أقلام وأراء

كيف يقوم الحوار السياسى؟

د. عبد المنعم سعيد

د. عبد المنعم سعيد ١٥-٥-٢٠٢٢م

رحبت الدوائر الحزبية والإعلامية والسياسية في العموم بدعوة الرئيس السيسي التي ألقاها في خطابه أمام إفطار الأسرة المصرية إلي إجراء حوار سياسي بين القوي السياسية المختلفة. المبادرة والترحيب بها لم تشمل بعد الكيفية التي تتم بها، ولا جدول الأعمال الذي سوف يدور عليه الحوار، ولا المدي الذي يذهب له هذا إلى التشريع. المؤكد أن لا أحد يريد حوارا يتحول إلي (مكلمة) كبري مزدحمة بأمنيات و(ينبغيات) لا يؤيدها زمن ولا تكلفة ولا عمل، ولا يوجد من يريد إعادة اختراع العجلة أو إعادة عقارب ساعة التاريخ إلي الوراء، ولا من يريد مشاركة من اختاروا أن يكونوا علي الضفة الأخرى بالعنف والسلاح من ثورة يونيو ٢٠١٣.

فيما أتصور فإن الحوار المطروح سوف يكون منطلقا من نقطة التوافق الوطني على أن الهدف المصري هو بناء الدولة المصرية المدنية الديمقراطية الحديثة. ووراء هذا الهدف الكبير يوجد وثيقتان: الأولي هي دستور ٢٠١٤ للدولة المصرية؛ والثانية رؤية مصر ٢٠١٤. الوثيقة الأولي سمحت بالحوار حول مواد الدستور عندما أنشأت مجلس الشيوخ وجعلت واحدة من مهامه وفقا للمادة الـ ٢٤٨ البحث في تطوير النظام السياسي، وبالتالي ما يحتاجه ذلك من حوارات بين القوي السياسية سواء ما يتعلق بالتعديلات الدستورية أو وضع دستور جديد.

تفعيل المادة الدستورية يكلف المجلس (بدراسة واقتراح ما يراه كفيلا بتوسيد دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي، وتوسيع مجالاته).

الوثيقة الثانية ذات طبيعة عملية جري اختبارها في الواقع خلال السنوات السبع الماضية وشملت القوة الصلبة المصرية، وبعضا من القوة الناعمة، ولا يوجد موضع في مصر إلا وشملته بمشروعات تنمية حتى وصلت مؤخرا إلي أعماق الريف المصري في مبادرة (حياة كريمة). الهدف الكبير من الرؤية التي باتت مشروعا للدولة الوطنية المصرية وضعت لنفسها هدفا هو أن تكون مصر واحدة من الدول الثلاثين الأولي في العالم وفقا للتقارير الدولية المعتمدة.

الهدف القومي في الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة مع الوثيقتين يمثل نقطة انطلاق الحوار بحيث بات واجبا على المشاركين من الآن تحديد المواقف منهما من خلال عمليات للحوار الداخلي داخل المؤسسات المشاركة تكون مكتوبة وواضحة وجاهزة للإشهار العام والمناقشة في المجال العام.

المتحاورون حول ذلك لا يأتون إلي الحوار لا بعقلية المؤتمر الذي تأتي إليه الجموع من أجل إعلان المواقف، ولا بذهنية الندوة التي يبحث فيها المتحاورون عن الأصول الفلسفية للنهضة؛ وإنما يكون الحضور مستوعبا لفكرة الحوار السياسي الذي يعني السياسات والإجراءات الضرورية لتحقيق الأهداف والمصالح الوطنية في الداخل والخارج المصري.

ما جري من سياسات يكون موضوعا للتقييم وتوسيع الرؤية، وما هو جار يكون أساسا للبناء فوقه، وفيما سوف يأتي يكون طرح السياسات التي تكفل الوصول إلى الهدف الموضوع حول المكانة المصرية في التقدم العالمي.

المرشحون للمشاركة في الحوار السياسي يمثلون النخبة السياسية في المجتمع وبعدد معقول يسمح لفكرة الحوار بأن تطبق ويكون لكل طرف فيه حظ ونصيب. ولذلك فإن هناك استحالة لمشاركة ١٠٤ أحزاب سياسية في مثل هذا الحوار، والمقترح هنا أن يمثل الأحزاب تلك التي لها عضو واحد على الأقل في مجلسي النواب والشيوخ وعددها أحد عشر حزبا.

بعد ذلك يأتي الممثلون للمجالس العليا والوطنية وحقوق الإنسان والمرأة وما يماثلها من الهيئات المدنية في النقابات والاتحادات، ومراكز البحوث والدراسات، مع عدد من الشخصيات العامة ذات الرصيد السياسي والخبرة العملية في السياسات العامة.

التصور هنا ألا يتعدى عدد المشاركين في الحوار مائة يجتمعون في واحد من مراكز المؤتمرات الكبرى المتاحة الآن في مصر وبوفرة كبيرة. والحقيقة أن تحديد العدد ليس مقصودا منه استبعاد أطراف ولا استثناء رأي، فالتغطية الإعلامية للحوار السياسي سوف تنعش الحياة السياسية في البلاد كما أنها سوف تعطي مددا كبيرا للسلطة التشريعية لكي تحول الأفكار السياسية إلى قوانين وتشريعات. فالأصل في المجتمعات الحديثة ان السلطة التشريعية ليس فقط منوطا بها إصدار القوانين، والحوار السياسي عند التداول حولها، وإنما تقيم أدوات مستمرة للحوار السياسي العام في المجتمع الذي يرصد المواقف والاتجاهات من أقصي اليسار إلي أقصي اليمين.

وبالإضافة إلى الحوارات في الجلسات العامة من خلال طلبات الإحاطة والمناقشة، فإن حوارات أعمق تجري من خلال اللجان النوعية عند دراستها للقوانين فإنها تستدعي الجهات المعنية والحكومة لعملية التداول. أكثر من ذلك فإن المجالس النيابية تقوم بعقد جلسات استماع عامة بخصوص القضايا المختلفة. وفي مصر توجد آلية جديدة لهذا الحوار من خلال اللجنة التنسيقية للأحزاب وهذه جري تكوينها من خلال المؤتمر الوطني للشباب الذي وجد إمكانية في الحوار بين شباب الأحزاب المصرية المختلفة والبحث من خلالها عن قيادات جديدة.

ولما كان الغرض من الحوار السياسي هو تحقيق التوافق المجتمعي والسياسي حول القضايا الجوهرية للمجتمع المصري التي أثارها المشروع الوطني الحالي وهو يواجه الواقع المصري المعقد، والأزمات المحلية من الإرهاب إلي زيادة المواليد، والعالمية من الكورونا إلي حرب أوكرانيا، فإن مآل كل الحوارات هو أن تتحول في النهاية إلى قوانين تتعرض لمداولات أخري في مجلسي النواب والشيوخ.

والنتيجة من كل ذلك هي أن عملية الحوار السياسي ليست مناسبة مؤقتة لتحقيق حراك سياسي وإنما هي عملية ديناميكية متصلة لإبداء الرأي وصنع السياسات وطرح القوانين وتطويرها ومواصلة تقييمها. وجزء مهم من هذه العملية سوف يكون الأسئلة التي على السلطة التنفيذية أن تطرحها علي المتحاورين، وبعضها دائم مثل كيف نحد من الزيادة السكانية، ونزيد وعي الإنسان المصري بقضايا أمته؟.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى