أقلام وأراء

د. عبد المنعم سعيد: الحرب الباردة الجديدة!

د. عبد المنعم سعيد 10-9-2025: الحرب الباردة الجديدة!

«الحرب» عادة ما تكون بين طرفين، وعندما تكون باردة فهي تعني أن كل عناصر القوة من سباق تسلح إلى استخدام المخابرات إلى عقد التحالفات، واتساع النفوذ في الأقاليم، والضغط على الخصوم تستباح، وهناك ما هو أكثر ما عدا حدوث أمر واحد هو اشتعال الحرب. الحرب الباردة فيها جزء نفسي هدفه التأثير في قادة الخصوم والنخبة السياسية لدى الطرف الآخر، وفي العموم فيها جزء إيماني، حيث الخير في طرف، وكل الشر لدى طرف آخر. علماء العلاقات الدولية من «ماهان» و«ماكيندر»، وحتى آخرين في العصر الحديث، وجدوا أن النزاع حتمي بين القوى البرية، أي تلك التي تنزع إلى التوسع البري، والقوى البحرية التي تتوسع عن طريق البحر. كلاسيكية كانت بريطانيا – والآن الولايات المتحدة – هي القوة البحرية المقصودة، وروسيا – والآن الصين – تعد المثل للقوة البرية. وتاريخياً كان النصر معقوداً في اتجاه القوة البحرية التي انتصرت في الحربين العالميتين، ومن بعدها في الحرب الباردة التي تركت الولايات المتحدة وهي القوة العظمى الوحيدة في العالم. ولكن ذلك لم يعنِ انتهاء الصراع، فقد خرجت روسيا عن طوق القاعدة بغزو أوكرانيا متسعة نحو الغرب، حيث لم يعد في الشرق متسع.

الآن يبدو أن العالم يدخل في جولة جديدة على الأرجح أنها سوف تكون باردة، لأن الأسلحة النووية سوف تظل مانعة للتحول لحرب ساخنة، ومحاولات الرئيس الأميركي دونالد ترمب للقفز فوق القارة الأوروبية، وعقد صفقة مع صديقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تكفِ حتى لعقد اجتماع بين بوتين وزيلينسكي الأوكراني. بدا في لحظة أن ترمب قام بتمزيق التحالف الغربي بالمواجهة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي حول الميزان التجاري مع الولايات المتحدة لصالح بروكسيل، والمواجهة الأخطر مع حلف الأطلنطي الذي يعتمد فيه الحلفاء بصورة مطلقة على واشنطن. ما حدث كان يقظة أوروبية لسد العجز التجاري الأميركي، ونهضة لدى الحلفاء لرفع الإنفاق الدفاعي إلى 5 في المائة من الدخل المحلي الإجمالي. في الواقع ذهب الزعماء الأوروبيون – فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وأوكرانيا – مع المفوضية الأوروبية، ومعها قيادة حلف الأطلنطي إلى واشنطن لمبايعة ترمب وهو جالس على مكتبه في القاعة البيضاوية بالبيت الأبيض.

الاحتفال بمرور 80 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية جرى في توقيته الأوروبي بعد هزيمة النازية الألمانية في العواصم الأوروبية خصوصاً موسكو، وجاء موعده الآسيوي عندما جرت هزيمة العسكرية الإمبريالية اليابانية. الاحتفال في أوروبا وآسيا كان يستعيد آخر الوقائع التي جمعت الطرفين في مواجهة تحالف المحور حيث ألمانيا واليابان معاً. انتهت الحرب ضد اليابان بعد أن حسمها استخدام الولايات المتحدة للقنبلة النووية في هيروشيما وناغازاكي. هذه المرة جرى الاحتفال الكبير في الصين الشعبية لكي يؤكد الدور الصيني تحت مظلة الحزب الشيوعي الصيني في تحقيق النصر على اليابان وليس الصين الوطنية – تايوان – التي انتهت إلى جزيرة صغيرة، ستكون أحد موضوعات الحرب الباردة الجديدة.

الجديد هذه المرة أن الصين – القوة العظمى الجديدة – أدارت توترات الحرب بحيث لا تكون بين الشرق والغرب، وإنما بين الشمال والجنوب. الحرب بدأت على الطريقة الصينية من منطلقات اقتصادية ممتدة عبر «الحزام والطريق» على التخوم ما بين أوروبا وأميركا الشمالية في بعث جديد للوحدة الأفريقية الآسيوية مع إضافات من أميركا الجنوبية، حيث توجد البرازيل وفنزويلا وبوليفيا.

تجمع «البريكس» بدأ بين الصين وروسيا والهند، ثم امتد إلى جنوب أفريقيا والبرازيل، وبعد ذلك دخلت دول أخرى. وفي الوقت نفسه في آسيا بدأ تجمع شنغهاي للتعاون الذي اجتمعت قمته قُبيل العرض العسكري الصيني في بكين. في التجمعين اختص الأول بالمطالبة بإعادة تنظيم النظام الاقتصادي العالمي القائم على الدولار الأميركي، والتخلص من الهيمنة العسكرية والاقتصادية الأميركية. وفي الثاني وضع التوازن العالمي على الميزان بعد أن أصبح ترمب رئيساً للولايات المتحدة، ويوزع الإهانات ذات اليمين واليسار، ويضيف أسعاراً للدول تأخذ شكل الرسوم الجمركية، وكان آخرها موجهاً نحو الهند التي عبرت كل الأزمات والصراعات مع الصين، لكي توجه ظهرها للولايات المتحدة. عقب شنغهاي حدث العرض العسكري الصيني الذي كان فيه استعراض للجند – بـ10 آلاف جندي -، وتم استعراض السلاح المتقدم تكنولوجياً للغاية. وعلى المنصة التي تشاهد الصواريخ التي تصل إلى الولايات المتحدة، والمسيّرات التي تعمل على الأرض والبحر والجو والفضاء الخارجي، جلس شي جينبينغ، وعلى يمينه كان الرئيس الروسي، وفي يساره جلس رئيس كوريا الشمالية. وقتها جاءت برقية من الرئيس ترمب تهنئ بالعيد الثمانين، وتُقدّم التحية للحلفاء الثلاثة!

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى