراف لم تتوقف عند جهود واشنطن العسكرية ولا حدود قناعات ترامب بتدمير المنشآت النووية الثلاث من عدمه، على الرغم من كثرة خطاباته التي تُفاخر بهذا الانجاز. على الارض، لم تباشر واشنطن برفع العقوبات المفروضة على طهران منذ انسحاب ترامب من إتفاقية العمل الشاملة المشتركة يوم 8 ايار/مايو 2018 من جانب واحد. لكنه ترك الباب مفتوحاً للعودة الى طاولة المفاوضات من جديد. طهران من ناحيتها، لم تستجب لهذه الدعوة لغياب الثقة وعدم حسن النية من الطرف الامريكي، وأعلن رئيسها بيزشكيان تعليق بلاده التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية استجابة لقرار المشرعين الايرانيين.
وفي ظل غياب ارضية مشتركة لإطلاق مفاوضات جديدة بين الطرفين، وسلوك ترامب الذي يفضل إستراتيجية التنقل بين الملفات الدولية كما يفعل البائع الجوال، انتقلت الادارة الامريكية لاستكشاف مسارات جديدة للعمل في ملفات اخرى ساخنة ومعقدة بحثاً عن صفقات؛ من بينها، حرب الابادة الجماعية القائمة على قطاع غزة منذ اكتوبر 2023؛ وإجراءات التحضير للقاء الرئيسين ترامب وبوتين في قمة الاسكا، في محاولة للتوصل الى اتفاق ينهي حالة الحرب القائمة بين روسيا والغرب الجماعي على الارض الاوكرانية منذ فبراير 2022. لكن إدارة ترامب لم تحرز أي تقدم ملموس في تهدئة النيران المشتعلة على هاتين الجبهتين؛ باستثناء بعض الصور مع الرئيس بوتين يتفاخر بها ترامب امام عدسات المصورين.
هذا الفشل، دفع القسم المُكمل للسياسات الامريكية عبر الاطلسي والذي يبدو انه ما زال يعمل -على الرغم من التوتر القائم في العلاقة بينهما، لإعادة وضع ملف طهران النووي على طاولة النقاش الدولي من جديد. وتزاحمت اصوات قادة القوى الغربية الرئيسية -باريس وبرلين ولندن، في التلويح بإمكانية إعادة فرض العقوبات على إيران بموجب آلية “العودة السريعة” (Snap Back)، التي تتيح استئناف العقوبات الغربية خلال ثلاثين يوماً في حال عدم التزام إيران بتعهداتها وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 واتفاقية العمل الشاملة المشتركة لعام 2015. بعد ان فشلت طهران في الوفاء بالتزاماتها، بحسب مزاعمهم.
التأثير السام لسياسات واشنطن في المنطقة لا يتوقف. بينما تتشابه حجج قادة العواصم الغربية مع المزاعم التي ساقها ترامب قبل إعلان الحرب الاسرائيلية الامريكية على إيران، وجوهرها، ان الاخيرة لا تلتزم بتنفيذ ما ورد في القرار الدولي ولا بنصوص الاتفاقية الموقعة بين الاطراف، تقفز الى الواجهة قضية احتفاظ إيران بكمية كبيرة من اليورانيوم المخصب؛ 400 كغم وأن هذه الكمية تقترب من مستوى الاستخدام العسكري 60% وترفض طهران الكشف عن مصيرها، لتصبح نقطة نزاع جديدة ومثار جدل دائري. في الوقت الذي تقول فيه طهران انها لا تلمس جدية حقيقية من قبل واشنطن بالتفاوض لإنهاء النقاط العالقة بينهما. فإنها ترفع من نبرة التحدي للرد على تهديدات قادة ترويكا وتعتبر انهم غير مؤهلين قانونياً “لا يملكون سلطة قانونية” لعرض الملف على مجلس الامن بهدف إعادة تفعيل العقوبات الدولية. وعينها على شركائها، كل من -الصين وروسيا، العضوين الدائمين في مجلس الامن.
الحراكات الدبلوماسية والتصريحات الصادرة عن عواصم ترويكا الاوروبية، ليست إلا احزمة ناقلة لمواقف ترامب المخادعة– الذي يواجه حرجاً في تراجعه عن تصريحاته المتعلقة بتدمير المنشآت النووية الايرانية. وتعكس بوضوح مستويات تأثير السياسة الخارجية الامريكية على عواصم القرار الاوروبي. في الوقت نفسه، لا يمكن استبعاد الضغط الكبير الذي تمارسه حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل على واشنطن، لدفعها نحو اتخاذ خطوات تصعيدية تجاه طهران، متجاوزة بذلك أي إطار زمني إضافي قد يسمح بمسار دبلوماسي جديد ربما يفضي لإيجاد مخرج لهذه الازمة.
على هذا النحو، يعيد التاريخ نفسه. من ناحية، تتقارب مواعيد ترامب التي منحها لطهران قبل الحرب الاخيرة وهي 60 يوماً لتوقيع إتفاقية جديدة، مع مهلة ترويكا الاوروبية 30 يوماً للاستجابة لطلباتهم. وفي ظل رفض طهران الكشف عن مصير اليورانيوم عالي التخصيب كما تدعي الولايات المتحدة، وتشكيكها بنزاهة مفتشي الوكالة الدولية، تبقى مسببات إندلاع حرب جديدة قائمة. غير ان الفارق في هذه الجولة المتوقعة من الحرب القادمة، ستكون بالاستناد على الحجج القادمة من عواصم الحلفاء وليس من واشنطن وحدها؛ وهذا ما تبحث عنه إدارة ترامب بالضبط، إعلان تشكيل “تحالف دولي” بقرار من مجلس الامن او بدون/لا فرق، لإسقاط النظام في طهران تحت مبررات القضاء على برنامج إيران النووي. وهي نفس الاكذوبة التي صاغتها إدارة جورج دبليو بوش عام 2003 لاحتلال العراق تحت مبررات “امتلاك بغداد اسلحة دمار شامل”؛ وأنكرها ترامب نفسه خلال فترة رئاسته الاولى؛ عندما سخر بتصريحات وزير خارجية بوش كولن باول، يقول ترامب “ألم يقل باول الجمهوري المزيف والدبلوماسي غير الموثوق به… إن العراق كان يملك أسلحة دمار شامل؟
فهل الحقيقة التي نطق بها ترامب كافية لتجنيب المنطقة تصعيد عسكري جديد، والذهاب الى مسار دبلوماسي، أم أنه سيواصل ما بدأه سلفه بوش ويتخذ أول قرار لوزارة الحرب الامريكية – وفق ما يفضل تسميتها، بشن هجوم على إيران بإعتباره حالة طوارئ ضرورية لاستكمال رسم معالم شرق أوسط جديد مركزه إسرائيل.