د. عمرو حمزاوي: الأمن في الشرق الأوسط غياب مؤقت للحرب أم تسوية طويلة المدى؟

د. عمرو حمزاوي 30-9-2025: الأمن في الشرق الأوسط غياب مؤقت للحرب أم تسوية طويلة المدى؟
تمثّل غزة اليوم مرآةً مكثّفة لتحديات الأمن في الشرق الأوسط. فالحرب التي تحوّلت إلى حرب إبادة، وما خلّفته من مأساة إنسانية غير مسبوقة، لم تقتصر تداعياتها على القطاع وحده، بل امتدت لتلقي بظلالها على الإقليم بأسره.
هنا يتضح أن الأمن في المنطقة لم يعد يقاس فقط بميزان القوى العسكرية بين الدول، بل بقدرة المجتمعات على الصمود، وبمدى التزام القوى الدولية بمبادئ القانون الدولي والعدالة.
ما يحدث في غزة يثير تساؤلات أساسية حول مستقبل الإقليم: إلى أي مدى يمكن لنظام إقليمي يعاني أزمات بنيوية أن يستوعب حربًا بهذا الحجم؟
وكيف سينعكس العجز الدولي عن وقف المجازر على تصورات الأمن لدى الشعوب والدول؟
لقد كشفت هذه الحرب عن هشاشة بنية الأمن الإقليمي، وأبرزت أن استمرار الاحتلال، وإقصاء الفلسطينيين عن أي تسوية حقيقية، يفتح أبوابًا متجددة لعدم الاستقرار.
الخطة الأمريكية الجديدة لغزة جاءت كاستجابة لاعتراف واشنطن بأن استمرار الحرب دون أفق إنساني وسياسي ينذر بانفجار إقليمي واسع.
تقوم الخطة على إنشاء مؤسسة إنسانية جديدة، وإدارة المساعدات عبر آليات مراقبة مشدّدة، مع مراكز توزيع محدودة، وإشراف شركات أمنية خاصة. كما تتضمن مقترحات سياسية من 21 نقطة تشمل إطلاق الأسرى، انسحابًا تدريجيًا للقوات الإسرائيلية، وتشكيل حكومة انتقالية.
من جهة أولى، تمنح هذه الخطة بارقة أمل بتوفير المساعدات في بيئة منظمة، وبإطلاق مسار سياسي طال انتظاره. ومن جهة ثانية، تثير مخاوف من أن تتحول إلى أداة لإعادة هندسة المشهد الفلسطيني، وربما لفرض ترتيبات أمنية تقيّد الحركة وتؤسس لتهجير صامت. نجاح الخطة مرهون بقدرتها على التوفيق بين الضرورة الإنسانية وبين احترام الحقوق والسيادة الفلسطينية والاستبعاد الكامل لجريمة التهجير.
انعكاسات غزة على الأمن في الشرق الأوسط يمكن رصدها على ثلاثة مستويات متداخلة:
الأمن المجتمعي: انكشاف المدنيين الفلسطينيين لسياسات العقاب الجماعي أضعف ثقة المجتمعات العربية في جدوى أي ترتيبات أمنية لا تحمي الإنسان أولًا. وهذا يعزز الإدراك بأن الأمن لا يُبنى على الردع العسكري وحده، بل على العدالة والكرامة.
الأمن الإقليمي: الانتهاكات المتكررة في غزة ولبنان وسوريا تجعل عسكرة الحدود أمرًا دائمًا، وتزيد من احتمالات توسع الصراعات. هشاشة الاستقرار في دول مثل لبنان والسودان وليبيا تبرز كيف يمكن أن تتدفق الأزمات من بؤرة إلى أخرى، ما يفرض كلفة باهظة على غياب تسوية جذرية للقضية الفلسطينية.
الأمن الدولي: عجز المؤسسات الأممية عن فرض التزامات واضحة على إسرائيل كشف حدود النظام الدولي بصيغته الراهنة، ومنح قوى كبرى أخرى مثل روسيا والصين فرصة لتعزيز نفوذها عبر نقد السياسات الأمريكية. هذا التحوّل ينعكس على التوازنات العالمية، ويفرض على المنطقة التعامل مع تعددية قطبية مضطربة.
وتتطلب إعادة تعريف الأمن في الشرق الأوسط بعد غزة توافر أربعة شروط أساسية:
-وقف شامل للحرب يسمح باستعادة الثقة الإنسانية والسياسية.
-شراكة فلسطينية حقيقية في أي خطة لإعادة الإعمار والإدارة، بما يضمن تمثيل القوى الوطنية والمجتمع المدني، ويمنع فرض ترتيبات خارجية.
-إطار عربي ـ إقليمي مشترك يتجاوز منطق الوصاية، ويقدّم رؤية متوازنة للأمن ترتكز على التنمية والعدالة، بدلامن الاقتصار على الترتيبات العسكرية.
-التزام دولي متوازن لا يُختزل في ضمان أمن إسرائيل وحدها، بل يتسع لحماية الفلسطينيين وحقوقهم باعتبارها جزءًا من الأمن الإقليمي والعالمي.
لن تكون استعادة الأمن في الشرق الأوسط بعد غزة كما كان الحال قبلها. فإذا استمرت المقاربة الأحادية التي تدمج العمل الإنساني بالتحكم الأمني، فإن النتيجة لن تكون سوى إعادة إنتاج الفوضى. أما إذا تحولت المبادرات الدولية ـ وفي مقدمتها الخطة الأمريكية ـ إلى مدخل لمقاربة عادلة تنطلق من الإنسان وحقوقه، فقد نكون أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف الأمن في المنطقة كمنظومة متكاملة للعدالة والكرامة والعيش المشترك، لا مجرد غياب مؤقت للحرب.