أقلام وأراء

اسرائيل وحماس اتفقتا على التهدئة

د. علي الاعور

بقلم: د. علي الاعور* ٢٩-٤-٢٠٢٢م

على مدى الصراع الفلسطيني الاسرائيلي منذ النكبة وحتى اليوم كانت هناك مفاوضات بين الجانب الاسرائيلي و الفلسطيني من خلال وسطاء غربيين او عرب وكانت تتكل بنتائج مرضية للطرفين سواء من خلال الاحزاب الاشتراكية العالمية او من خلال فيليب حبيب او من خلال المانيا او المغرب وساهمت في عمليات تبادل اسرى وتجسدت في النهاية باتفاق اوسلو 1993 .
واليوم مع بروز القضية الفلسطينية على المشهد الدولي بعد الانتفاضة الاولى 1987 و الثانية 2000 و انتفاضة القدس 2015 وصولا الى هبة باب الاسباط 2017 والحرب الاخيرة على غزة ايار 2021 ،كانت الوساطة المصرية و القطرية و التركية تلعب دورا بارزا في التوصل الى تهدئة ومازالت قائمة وان كانت تهدئة تخضع لكل التطورات في الاراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
وكانت احداث المسجد الاقصى المبارك وباب العامود في القدس في شهر رمضان المبارك 2022 وما سبقته من تسهيلات اسرائيلية ومنح اكثر من 12 الف تصريح عمل وتجارة في اسرائيل لسكان قطاع غزة من قبل ” غسان عليان” منسق اعمال الحكومة الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة وما تلته من اقتحامات يهودية متطرفة برئاسة بن غفير الكهاني ودخول الشرطة الاسرائيلية الى المسجد الاقصى المبارك واعتقال ما يزيد على 450 من الشباب في داخل المسجد القبلي كان له تداعيات خطيرة سبقته العمليات العسكرية في ” قلب تل ابيب في بني براك وفي ميدان الديزنكوف ” جميع تلك الاحداث جعلت القيادة السياسية و الاجهزة الامنية في اسرائيل ومعهم حركة حماس تفكران في الاجابة على سؤال مركزي وهام في خضم تلك الاحداث المتسارعة ” هل الامور تتجه الى مزيد من التصعيد؟ الى مدى ممكن ان تصل درجة التصعيد؟ هل تصل الى المواجهة وبالتالي حرب مفتوحة على غزة؟
ربما فكرت حركة حماس و القيادة السياسية في اسرائيل في الواقع السياسي و الاقتصادي الذي تعيشه اسرائيل وقطاع غزة وعبر واساطات معينة برئاسة رئيس المخابرات المصرية ” اللواء عباس كامل” توصلت حركة حماس و اسرائيل الى قناعة بان التهدئة هي الخيار الوحيد وعدم التصعيد من كلا الجانبين في هذه المرحلة. وللوقوف على طبيعة الواقع السياسي و الاقتصادي الذي تعيشه كل من حماس واسرائيل و الاسباب التي دفعت بالطرفين للقبول بالتهدئة وعدم التصعيد:
اولا حركة حماس: بعد الحرب الاخيرة على غزة في ايار 2021 ، يبدو ان حماس حققت اهدافها السياسية عندما تصدت لمسيرة الاعلام في باب العامود ومنعت طرد وتهجير العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح وكسبت جماهير كبيرة من الشارع المقدسي تاييدا لها ، الا ان حجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة ارادت حماس ان تخلق الاجواء المناسبة من اجل اعادة اعمار غزة حيث بقرار من الرئيس المصري ” عبد الفتاح السيسي ” ادخل المعدات و المهندسين المصريين للبدء في اعادة اعمار غزة بالاضافة الى الضغوطات الاقتصادية حيث وصلت نسبة البطالة في غزة الى اكثر من 70 % بالاضافة الى المشاكل الاجتماعية بين العائلات و الافراد نتيجة البطالة و الفقر المدقع في قطاع غزة .
وعندما اصدر في آب 2021 ” غسان عليان” منسق اعمال الحكومة الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة 2000 تصريح تجارة ” للعمل في اسرائيل” لم يكن ذلك بعلم او بمعرفة او بالتنسيق مع حركة حماس وفقا للاعلام الاسرائيلي فان حماس تنفست الصعداء ولم تعارض دخول العمل من غزة الى اسرائيل ووصل عدد التصاريح حتى شهر آذار 2022 الى اكثر من 12 الف تصريح عمل بالاضافة الى دخول التجار ورجال الاعمال وادخال مواد البناء و خاصة الاسمنت الابيض الذي اعاد فتح مصانع غزة لانتاج الكراميكا و البورسلان ودخول مصانع الحياكة و المنسوجات و الملابس وغيرها من التسهيلات ووفقا للاعلام الاسرائيلي فان اجرة العامل من غزة في اسرائيل تتراوح ( 300 – 500 شيكل يوميا ) بمعنى دخول 50 مليون شيكل يوميا الى قطاع غزة وظهور الانفتاح الاقتصادي في قطاع غزة بالاضافة الى فتح مصانع الباطون والبناء والحد من نسبة البطالة في داخل غزة بنسبة كبيرة جدا.
تلك المعطيات ساهمت بشكل كبير في اتخاذ حماس قرار واضح ” نعم للتهدئة” وحتى في ظل الاقتحامات الاسرائيلية من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة والشرطة الاسرائيلية الى المسجد الاقصى المبارك وقصف اسرائيل لبعض المواقع العسكرية و الامنية لحركة حماس الا ان حماس التزمت بشكل كبير وباعلى درجات ضبط النفس و التزمت بالتهدئة من خلال وساطات قطر ومصر وتركيا ودول اوروبية وفقا لمصادر حركة حماس.
ثانيا: اسرائيل : لعل السؤال المركزي الذي كان يدور في اروقة القيادة الامنية و السياسية في اسرائيل هل يستمر التصعيد بشكل اكبر خلال شهر رمضان وهل يصل التصعيد الى حرب مفتوحة مع حركة حماس؟ يبدو ان القرار السياسي الاسرائيلي كان واضحا ” يجب تثبيت التهدئة مع حركة حماس ” خلال هذه المرحلة خلافا لتصريحات كوخافي وبني غانتس ” الا ان الامور على الارض كانت تشير بان اسرائيل ترغب في التهدئة من خلال الاجراءات التالية:
عندما قامت اسرائيل باعلان الاغلاق على الضفة الغربية وقطاع غزة خلال عيد الفصح اليهودي صرح ” غسان عليان ” منسق اعمال الحكومة الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة بان ” الاغلاق اجراء وقائي فقط وليس اغلاقا امنيا” واضاف بان اعادة فتح معبر بيت حانون ” معبر ايرز” لعمال غزة لن يستغرق سوى بضعة ايام وان اعداد التصاريح لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة للعمل في اسرائيل سوف تزيد اعدادها واسرائيل ليست معنية بالتصعيد.
اما قصف قطاع غزة خلال احداث الاقصى ربما كان ردا على اطلاق قذيفتين احداها وصلت الى سديروت و الثانية لم تتجاوز حدود قطاع غزة ، وقتها اصبحت اسرائيل مقتنعة تماما بان حماس و ذراعها العسكري ” كتائب القسام” لا علاقة لها باطلاق القذائف ” وكتب ” عاموس هرئيل في صحيفة هارتس” بان اسرائيل وحماس تتجهان نحو التهدئة.
اما بالنسبة الى باب العامود فان اسرائيل عملت على تقليص اعداد الشرطة الاسرائيلية في باب العامود بشكل كبير جدا خوفا من الاحتكاك بين الشباب الفلسطيني و الشرطة الاسرائيلية وكان قرار الحكومة الاسرائيلية وتحديدا من نفتالي بينت ” منع بن غفير الكاهاني من المرور بمسيرة الاعلام من باب العامود و الحي الاسلامي في البلدة القديمة تتويجا ورغبة من الحكومة الاسرائيلية في التوصل الى التهدئة وعدم التصعيد.
تلك المعطيات كلها تشير بان هناك تفاهمات واتفاق من خلال الوسيطين المصري و القطري بتثبيت التهدئة بين حماس و اسرائيل وربما زيارة الوفد الامريكي برئاسة مساعدة وزير الخارجية الامريكي ” ياعيل لمبرت وهادي عمر “الى رام الله ساهمت في التهدئة في الضفة الغربية .
ولكن ربما تلك التهدئة لن تساهم في حلول جذرية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي على اعتبار ان الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية و القدس الشرقية و قطاع غزة هو مركز الصراع ولا بد ان ينتهي الاحتلال وتطبيق قرارات الشرعية الدولية من خلال حل الدولتين ” دولة فلسطين الى جانب اسرائيل”.

*باحث ومختص في العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى