أقلام وأراء

د. عمرو حمزاوي: ليس نقد «حماس» تنصلا من الحق الفلسطيني

د. عمرو حمزاوي 29-7-2025: ليس نقد «حماس» تنصلا من الحق الفلسطيني

على ذات منوال الكتاب والسياسيين والإعلاميين في الولايات المتحدة وأوروبا الذين يضطرون في كل مرة ينتقدون فيها جرائم حكومة إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية إلى التأكيد على أنهم لا يعادون السامية ولا يرفضون وجود الدولة العبرية وكونهم يعارضون القتل والتجويع والتهجير والاستيطان والإبادة، على ذات المنوال صار حال أصواتنا في العالم العربي التي كلما جمعت بين إدانة جرائم حركة حماس في 7 أكتوبر 2023 وبين جرائم حكومة بنيامين نتنياهو واجهتها عاصفة من الاتهامات بادعاء تنكرها لفلسطين المحتلة ولأهل غزة وتورطها في المساواة بين الجلاد والضحية وتنصلها من الحق المشروع في المقاومة.

مثلما يرادف من يريدون إسكات الأصوات الناقدة لجرائم حكومة إسرائيل زيفا بين الحكومة والشعب وبين الشعب والدين وبين الدين وأتباعه بحيث تستحيل معارضة حرب نتنياهو على غزة وعنف يمينه المتطرف في الضفة في التحليل الأخير معاداة للسامية، يرادف مدعو الحديث باسم فلسطين والمقاومة زيفا بين حركة حماس وأهل غزة، بين حركة حماس وعموم الشعب الفلسطيني، بين جرائم العنف ضد المدنيين الإسرائيليين وبين المقاومة المشروعة للاحتلال بحيث تستحيل إدانة 7 أكتوبر 2023 في التحليل الأخير تنصلا من الحق الفلسطيني في التحرر وتقرير المصير.

وكما انتقل معارضو جرائم حكومة نتنياهو من الاشتباك مع من يتهمونهم بمعاداة السامية إلى تجاهلهم والتمسك من جهة بالإدانة العلنية لما يحدث في غزة من قتل وتجويع وتهجير وإبادة وما يحدث في الضفة الغربية من عنف واستيطان وتهجير ومطالبة حلفاء إسرائيل الأقوياء الذين يوردون لها السلاح ويقدمون لها المساعدات بتغيير سياستهم والضغط عليها للتوقف عن تصفية الشعب الفلسطيني، على الأصوات العربية الرافضة للمرادفة الزائفة بين معارضة حماس وبين التنكر للحقوق الفلسطينية المشروعة الكف عن التبرير الفكري والسياسي لموقفها تجاه مدعي الحديث باسم المقاومة الذين لا هم لهم سوى المزايدة على البشر والحجر وتنتفي معهم فرص الحوار العقلاني والرشيد. على الأصوات العربية التي تدين جرائم القتل والإبادة التي ترتكبها حكومة إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وترفض توظيف هذه الإدانة لتبرير جرائم حماس في 7 أكتوبر 2023 الكارثي، عليها ألا تلتفت لمن يريدون إسكاتها ومواصلة الطرح الصريح والإيجابي لرؤاها وأفكارها.

فقد أصبحنا اليوم فيما خص قضية فلسطين مع لحظة مغايرة أمريكيا وأوروبيا، لحظة تختلف عما سبقها من ماضي التعاطي مع جرائم حكومات إسرائيل المتعاقبة التي لم تتوقف عن إنزالها بالشعب الفلسطيني. فالماضي الثقيل الذي مر فيه دون معارضة داخلية دعم حكومات الغرب للجرائم المرتكبة في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية بالسلاح والمال أو التستر عليها وتجاهلها يكاد يغادر الفضاءات العامة في الغرب، ويحل محله حاضر جديد يتسم بتراجع الخوف من إدانة الجرائم الإسرائيلية عبر فك الارتباط بينها وبين الاتهامات المسبقة بمعاداة السامية. يتسم هذا الحاضر الغربي الجديد أيضا ببدايات تحرير النقاش الفكري والسياسي في الولايات المتحدة وفي أوروبا من عبء عدم جواز استخدام مفردات كالقتل الجماعي والتهجير القسري ومفاهيم كالإبادة والفصل العنصري حين مقاربة ما يتعرض له الفلسطينيين تسمية وتوصيفا، إذ لم يعد بمستهجن أن تسمع أصوات غربية تدين ما يدور على أرض غزة كجرائم قتل جماعي وتجويع وحصار وتهجير تصنف مجتمعة في خانات الإبادة التي تلزم بالامتناع عن تقديم الدعم للحكومة الإسرائيلية وعدم التستر على أفعالها والضغط عليها للكف عنها. لم يعد بمستهجن وضع عبارات «كالتجويع كسلاح» و»الإبادة» تحت صور الأجساد الهزيلة للأطفال والنساء والعجائز الواردة من غزة. ولم يعد فعالا بمعنى الإسكات دفع أصحاب الاتهامات المسبقة بمعاداة السامية بحتمية قصر استخدام مثل هذه المفردات والمفاهيم على جرائم الإبادة التي ارتكبها النازيون بحق اليهود في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. فأوجه المماثلة بين بعض جوانب محرقة اليهود (الهولوكوست) وجرائم الإبادة المرتكبة في غزة أوضح من أن تقبل صمتا أو ترويجا لتفرد تاريخي مدعى للجرم النازي الفظيع بحق اليهود بينما يرتكب بعضا منه اليوم بحق الفلسطينيين.

وما كان لهذه اللحظة الأمريكية والأوروبية المغايرة أن ترتسم ملامحها لولا انصراف الأصوات المعارضة لجرائم الحكومة الإسرائيلية عن مواصلة التعثر الفكري والسياسي بفعل الاشتباك غير المرغوب مع أصحاب المرادفة بين نتنياهو واليمين المتطرف وبين عموم الشعب الإسرائيلي وأصحاب اتهامات معاداة السامية المسبقة والمعلبة سلفا.

وليس للحظة عربية تنتصر للحق الفلسطيني المشروع في التحرر وتقرير المصير دون أن تخلط بين المقاومة المشروعة للاحتلال الإسرائيلي وبين جرائم الإرهاب والعنف ضد المدنيين الإسرائيليين ودون أن ترادف بين حماس وكل أهل غزة وعموم الشعب الفلسطيني، ليس لمثل هذه اللحظة أن ترتسم ملامحها إذا استمرت الأصوات العربية الرافضة للقتل والإبادة والعنف في كافة الأشكال والمطالبة بحل سلمي للقضية الفلسطينية يضمن العيش المشترك للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في الاشتباك مع من يروجون لحماس ويقصرون فعل المقاومة عليها ويخلطون بين المقاومة المشروعة وبين جريمة 7 أكتوبر 2023.

لن يفيد الاشتباك مع مدعي الحديث باسم المقاومة الذين لا يرون فيها سوى العنف في مواجهة العنف والقتل إزاء القتل ولا يبحثون فكريا أو سياسيا عن فرص الحل السلمي والعيش المشترك، إذ أنهم، شأنهم شأن اليمين المتطرف في إسرائيل، لا يقبلون وجود الآخر. فلا آخر فلسطيني يرفض المقاومة العنيفة ويدعو إلى المقاومة السلمية يقبل لدى هؤلاء، ولا آخر عربي يرفض جرائم الإبادة الإسرائيلية مثلما يرفض جرائم حماس مقبول لديهم، ولا وجود لآخر إسرائيلي يبحث عن السلام والعيش المشترك.

لن يفيد الاشتباك معهم، وهم هنا أيضا يتشابهون مع اليمين المتطرف في إسرائيل الذي يوظف سرديات الدين وتواريخ المظلومية لكيلا لا يعترض على جرائمه، لكونهم يدعون الصواب الكامل لكافة أفعال حركة حماس التي يحتكرون لها حق الحديث باسم الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة ولا يقبلون الحسابات الواقعية للمكاسب والخسائر العائدة على الفلسطينيين من جراء أفعال «الحمساويين» ويرفضون إعمال النظر النقدي في تداعيات 7 أكتوبر 2023.

ما نحتاجه اليوم في نقاشاتنا العربية هو فك الارتباط بين أفعال حماس وبين اختيارات الشعب الفلسطيني، بين جرائم القتل والعنف زيفا باسم المقاومة وبين المقاومة المشروعة ضد الاحتلال والمحتل، بين إدانة جرائم الإبادة الإسرائيلية في غزة والجرائم المرتكبة في الضفة الغربية وبين الصمت على جرائم حماس.

ما نحتاجه اليوم هو إظهار التماثل الفكري والسياسي بين اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يريد إلغاء الوجود الفلسطيني ويبرر الإبادة والقتل والتجويع والتهجير باستدعاء سرديات دينية وتاريخية، وبين المروجين العرب لحماس الذين يخلطون أيضا باسم الدين والتاريخ بين الإرهاب والقتل وبين المقاومة المشروعة ويلغون وجود الآخر الفلسطيني الباحث عن حل سلمي والآخر العربي الرافض للعنف والآخر الإسرائيلي القابل للعيش المشترك.

ما نحتاجه اليوم هو إظهار التماثل الفكري والسياسي بين اليمينين المتطرفين الإسرائيلي والعربي، بين أنصار نتنياهو وبن غفير وسموتيرتش وبين المروجين لحماس كحركة مقاومة معصومة لا يأتيها الباطل من بين يديها أو خلفها، ثم تجاوز اليمينين معا للاشتباك الإيجابي والبناء مع ضمير غربي وعالمي يريد إقرار الحق الفلسطيني في التحرر وتقرير المصير والعيش المشترك مع الشعب الإسرائيلي ويضغط لإيقاف الإبادة في غزة والجرائم في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة مذكرا بالتشابه الواضح بينه وبين ماضي الإبادة والقتل بحق اليهود وحق شعوب أخرى سبق أن واجهت محارق المستعمر والمستوطن الأبيض.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى