أقلام وأراء

د. عاطف أبو سيف يكتب نفتالي بينيت ليس أفضل

د. عاطف أبو سيف * 2021-06-07

الحكومة الإسرائيلية المرتقبة، التي ستكون برأسَين، قد لا يقدّر لها أن تعيش طويلاً، فهي حكومة برنامج بنقطة واحدة: ليذهب نتنياهو إلى الجحيم. هكذا اتفق كل الفرقاء من أجل أن تنتهي فترة نتنياهو ربما للأبد إذا نجحوا في الزج به في السجن. الرجل الذي شغل موقع رئيس الوزراء أكثر من بن غوريون نجح في استعداء الجميع وفشل للمرة الأولى في تفتيت الخصوم، وحتى محاولته تضييع الوقت خلال العدوان على غزة لم تنجح، وسقط أخيراً. لكن مرة أخرى لا يمكن اعتبار أن اتفاق بينيت – لابيد يمكن أن يصمد إلا إذا حدثت تحولات لا يمكن للمنطق أن يقرأها، أو وهذا وارد إذا ظل شبح نتنياهو يهيمن في خلفية المشهد، الأمر الذي سيدفع الحلفاء المكرهين على مواصلة رابطهم المؤقت. ويظل السؤال: هل يمكن للمؤقت أن يدوم؟ في السياسية كل شيء هش وكل شيء ممكن مع هذا.
وعليه، فإنه في اليوم التالي الذي قد يذهب شبح نتنياهو خلف الكواليس، ستظهر الاختلافات في المواقف، ليست السياسية فقط بل والاجتماعية والاقتصادية. هناك بون شاسع في مواقف أطراف الحكومة التي تضم ميرتس إلى جانب البيت اليهودي، بون سيظهر جلياً في أول مواجهة لاتخاذ القرارات المصيرية. وبالطبع ليس هناك مصيري أكثر من العلاقة مع الفلسطينيين، حيث السؤال الجوهري هو التعامل مع مستقبل الصراع. لا يمكن في هذه الحالة الحديث عن موقف للحكومة الجديدة في هذا الأمر. سيظهر تكتلان كبيران بينهما طرف ثالث. بمعني أن التناقضات الكبرى في المجتمع الإسرائيلي ستكون موجودة داخل هذه الحكومة، وستظل فرصة التعايش المستمر مع هذه التناقضات قائمة مع هذا. وعليه، فإن تذكر هذه التناقضات يبدو جوهرياً في فهم ممكنات استمرارها. المؤكد أن نتنياهو يدرك ذلك، وسيظل يدعو ربه أن يسرّع من هذا التفكك قبل أن تلتف الأصفاد حول يديه إذا نجح خصومه في إدانته.
ربما يجب تذكر أن نفتالي بينيت هو أول من طوّر مقولة الضم في السنوات الأخيرة. بينيت الذي عمل مديراً عاماً لمجلس المستوطنات قبل ذلك، وكان مقرباً من «بيبي» ومديراً لحملته الانتخابية، كان أول من اقترح فكرة ضم الضفة الغربية وعزل المدن الفلسطينية.
وكان أول هذه المواقف ظهوراً قبل دخوله الكنيست في اقتراح تقدم به بعد ظهور المطلب الفلسطيني بالتوجه للأمم المتحدة من أجل الحصول على عضويتها، بعد فشل وانغلاق كل طرق المفاوضات مع إسرائيل، اقترح بينيت أن هذه قد تشكل فرصة لإسرائيل كي تضم المناطق المصنفة «ج» في الضفة والتي تضم كل المستوطنات والغور.
شكل صعود بينيت، الجندي السابق في الوحدة المختارة في الجيش، أول تهديد حقيقي لهيمنة خطاب نتنياهو – ليبرمان على الموقف اليميني في إسرائيل. فهو بدأ منذ صعوده حتى اللحظة أكثر تقدماً عنهم يمينياً وتطرفاً فيما يتعلق بالفلسطينيين. وكما يمكن ملاحظة ذلك، فمنذ دخوله حلبة المنافسة السياسية نجح في دفع كل أحصنة السباق في اليمين إلى المزيد من التطرف، حيث بات معيار المنافسة الوحيد معه هو الذهاب يمينياً أكثر. حتى جاءت اللحظة التي بات يشكل فيها تهديداً حقيقياً لنتنياهو. المؤكد أن التنافس على التطرف سمة أساسية في المجتمع الإسرائيلي، وهو السمة المهيمنة في صراع النخب على مقاعد الكنيست، حتى بات يصعب إلا ما ندر الحديث عن يسار إسرائيلي سياسي حقيقي، فجلّ الأحزاب باتت تتفق على بعض القضايا التي لا يمكن أن تجلب ليس سلاماً مع الفلسطينيين بل مع النفس حتى. بعبارة أخرى، إن نفتالي بينيت وصراعه ومزاحمته على مقاعد اليمين هو ما جعل خطاب الضم أهم ما يشترك به اليمين. لكن يظل السؤال متى؟ وإلى أي مدي؟ ليس ثمة فرق في ذلك بين نتنياهو وبينيت. ربما الفرق الوحيد هو في نوعية الشركاء في الحكومة، الذي قد يكون لهم وجهة نظر أخرى في طريقة تحقيق ذلك وأقصد تحديداً الشريك الأساس يائير لابيد. ما عدا ذلك فإن بينيت لن يتوانى عن إعادة طرح أفكاره الكبرى التي ولدت على طاولة مكتبه: الضم.
بينيت في سباقه الانتخابي المبكر قبل قرابة عقد من الزمن، قال بوضوح: أولاً، لا دولة فلسطينية. فهو لا يرى إمكانية قيام هذه الدولة. ثانياً، على إسرائيل أن تضم كل المستوطنات وليس بعضها. لا يوجد فرق بين الكتل الكبيرة والمستوطنات الصغيرة، كلها يجب ضمها إلى الدولة وليس تفكيكها. ثالثاً، الحل الوحيد لتحقيق الاستقرار في الضفة الغربية هو ضم مناطق «ج» التي تشكل قرابة 60% منها. رابعاً، لا يوجد شيء اسمه خط أخضر فالمستوطنات مثل المدن داخل البلاد.
وفي حينه، قال: إن ضميره لن يسمح له بإصدار أمر بإخلاء يهودي من بيته. وطالب الأحزاب بتوقيع عريضة تلتزم فيها بعدم إخلاء اليهود من بيوتهم. وعليه، فإنه لا يوجد ما يميز المستوطنات عن باقي المدن الإسرائيلية. فلا يوجد أي معني للخط الأخضر بالنسبة له.
وفي العام 2013، قال بوضوح: إنه لا يري فرصة لحل الصراع، مضيفاً: نستطيع أن نتحدث عن الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني إلى الأبد، لكننا لن نتقدم في ذلك، البديل هو أن نقول: إنه لا يمكن حل هذه المشكلة، لذا نعمل على تحقيق تسوية مؤقتة مع جيراننا بالقدر المستطاع». يضيف بصراحة في نفس المقابلة: «لن تكون هناك دولة فلسطينية داخل أرضي إسرائيل الضيقة. لن يحدث هذا أبداً. دولة فلسطين ستكون كارثة لأكثر من مئتي سنة. أريد أن يفهم العالم أن دولة فلسطينية تعني إلغاء دولة إسرائيل».
أما ما يمكن تحقيقه فهو ببساطة وعلى أكثر تقدير الدفع باتجاه مقاربة «أكثر واقعية» لا تنطوي بأي حال على تسليم شبر واحد من الضفة الغربية للعرب. فهو يعتقد أن أي تسليم بالضفة الغربية للعرب سيعني أن يستمر الصراع لمئتي سنة قادمة. ببساطة على الفلسطينيين أن يتعايشوا مع فكرة الضم ويرضوا بحكم ذاتي محدود في المدن. هذه الخطة كان بينيت سمّاها «خطة الاستقرار» ونشرها عام 2012 واقترح خلالها منح قرابة 48 ألفاً من سكان المناطق «ج» من الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة فقط، متجاهلاً أن عددهم يفوق ربع المليون وليس 48 ألفاً فقط. السلام ينضج من الأسفل كما قال ذات مرة. لا حاجة لاتفاقيات. فقط علينا أن نشعر الناس بأهمية السلام. بعبارة أخرى إعادة إنتاج لمقولة الاقتصاد أهم من كل شيء.
بينيت من دعاة تحمّل مصر المسؤولية عن غزة. وممن يقولون: إن حل مشكلة اللاجئين يجب أن يكون في البلدان التي يقيمون فيها. وهو لا يأبه بموقف العالم، فالأخير لن يعترف بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية كما لا يعترف بسيادتها على هضبة الجولان. لكنه سيتكيف مع الأمر الواقع.
هذا هو بينيت القديم، هل هناك بينيت جديد؟

*عاطف أبو سيف وزير الثقافة الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى