أقلام وأراء

د. عبدالله الأشعل يكتب – مصر وإسرائيل والمصالحة الخليجية

السفير د. عبدالله الأشعل – 11/12/2020

يجمع مجلس التعاون ستة دول خليجية هي الكويت والسعودية وقطر والإماراتوسلطنة عمان والبحرين، وكان الملك عبدالله السعودي قد حلم بأن يتحول مجلس التعاون إلى اتحاد خليجي في ضوء صمود المجلس لكل التحديات خاصة خلال زلزال الخليج الذي بدأ بالحرب العراقية الإيرانية وانعكاساتها على الخليج ودوله ثم بغزو العراق للكويت عضو المجلس واخيرا الاحتلال البريطاني الأمريكي للعراق وأثر هذه التطورات على مجمل القضايا العربية خاصة القضية الفلسطينية، والمحصلة كانت دائما لصالح إسرائيل وضد مصالح الأمة العربية.

وكانت الأزمة الخليجية قد بدأت بصراع سياسي بين السعودية وقطر رغم أنهما كانا طرفا اساسيا في المحنة السورية ثم التنافس السعودي- الإماراتي على عزل قطر ثم تفاقمت الأزمة وتشعبت فانضمت دول خارج مجلس التعاون.

ويبدو ان واشنطن هي التي صنعت الأزمة وابتزت اطرافها جميعا ثم شجعتهم على تقديم الـ13 مطلبا لقطر لحل الأزمة  ولم تعترض قطر وإنما طالبت بالحوار حول هذه المطالب، ولكن المعسكر الآخر طلب فرض هذه المطالب دون حوار. ولما تبين لواشنطن- ترامب، أن طول الأزمة أدخل فيها تركيا وإيران مناصرين لقطر وحماة لها مما يهدد وظيفة واشنطن في الحماية بمقابل، كما تفاقمت العلاقات الإيرانية مع إسرائيل وواشنطن بسبب اغتيال إسرائيل لرموز إيرانية وحرص إسرائيل على أن تكون هي الوحيدة المسلحة نوويا وان تحرم غيرها من أي مصادر قوة تركت واشنطت لاحتواء الموقف.

في هذه الأثناء بدا التقارب الإسرائيلي الخليجي تحت رعاية واشنطن، وتوغل إسرائيل واختراقها للخليج والسودان، وبالتوازي بدا نجم ترامب في الأفول ترك ترامب في أيامه الخيرة لترتيب المصالحة، ووجود ترامب وكوشنر، في العملية يشير مباشرة إلى أن المصالحة هي طعم لجذب قطر وتبديد اهم ورقة في يدها ويتهافتون على إحراقها لكي تكون مثلهم وهو التقارب من إسرائيل ولكن هذا التقارب هو الهدف الأساسي من المصالحة، ولا تعني المصالحة تنظيف الأجواء حتى يستانف مجلس التعاون مسيرته كما أراد الملك عبدالله وأمير الكويت الراحل.

فالمصالحة شكلية تحقق ثلاثة مزايا لإسرائيل، الميزة الأولى هي اتفاق مجلس التعاون المتصالح على قرار التطبيع مع إسرائيل وهذا هو السبب الأساسي فيما نعتقد في ترحيب سلطنة عمان بجهود المصالحة.

الميزة الثانية هي أنه بعد زوال معارضة قطر للتطبيع هو التخلي عن غزة والمقاومة والتخلي عن إيواء المعارضة المصرية والانحياز للثورات العربية وكل ذلك لصالح إسرائيل ما يعني أن مصر جزء من هذه المصالحة التي من شأنها أن توثق العلاقات مع مجلس التعاون الجديد على خلفية دعم إسرائيل وخذلان الأقصى والمقاومة.

الميزة الثالثة أن تحالف تركيا وإيران مع قطر لن يكون له لزوم ولذلك تتخلص المنطقة وإسرائيل من مساندة إيران وتركيا بشكل غير مباشر لجبهة المقاومة.

وليس معنى ذلك أنني ضد المصالحة، بل إنني اعتقد جازما أن الأزمة والمصالحة مصطنعان ويراد استثمارهما لصالح إسرائيل وأعداء الثورات العربية. وقد نجحت قطر في تحدي الحصار على المستوى العملي بدعم إيران وتركيا فإضعاف تركيا بفعل فصل التحالف التركي القطري خدمة للحكومة في مصر والسعودية ولصالح إسرائيل، كما أن قطر كشفت سطحية المطالب والاملاءات وتفاهتها وخاصة أنهم طلبوا من قطر قطع العلاقات مع إيران مع ان العلاقات الإيرانية مع الإمارات والسعودية وعمان بالغة الازدهار، ثم أن المصالحة تؤدي إلى تعزيز العلاقات المصرية مع السعودية والإمارات لمزيد من دعم المواقف المشتركة في مختلف الملفات العربية بصرف النظر عن ضررها أو إفادتها للصالح العربي العام.

ويقيني أن المصالحة بعد أن تحقق مصالحها وتتجرد قطر من ورقة القوة لديها، وتسوء العلاقات بينها وبين تركيا وإيران ينقض المعسكر الآخر بزعامة إسرائيل على قطر ويحتمل احتلالها عسكريا دون ان ينقذها أحد حتى بعد اعترافها بإسرائيل، لأن سبب الأزمة لايزال قائما وهو الطموح القطري بالاستقلال عن السعودية والمساواة بين الرؤوس  رغم أن هدف السعودية الأساسي من إنشاء مجلس التعاون هو أن يكون كالجامعة العربية بالنسبة لمصر الملكية والناصرية.

الفصل بين الأزمة والحصار:

رغم أن ما يبدو من أن الحصار هو نتيجة الأزمة بحيث تخضع قطر لمطالب السعودية والإمارات والبحرين ومصر وبعد ذلك يرفع الحصار لكن تستمر الأزمة لأسباب أخرى. ولكن مصر ليست طرفا في الأزمة، مع ذلك سارعت إلى التضامن مع دول الحصار بعد أن كانت الأزمة ثنائية بين الحكومة المصرية ودولة قطر وزاد في الأزمة تقارب قطر مع تركيا في عدة ساحات مما اشعل فتيل الأزمة المصرية مع قطر ولذلك انضمت مصر مع دول الحصار لثلاثة اسباب:

الأول: مجاملة وامتثالا للسعودية والامارات اللتين تؤثران بشدة في توجهات مصر وفي الهيمنة على جزء من مقدراتها في داخل مصرفيمايبدو.

والثاني: أن قطر تساند الثورات والمعارضة والإخوان والتيار الإسلامي عموما، كما تساند المقاومة ضد إسرائيل، حزب الله وحماس، في وقت تضامنت فيه مصر مبارك والأردن والسعودية مع إسرائيل خلال عدوانها على لبنان وحزب الله في يوليو 2006 مقارنة بدعم قطر للمقاومة.

والثالث: أن مساندة مصر للإمارات والبحرين والسعودية ضد قطر كانت فرصة للانضمام لهذه الجبهة ضد قطر، خاصة بعد تحالف تركيا عدو النظام في مصر مع قطر في حصارها ما خفف كثيرا من اثر الحصار واحبط آمال المحاصرين في ركوع قطر لهم.

ولما كسبت قطر القضية بالتعويض من دول الحصار أمام محكمة العدل الدولية ثار السؤال حول علاقة المصالحة بالتعويض المستحق وهل تتحمل مصر جزءا من هذا التعويض، وهذان موضوعان هامان يستحقان مقالامنفصلا ولكني أكتفي بالتأكيد بان مصر تتحمل في التعويض وان التعويض لا علاقة له قانونا بالمصالحة وانه لا يجوز للإمارات ان تشتري إسقاط التعويض بالمصالحة لأن هذه الدول هي التي بدات العداء وامرت لكي تعود دون قدرتها على القرار.

أما التعويض فهو مقابل الأضرار التي تحملتها قطر بالفعل بسبب اعمال الحصار غير المشروعة وفقا للحكم. فقد هزمت هذه الدول أخلاقيا وسياسيا وقانونيا ومزقت عرى العلاقة الأسرية بين شعوب الخليج رغم أنه صراع بين حكام لهم مواقف مختلفة وتحالفات متنوعة.

ولذلك فإن المصالحة إذا حققت مطالب الحكم في مصر من قطر فإن مصر سترفع الحصار مع دول الحصار، أما إذا تمت المصالحة خليجية بحتة فإن مصر ستظل على عدائها وحصارها منفردة لقطر لأن العداء المصري القطري بدا عام 2013، قبل الأزمة والحصار ولكن مصر وجدت الحصار فرصة لتكالب أعداء قطر لأي سبب في قطار الحصار.

أنا ضد المصالحة على التطبيع مع إسرائيل والتخلي عن غزة وقضية فلسطين لأنني أفهم المصالحة بمفهومها الواسع والحقيقي ومن ضمنها تحويل الأمير محمد بين سلمان من ولي للعهد إلى ملك على قاعدة الاعتراف السعودي بإسرائيل ولكن عبر قرار جماعي من مجلس التعاون الخليجي في جلسة برعاية كوشنر، فيصبح القرار السعودي مضمرا في القرار الخليجي ولكن ذلك لا يعفي السعودية من الحديث المفصل عن وضعيتها الخاصة التي تعد قيدا على أي حكم فيها فليس اعتراف السعودية يمكن أن يغطيه قرار ونخصص مقالا منفصلا لخصوصية وضع السعودية خاصة في المجال الاسلامي.

*كاتب ونائب وزير الخارجية المصري الاسبق .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى