أقلام وأراء

د. عصام نعمان يكتب – أيّ عالم بعد كورونا ؟

د. عصام نعمان – 21/3/2020

عانى عالمنا على مرّ التاريخ جائحات وأوبئة وكوارث مدمرة ومميتة. ولا واحدة من هذه الكوارث الكاسحة تعادل من حيث شموليتها جائحة فيروس «كورونا» الحالي. فقد اجتاح فيروس «كورونا» العالم برمته من قارات ومحيطات وبلدان ومدن وقرى وأحياء ومنازل.

انطلاقاً من واقعة استمرار هذا المرض انتشاراً وحدّة وفتكاً في جميع أنحاء العالم، وتوقعاً لاندلاع أوبئة مماثلة في حدّتها وانتشارها وفتكها في المستقبل، يمكن استشراف ما يُحتمل أن يكون عليه عالمنا فيما تبقّى من القرن الحادي والعشرين والقرن القادم على النحو الآتي:

* أولاً: قانون أممي للكيانات

يرافق وجود الدولة المعاصرة في عالمنا نشوء كيانات داخلها أو موازية لها، تشاطرها بعض الوظائف والسلطات، وتنافسها، وقد تتفوق عليها وتحلّ محلها. في موازاة هذه الظاهرة، ثمة ظاهرة أخرى سابقة لها ومعاصرة في آن هي المنظمات والوكالات والمؤسسات الدولية المتفرعة من هيئة الأمم المتحدة والتابعة لها كمنظمة الصحة العالمية؛ إن تنامي وتوسّع أنشطة هذه المنظمات وتشابكها مع دول وإدارات ووكالات حكومية وأخرى أهلية وشعبية ترك مفاعيل وتداعيات على العلاقات الدولية، وعلى أحكام القانون الدولي، ما أدّى ويؤدي إلى نشوء حاجة متعاظمة إلى احتواء هذه الكيانات، وتنظيم العلاقات بينها وبين الدول من جهة وفيما بينها من جهة أخرى في قانون أممي للكيانات.

* ثانياً: توسيع السيادة الأممية وتقليص السيادة الوطنية

يتجه العالم بسبب تشابك العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين مختلف أطرافه إلى التكوّر والتجمّع والتعاون والتنسيق ما يؤدي إلى ظهور منظمات وتحالفات ومعاهدات تضع قيوداً على سيادة الدولة الوطنية، وتشرّع أحكاماً؛ لتوسيع السيادة الأممية لما فيه مصلحة المجتمع الأممي بصورة عامة.

* ثالثاً: سلطة أممية للصحة العامة

في ضوء تداعيات جائحة «كورونا» وآثارها المميتة، واستباقاً لاندلاع جائحات مَرَضية أخرى، سيصار إلى تطوير منظمة الصحة العالمية، ومنحها سلطات تنفيذية عابرة للدول وأعلى من سيادتها الوطنية؛ بحيث تكون مخوّلة بالاتصال والتواصل مع شعوبها.

* رابعاً: سلطة أممية للغذاء والدواء

إزاء تنامي السكان في العالم، ومحدودية مصادر الغذاء، وتطور الحاجة الملحة لمختلف صنوف الدواء، وضرورة منع احتكارها، وتأمين توافرها لجميع الشعوب، سيصار إلى توحيد المنظمات والوكالات والهيئات المعنية بالزراعة والصناعة والتكنولوجيا المتصلة وظائفها بإنتاج الأغذية والأدوية في سلطة أممية عابرة للدول وسيادتها الوطنية، ومخوّلة بالوصول إلى الشعوب والتعاطي معها مباشرة.

* خامساً: سلطة أممية للاتصالات والمعلومات

مع تكوّر العالم وازدياد عمليات الاتصال والتواصل بين شتى أطرافه وجماعاته وهيئاته، كما الحاجة إلى تجميع المعلومات وتنظيم التشارك في الإفادة منها، سيصار إلى بناء منظمة أممية للاتصالات والمعلومات تُعنى بشؤون هذا الحقل الاستراتيجي وتكون لها سلطة عابرة للحدود والقيود الحكومية والأثنية.

* سادساً: سلطة أممية للمناخ والبيئة

حيال تزايد جائحات الطبيعة وأعاصيرها وزلازلها وتغيّرات المناخ والاعتداءات الكارثية على البيئة، تزداد حاجة البشرية جمعاء إلى إخراج قضايا المناخ والبيئة من إطار مسؤوليات الدول ومصالح الأفراد الضيقة إلى رحاب سلطة أممية تتولى شؤونها بصلاحيات واسعة عابرة للحدود الدولية.

* سابعاً: البيت سيكون المسكن والمكتب والمعمل

مع تزايد عدد السكان، وضمور المساحات الصالحة للسكن والعمران، واتضاح مخاطر الاكتظاظ على الصحة العامة في العالم، ستتضاعف الحاجة وبالتالي الجهود من أجل بناء البيت وتكييفه ليكون، بحسب المراد، مسكناً ومكتباً ومعملاً في آن.

* ثامناً: سلطة أممية للرقابة على إنتاج السلاح واستخدامه

بعدما قاست البشرية من حروب كارثية استخدمت فيها أشد أنواع الأسلحة فتكاً من جهة، وتوخياً لمنعها، ولتفادي شرورها وأضرارها من جهة أخرى، سيصار إلى إقامة سلطة أممية واسعة الصلاحيات؛ للرقابة على إنتاج واستخدام جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل، ولاسيما النووية والبيولوجية والكيميائية.

* تاسعاً: سلطة أممية للفضاء الخارجي

إذ تتسارع عمليات ريادة الفضاء من قِبَل دول عدّة، وتفادياً لسوء استعمال الفضاء الخارجي على نحوٍ مضرٍ بالبشرية جمعاء، ستبرز حاجة متنامية إلى إقامة سلطة أممية؛ للتعاون على ريادة الفضاء، والتنسيق بين الأطراف ذات الصلة، والرقابة المتشددة؛ لمنع استخدامه في إيذاء البشرية وتدمير العمران.

… الإنسان يحلم ثم يحقق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى