#شؤون إسرائيلية

عليان الهندي يكتب – قراءة في الانتخابات الإسرائيلية

بقلم عليان الهندي

انتهت الجولة الثانية من الانتخابات الإسرائيلية ،خلال العام، في الثامن عشر من شهر سبتمبر عام 2019، بعدم قدرة أكبر حزبين في دولة إسرائيل، على تشكيل حكومة، وبتراجع ما يسمى بمعسكر اليمين واليمين المتطرف فيها، بحصوله على 55 مقعد، مقابل حصول ما يسمى ظلما بمعسكر اليسار الذي يقوده حزب أزرق-أبيض على 44 مقعد، في حين حصل حزب إسرائيل بيتنا على 8 مقاعد أهلته ليكون “قبة الميزان” في تشكيل أية حكوة إسرائيلة قادمة، والفائز الأكبر في الانتخابات الحالية، بعد أن شارف على السقوط في الجولة السابقة. أما الأحزاب العربية، التي دخلت الانتخابات في أربعة أحزاب، لم ينجح منها سوى القائمة العربية بـ 13 مقعد، وبالتالي كان لها مساهمة في المأزق السياسي الذي تعيشه إسرائيل اليوم، وبإمكانية إخراج بنيامين نتنياهو من الحياة السياسية.

تجري الانتخابات في دولة إسرائيل، وفق قانون النسبية، وسن الكنسيت قانون خاص عام 2014 حدد فيه نسبة الحسم بـ 3.75% من الأصوات، لحصول أي حزب على 4 مقاعد في الكنيست بأية انتخابات. وقد سن القانون المذكور، الذي كان حزب يسرائيل بيتنا بقيادة أفيغدور ليبرمان من المبادرين له، خصيصا للعرب بهدف إخراجهم في أية انتخابات قادمة بطريقة ديمقرطية، أو تقليص عدد أعضاء الكنيست العرب لأقل عدد وبالتالي أقل تأثير !؟. ونتيجة ذلك، اتفقت الأحزاب العربية  على خوض الانتخابات في قائمة موحدة أسمتها القائمة المشتركة عام 2015.

وكان هدف الانتخابات النسبية، كما طمح مشرعي قانون النسبية مع بداية تكوين “دولة إسرائيل”، هو مشاركة جميع فئات المجتمع الإسرائيلي من علمانيين ومتدينيين ويسار ويمين، وغير ذلك من التسميات. لكن استمرار طريقة الانتخابات تلك، حولها إلى انتخاباتقطاعية، مثل فيها كل حزب، قطاع معين من المجتمع الإسرائيلي في الكنيست. ونتيجة لاستمرار الانتخابات النسبية، تمأسست في المجتمع الإسرائيلي أربعة قطاعات مهمة، ليس فقط من الناحية الانتخابية، بل قطاعات سياسية واجتماعية واقتصادية، نجحت في خلق نوع من التعايش فيما بينها، باستثناء العرب الذين حرموا من المشاركة السياسية والاجتماعية في دولة إسرائيل. القطاعات المذكورة والممثلة بالكنيست الحالية هم:

1. اليهود الروس – الذين قدموا لـ “دولة إسرائيل بعد عام 1990، ويشكلون اليوم أكثر من 20% من اليهود في الدولة، وهذا القطاع من السكان منقسم إلى ثلاثة أقسام هم: الجيل القديم، الذي ولد وترعرع في روسيا، وظل حتى هذا اليوم من المصوتين للأحزاب الممثلة لليهود الروس. الجيل الثاني، الذي ولد في إسرائيل واندمج ،بشكل أو بأخر، في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل إسرائيل، وبالتالي انقسم صوته بين الأحزاب الصهيونية خاصة بين الليكود وبين حزب أزرق-أبيض. والثالث، من يصنفون أنفسهم بلا دين، معظمهم من المسيحيين الذين قدموا مع الهجرة الروسية في بداية التسعينيات، وتقدر نسبتهم بـ 5% من مجموع اليهود الروس.  
2. المتدينين المتزمتين على مختلف أنواعهم والمستوطنين، وهم مجتمعين يشكلون ما يقارب من 21% من دولة إسرائيل.
3. بقية اليهود – الذين يصنفون انفسهم من علماني حتى متدين وهم يشكلون 32% من اليهود، وهم مع اليهود الروس يشكلون 52% من سكان “دولة إسرائيل”، وهم الذين جرت بينهم المنافسة الحقيقية في الانتخابات الحالية.
4. الفلسطينيين العرب الذين يشكلون أكثر بقليل من 17% من مجموع سكان دولة إسرائيل، وهم المفروضة عليهم المقاطعة السياسية منذ تشكيل دولة إسرائيلي حتى اليوم.    

تحاول المقالة الحالية، البحث في نتائج الانتخابات، ودراسة انعاكساتها المختلفة، خاصة في الشق الفلسطيني، الذي احتل حيزا مهما في الانتخابات، من خلال الدعوة التي أطلقها رئيس حكومة “دولة إسرائيل” بنيامين نتنياهو، الداعية لضم مناطق الأغوار الشمالية وشمال البحر الميت، وغيرها من المستوطنات للدولة العبرية.

الحملة الانتخابية والبرامج

باستثناء حزبي أزرق-أبيض وإسرائيل بيتنا، لم تطرح الأحزاب الإسرائيلية أية برامج انتخابية، بما فيها الحزب الحاكم (الليكود) الذي يقوده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي حاول من دون نجاح تحويل الانتخابات، من انتخابات حول استمرار شرعية وجوده في الحياة السياسية الإسرائيلية، خاصة بعد التهم المختلفة بالفساد والرشوة، له ولعائلته والمقربين منه، الذين قدمت بحق بعضهم لوائح اتهام مختلفة، إلى انتخابات لمواجهة ما يسمى بالتهديدات والمشاكل الأمنية التي تواجه إسرائيل، وبمحاولته رسم حدود جديدة بواسطة ضم غور الأردن وشمال البحر الميت لدولة إسرائيل.  

وفي المقابل، ومنذ عدة سنوات، تحاول النخب الإسرائيلية ،السياسية والاجتماعية والثقافية، إزاحة بنيامين نتنياهو عن سدة الحكم، وإخراجه من الحياة السياسية، معتقدين أنه لم يعد يملك شيئا جديدا يقدمه لدولة إسرائيل، سوى تعميق الانقسام بين العلمانيين والمتدينين والمستوطنين، الذين عقد معهم تحالفا عميقا، زاد من خلاله قوتهم ونفوذهم داخل المجتمع الإسرائيلي، بشكل وطرقة لا تتناسب ونسبتهم بين السكان، وفسادا مستشريا عنده وعند أفراد عائلته والمقربين منه، ادت إلى تقديم لوائح اتهام مختلفة بحق بعضهم، ومن المقرر أن توجه لوائح اتهام بحق بنيامين نتنياهو نفسه. وفي الشق الفلسطيني، اتهم من قبل جزء كبير من القطاع الذي يمثله هو، بأنه يعمل على تدمير ومسح الطابع اليهودي لدولة إسرائيل من خلال، رضوخه لأحزاب اليمين المتطرف العاملة على ضم الضفة الغربية لدولة إسرائيل.

وأخيرا وجدت النخب المذكورة، ضالتها في حزب أزرق-أبيض -اسم مستوحى من علم إسرائيل، الذي يعني باللغة العبرية الفصحى والعامة بأنه منتوج إسرائيلي الذي يمثل النخب العسكرية والعلمانية، وغيرهم، من الذين حاول بنيامين نتنياهو إخراجهم من الحياة السياسية في دولة إسرائيل، خلال العقد المنصرم، بواسطة توجيه اتهامات لهم بأنهم أحزاب وشخصيات يسارية. واليسارية هنا وفق مفهوم بنيامين نتنياهو، هو يسارية معادية للدين وللمتدينين المتزمتين في الدولة، وبالتالي لا يمكن الاتفاق معهم في أية حكومة قادمة. ويسارية بالمفهوم السياسي، المتمثل باستعداد هذه الشخصيات والأحزاب، تقديم تنازلات للفسطينيين، تقسم من خلالها “إسرائيل التاريخية” ومن ضمنها مدينة القدس.

إجمالا يمكن القول، أن الانتخابات الأخيرة (سبتمبر 2019) والتي سبقتها بخمسة أشهر، تمحورت بالأساس حول شخصية واحدة هي بنيامين نتنياهو، آتى بعدها الخلاف على تجنيد طلاب المدارس الدينية، وبصورة أدق حول الصراع المتنامي بين المتدينين والعلمانيين في دولة إسرائيل، الذي يطالبون بالمساواة في تحمل الأعباء.

عوامل الفشل

على مدار العقد المنصرم من رئاسته لوزراء حكومة إسرائيل، وضع بنيامين نتنياهو ثلاثة أهداف مركزية له هي: الأول، إنهاء اتفاق أوسلو، وايجاد تسوية جديدة مع الشعب الفلسطيني قائمة على التخلص من حكم الفلسطينيين مع المحافظة على أراضيهم تحت السيادة الإسرائيلية. والثاني، تغيير النخب الإسرائيلية القديمة واستبدالها بنخب غير تقليدية. والثالث، البقاء لأطول فترة ممكنة في الحكم.

ونتيجة لجهوده في تحقيق الأهداف الثلاث، خرجت النخب المختلفة، خاصة العسكرية منها، التي عمل على عدم إدخالها في المعترك السياسي، لقدرتها على تشكيل تهديد حقيقي له، منذ الانتخابات التي جرت عام 1996 حين دخل في مواجهة مباشرة مع الجيش عندما كشف عن الرواتب الهائلة التي يتلقاها كبار ضباط الجيش، وهي أكبر من الرواتب التي يتلاقها رئيس الوزراء ووزراء حكومته، ودخل في مفاوضات سرية مع النظام السوري، كشفها جهاز الاستخبارات فيما بعد، وتسببت مع غيرها من العوامل في إسقاط بنيامين نتنياهو من الحكم، الذي اعتبر في أوساطهم غير ناضج لتسلمه.

لذلك، عمل مع غيره من الأحزاب عام 2007 على سن قانون يمنع بموجبه من خدم في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من دخول المعترك السياسي لمدة 3 أعوام. ما أثار حفيظة جنرالات الجيش المتقاعدين حديثا وقديما معتبرين إياها محاولة من الليكود ومن يقف على رأسه، بنيامين نتنياهو، منعهم من دخول المعترك السياسي.

واصطف إلى من يصنف بأعداء بنيامين نتنياهو، رئيس حزب أفيغدور ليبرمان الذي تولى خلال حكم الليكود العديد من المناصب الوزارية، التي كان من أهمها حقيبتي الخارجية والدفاع، التي عاني فيها الأمرين نتيجة تدخل نتنياهو في عمله وصلاحياته. ففي وزارة الخارجية حُرم ليبرمان من العمل في أهم ملفين خارجيين هما، العلاقات مع الولايات المتحدة ،التي اعتقدت لفترة ما أن ليبرمان هو جاسوس لروسيا، حيث تولى نتنياهو بنفسه ملف هذه العلاقات، في حين أوكل ملف التهديد الإيراني والعلاقات مع الدول العربية إلى رئيس الموساد يوسي كوهين، أحد أقرب الشخصيات من نتنياهو، في حين اوكلت القضايا الثانوية مثل العلاقات مع أوروبا إلى ليبرمان. أما في وزارة الدفاع، لم يدرك ليبرمان أنه ليس القائد الأعلى للجيش، وبالتالي لا يحق له إصدار الأوامر أو إعطاء التعليمات، وأن مهتمه الأساسية وفق القانون تنحصر في التنسيق بين الجيش والحكومة فقط، ما أثار خلافات مريرة مع نتنياهو متهما إياه بمنع حسم المعركة مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة.

أما الأحزاب العربية، التي أدرك بنيامين نتنياهو، أن بقاؤه في سدة الحكم يتطلب تراجع تمثيلها في الكنيست، دفعته للتحريض عليها، وعلى ما يمثلون. وفي الانتخابات السابقة، ولدفع الجمهور اليهودي للتصويت له، اتهم العرب بأنهم يغزون الصناديق لإسقاطه.

أهمية الصوت العربي التقطتها القيادات العربية التي ذهبت باتجاه العودة إلى القائمة المشتركة. والأهم من ذلك، هو دغدغة مشاعر نسبة كبيرة من الجهور العربي، خاصة في أوساط الشباب منهم، في الاندماج بدولة إسرائيل بحكم الأمر الواقع، حين صرح رئيس القائمة العربية ايمن عودة، أن مهمة القائمة ليس فقط إسقاط بنيامين نتنياهو، بل المشاركة في الحياة السياسية والبرلمانية في إسرائيل بشكل يتناسب مع قوتها الانتخابية، وأعرب عن دعمه لبنيامين غانتس لتشكيل الحكومة، وتوفير شبكة أمان له إذا طلب ذلك، ما ساهم برفع نسبة التصويت في صفوف العرب 10% إضافية.

إضافة لذلك، مر المجتمع الفلسطيني في دولة إسرائيل بتغييرات مهمة خلال العقد الماضي، تمثلت بانتشار الاكاديميات التعليمية والتعليم في صفوفهم، وبرغبة إسرائيلية رسمية بمنح هؤلاء الخريجين الاندماج في سوق العمل الإسرائيلي بشكل فردي، وليس بشكل جماعي، خاصة في الصحة والتعليم ورجال الأعمال والتكنولوجيا المتقدمة، وغيرها من المجالات التي ليس لا علاقة بالأمن. كما أن توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو دفع الكثير من الفلسطينيين في دولة إسرائيل، خاصة جيل الشباب منهم إلى البحث عن الذات، بعد أن ربط مصيره بمصيرهم منذ النكبة حتى اليوم.

نتائج الانتخابات

نتيجة للوضع المذكور، جاءت نتائج الانتخابات معبرة، بشكل أو بآخر عن التقسيمات التي فرضها قانون النسبية، ما دفع كل الأطراف إلى المطالبة بحصتها من “الكعكة الإسرائيلية”، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعد أن كانت محصورة في أحزاب المتدينين المتزمتين والمستوطنين، التي تشير الاحصائيات فيها، أن المبالغ التي حصل عليها المتدينين المتزمتين، لصالح المدارس الدينية وطلابها فقط، الذين يصل عددهم اليوم إلى 130 ألف طالب يدرسون التوراة، تصل إلى ما يقارب من 400 مليون دولار عام 2018 زيادة عما هو مخصص للإسرائيلي العادي، من دون العرب.

وعلى نفس السياق، سار اليهود الروس، الذين يطالبون بأمرين أساسيين هما: الأول، المساواة في تحمل الاعباء مع الأحزاب الدينية، وبدرجة أدق سن قانون التجنيد طلاب المدارس الدينية، الذين سيصبح عددهم في السنوات القادمة مساويا لعدد الجيش النظامي في إسرائيل. والثاني، عدم سن قوانين تقيد جمهور اليهود الروس العلمانيين، والتراجع عن بعض القوانين التي سنت في الأعوام الماضية مثل المحافظة على قدسية يوم السبت، من خلال عدم تشغيل وسائل المواصلات الخاصة وفتح المراكز التجارية وغيرها.

ونتيجة للمطالب العلمانية ،التي تقدم بها رئيس حزب إسرائيل بيتنا، دخلت مؤسسات الحكم في إسرائيل في مأزق، يبدو من خلاله أن المخرج الوحيد له، هو إخراج بنيامين نتنياهو من الحكم، وايجاد طريقة ما لتجنيد طلاب المدارس الدينية في الجيش الإسرائيلي.

وكان العرب هم الطرف الثاني، الذي بدأ البحث عن مكانة سياسية، وعن امتيازات لصالح القطاع الذي يمثله، خاصة أن مساهمة العرب في الاقتصاد الإسرائيلي تصل إلى 40 مليارد شيكل سنويا، لا يتلقون مقابلها خدمات تذكر. وهنا أيضا يبدو أن المخرج من هذه المشاكل هو بخروج بنيامين نتنياهو من سدة الحكم، خاصة أن منافسه الأساسي بنيامين غانتس قدم وعودا علنية بإنشاء مدينة عربية جديدة، وبتقديم ميزانيات مختلفة، وتعديل قانون القومية، مقابل توفير القائمة المشتركة شبكة أمان لحزب أزرق أبيض في الكنيست ؟.

أما الطرف الأخير، الذي عاد بقوة كبيرة إلى الساحة السياسية، والذين حاول بنيامين نتنياهو إقصاؤهم، من دون المس بمصالحهم الاقتصادية، هم أبناء النخب العسكرية، الذين يقودون مع يئير لبيد حزب أزرق-أبيض، الذين أسسوا ما يشبه انتفاضة ضد حكم بنيامين نتنياهو، المتهم من قبلهم بمحاولة شق “الشعب الإسرائيلي” وبمحاولة القضاء على يهودية الدولة اليهودية من خلال ضم الضفة الغربية، وقضايا الفساد والرشاوى المتهمين بها هو وعائلته والمقربين. ووفق المعطيات يعتبر هذا الحزب هو الفائز الأكبر في هذه الانتخابات الذي يضم في صفوفه الأولى 5 جنرالات، بمن فيهم رئيس الحزب بنيامين غانتس.

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي بدأت الدوائر تضيق حوله، فقد أصبح ولأول مرة منذ عشرة أعوام، أسيرا لشخصين هما أفيغدور ليبرمان، الذي يستطيع انقاذه من المأزق الذي دخل وفيه، وأدخل معه الدولة كاملة ليستكمل مشاوره السياسي، وهو لن يفعل ذلك نظرا لشروطه التي يعتبرها نتنياهو مجحة بحقه خاصة فك التحالف مع الأحزاب المتزمتة دينيا (الحريديم) التي تملك سويا 16 مقعد في الكنيست، والذهاب نحو حكومة وحدة وطنية علمانية ليبرالية، يتم من خلالها تبادل منصب رئيس الوزراء مع بنيامين غانتس بعد عامين.

أما الشخص الثاني، الذي بإمكانه تخليص نتنياهو من المأزق الذي يمر به، وإعادته للحياة السياسية، هو المستشار القضائي للحكومة، آفيحاي مندلبليت، الذي يعتبر من أكثر الأشخاص الذين تعاملوا بحذر شديد جدا مع ملفات رئيس الوزراء، لدرجة أنه استدعى كل المستشارين القضائيين السابقين للحكومات المختلفة، للتشاور معهم قبل أن يُعلِم نتنياهو أنه ينوي توجيه لائحة اتهام له، التي إذا تضمنت بندين هما: خيانة الأمانة وتلقي الرشاوي، فإن نتنياهو سينهي حياته السياسية إلى الأبد، وربما تفضي هذه التهم إلى السجن كسابقه إيهود أولمرط.

وفي حالة إصرار أيا من الشخصين المذكورين أعلاه على مواقفه، لن يبقى أمام نتنياهو سوى خيار أخير، وهو التوجه نحو انتخابات جديدة وثالثة خلال عام، وهو رئيس وزراء، كي يكسب المزيد من الوقت، تحت شعار لا يوجد ما يخسره. وهي انتخابات أشارت كل الاستطلاعات التي أجريت أنها لن تغير في المعادلة السياسية شيء، ويبدو هنا أن الأمور تسير نحو ذلك.

ويبقى هناك سيناريو أخير لإزاحة نتنياهو من منصب رئيس الوزراء، وهو تشكيل حكومة أقلية برئاسة بنيامين غانتس، لفترة قصيرة جدا لشهرين أو ثلاثة- تعمتد في تشكيلتها على دعم 52 عضو كنيست، فيما توفر القائمة العربية المشتركة شبكة أمان، ومن ثم تتجه لانتخابات جديدة من دون بنيامين نتنياهو رئيسا للوزراء.

انعكاسات على الفلسطينيين

بداية لا بد من الإشارة أن الانتخابات الإسرائيلية، أسقطت، وبشكل كبير، تيار اليمين المتطرف الذي يقوده بنيامين نتنياهو، المطالب بضم 40% من الضفة الغربية لدولة إسرائيل، مع إعطاء الفلسطينيين نظام حكم مختلف عن النظام الموجود في دولة إسرائيل، بمعنى أن الانتخابات أسقطت التيار الإسرائيلي الداعي لإقامة دولة واحدة بنظامين، من دون موافقة فلسطينية.

وكان مقرر لهذا النظام أن يسري بعد أن يرفض الفلسطينيين، المبادرة الأمريكية (صفقة القرن) للحل، ما يدفع الحكومة الإسرائيلية في البداية إلى ضم غور الأردن والكتل الاستيطانية الكبيرة، بموافقة أمريكية أو بعدم تعليقها على هذه الخطوة.

الحل المذكور، اعتبرته بقية الأحزاب الصهيونية، خاصة حزب أزرق-أبيض مبادرة للقضاء على دولة إسرائيل، كدولة يهودية وديمقراطية، وفي نفس الوقت لا تنهي الصراع مع الفلسطينيين، الذين أصبحوا يشكلون أغلبية في المنطقة الواقعة بين البحر والنهر فلسطين الانتدابية. ما يعني أن إسرائيل ستظل تحتاج لشرعية اعتراف الفلسطينيين ومن خلفهم العرب والمسلمين بالوجود والرواية الصهيونية في فلسطين التاريخية، بدلا من المحافظة عليها بالقوة المسلحة.

ويعتقد أن الحكومة القادمة، خاصة إذا شكلت من قبل حزب أزرق-أبيض، التي تضم من بين أول أربعة من قادتها، ثلاثة رؤساء أركان ساهموا بشكل هائل في رسم السياسة الإسرائيلية، اتجاه الفلسطينيين خلال العقدين الماضيين، ستذهب باتجاه المحافظة على استمرار الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وإلى تبني السياسة الرسمية المرسومة من قبل المؤسسة العسكرية الحارسة للاستقرار السياسي في دولة إسرائيل، الداعية لعدم ضم أية مناطق من الضفة الغربية من دون موافقة فلسطينية، وإقامة كيان مستقل يسميه الفلسطينيين ما يشاؤوا. بمعنى أخر سيعود الفلسطينيين مرة أخرى إلى حلقة المفاوضات المفرغة نتيجة رفض إسرائيل منحهم الحد الأدنى من حقوقهم.

كما يرفض الحزب وفق البرنامج المنشور، أية خطوات أحادية الجانب في الضفة الغربية، لكنه سيدفع باتجاه تخفيف الكثير من القيود المفروضة عليها، وسيمح لها بهامش تحرك معين في مناطق C. وعليه، يبدو أن العنوان القادم للسياسة الإسرائيلية القادمة استمرار إدارة الصراع مع الفلسطينيين، الذين لا يعتقد أن هذا الخيار سيء بالنسبة لهم في ظل الظروف الحالية المحلية والأقليمية والدولية التي لا تسير في صالحهم بالوقت الحاضر.

وفيما يتعلق بقطاع غزة، وفي حال تشكيل حزب أزرق-أبيض الحكومة، ووفق ما صرح به قادته، يُعتقد أن المرحلة القادمة، ستشهد ،في حال وقع تصعيد معين تسبب بتعطيل الحياة العامة في إسرائيل أو قتل عددا من الإسرائيليين، ستشهد حربا مدمرة، وضعت لها المخططات قبل عدة أشهر. ولولا التدخلات المصرية والدولية، وتهديد بعض الدول المانحة، بعدم إعمار قطاع غزة في أي حرب قادمة، لكنا اليوم أمام واقع مختلف لقطاع غزة.

وفيما يتعلق بالفلسطينيين العرب في فلسطين الانتدابية، يبدو أن عدم تحقيق السلامسيشكل حجر الأساس بوجه أي محاولة من قبلهم للدخول في المعترك السياسي الإسرائيلي، لأنهم لا يستطيعون، بأي حال من الأحوال، المشاركة أو الصمت، على أي قرار قد يتخذ ضد الفلسطينيين. وجل ما سيحصل عليه الفلسطينيين العرب هو بعض الامتيازات القائمة على استمرار الفصل بين اليهود والعرب داخل دولة إسرائيل، مثل إقامة مدينة جديدة لهم، بدلا من استمرار السكن في المدن المشتركة مثل نتسيرت عيليت (نوف هغليل حاليا) سابقا.

الأمر الأخر المهم في كل ما يتعلق بالفلسطينيين العرب في دولة إسرائيل، هو باستمرار نضالهم من أجل الحصول على حقوق وطنية وثقافية جماعية، وهو ما ترفضه دولة إسرائيل حتى بعد الانتخابات الأخيرة.  

خلاصة

خرجت النخب الإسرائيلية تدافع عن مكانتها ومصالحها وعما تمثله في المجتمع الإسرائيلي، أمام خضوع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والليكود، للأحزاب المتزمتة دينيا، التي استحوذت على امتيازات كثيرة ومتنوعة، أكثر من تلك الممنوحة لليهودي العادي في دولة إسرائيل.

وتطالب النخب الجديدة بتغيير اتفاقية الوضع القائم الموقعة عام 1947، التي تنظم العلاقة بين المتدينين والعلمانيين، أو بصورة أدق علاقة الدين بالدولة، التي أصبحت تشكل عبئا كبيرا على دولة إسرائيل” اقتصاديا وفي مجال تحمل الأعباء إسوة بكل اليهود في الدولة.

واعتقدت النخب المذكورة أن حربها الأساسية، ليست موجهة ضد المتزمتين دينيا، بل ضد من يدعمهم، ويقف إلى جانبهم، الذي ترك مصالح الأخرين في مهب الريح، ما تطلب منهم العمل على إسقاطه.

لكن النتائج الحالية، لا تشير إلى حسم المسائل المختلف عليها بين المعسكرين، ومن دون حدوث أية مفاجئة، يبدو أن عدم قدرة أيا من الحزبين على حسم الأمور لصالحه، ستدفع باتجاه انتخابات ثالثة في أقل من عام.    

من جهتهم، ونتيجة لزيادة أعدادهم، وبالتالي ازدياد احتياجاتهم ومطالبهم، ونتيجة للمشاكل المختلفة التي يمرون بها، أصبحت الدولة، بغض النظر عمن يقودها آداة يحتاجها الفلسطينين العرب، لحل مشاكلهم المستعصية، التي خلقتها دولة إسرائيل وعززتها وحافظت عليها، في مجالات البناء والأراضي والأمن الشخصي، وربما المشاركة في الحياة السياسية الإسرائيلية، بعدما تمكنوا من ترسيخ مكانة لهم في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي.

وفي الشق الفلسطيني، سيكون عنوان المرحلة المقبلة في الضفة الغربية، العودة إلى المفاوضات من دون تحقيق أية نتائج، أي إدارة صراع. وفيما يتعلق بقطاع غزة لا يتوقع له أن يشهد وقتا مريحا، كما هو عليه الحال منذ عقدين، وربما تتحول المعارك الموسمية إلى عدوان شامل على قطاع غزة، الذي نجح خلال جولات القتال السابقة في فرض وقائع جديدة على الأرض، لا تسمح إسرائيل باستمرارها.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى