أقلام وأراء

د.طارق فهمي يكتب  –  سياسة إسرائيل المستقبلية لا العقائدية

د.طارق فهمي *- 27/11/2021

تتجه إسرائيل في الوقت الراهن والمنتظر لبناء رؤية أكثر تماسكاً وحضوراً في الإقليم اعتماداً على رؤية مخطط لها جيداً، وترتكز على ثوابت ومتغيرات محددة تمت صياغتها وفقاً للاحتياجات الأمنية والإستراتيجية للدولة على كافة مستوياتها الرسمية، بعيداً عن الحزبية أو صراعات «اليمين المتشدد»، والمعبر عنه حزبياً في الحكومة الراهنة بائتلافها المشكل من ثمانية أحزاب برامجها متناقضة.

وكان الرهان السائد في التحليلات السطحية أن الحكومة لن تستمر وستسقط في أول اختبار، وهو ما لم يحدث، بل استمرت الحكومة حتى الوقت الراهن دون أن تعيد تشكيل ائتلافها بدخول أحزاب أخرى، وهو ما يشير إلى أن إسرائيل السياسية ستفرض حضورها في مواجهة إسرائيل العقائدية، والتي تجاوزتها الدولة العبرية منذ سنوات لدولة لم تكمل حتى الآن 100 عام. ولهذا سيظل الهدف الأكبر لإسرائيل بكل مفكريها وخبرائها التخطيط للمستقبل برؤية أكثر حضورا، وتواجدا وعبر سلسلة من الاستراتيجيات المتتالية من 2020 إلى 2028 إلى 2035 إلى 2075، وهي توقيتات لاستراتيجيات وضعتها إسرائيل، وتعمل على تنفيذها لبناء مقدرات الدولة، وتقوية مناعتها الوطنية في مواجهة التحديات، والمخاطر، وليس الانغماس في قضايا الداخل والأفكار المتشددة، وبناء المعتقدات الجديدة في محيطها السياسي والاستراتيجي الحالي.

واتجهت إسرائيل السياسية لتقرير مصيرها، والوصول لغايات حقيقية، وأن تصبح عضواً مقبولا في النهاية في الإقليم، ولا تمانع إسرائيل السياسية – بصرف النظر عن نفي ذلك لدى برامج الأحزاب والقوي اليمينية – من التفاوض على الجانب الفلسطيني فقد خرجت إسرائيل من غزة بمقتضي خطة الانفصال أحادي الجانب، وستخرج أيضا من الضفة الغربية والقضية حسبة الوقت، والتقبل الفلسطيني الحقيقي لما سيكون في المدى المنظور.

فقد دشنت إسرائيل حدودها مع أي كيان فلسطيني قادم بمقتضى الجدار العازل، كما رسمت حدودها مع مصر بمقتضى معاهدة السلام، ومع الأردن بمقتضى وادي عربة، والرسالة أن إسرائيل تعمل على بناء حضورها في المنطقة باعتبارها دولة مقبولة، ولها كيانها المعترف به من قبل جيرانها، وفي ظل متغيرات حقيقية تجري على الجانب الإسرائيلي داخليا برغم التسليم أن هناك مخاطر من التنظيمات التي تريد استمرار المواجهة، ولعل سعي الطرفين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «حماس» للتوصل لاتفاق للهدنة، ما يؤكد على ذلك واستمرار حالة التهدئة مع «حزب الله» وغيرها.

وبالتالي فإن إسرائيل السياسية ترى أن الاستمرار في بناء القوة العسكرية، والتحول إلى جيش محترف قوامه 100 ألف جندي يتعامل مع أحدث الأساليب والأنماط العالمية سيردع القوي التي تريد إنهاك إسرائيل في مواجهات مفتوحة، وهو ما تدركه إسرائيل جيداً وتعمل على محاصرته وتهميش تأثيره خاصة مع إدراكها بأن الدولة لها أولوياتها ومهامها الكبرى في الفترة المقبلة، وعدم الاستمرار في الدائرة الجهنمية الراهنة.

والرسالة أن إسرائيل ستستمر تبني مقدراتها الحقيقية في مواجهة ما سيجري، وستواصل بناء شراكات سلام، وستحيد مخاطر التنظيمات المعادية لها كما ستحرص على تبني إجراءاتها الأمنية والإستراتيجية الكبرى للدفاع عن أمنها القومي وستتجه لتبني إجراءات عسكرية حماية لوجودها في الإقليم.

إسرائيل السياسية والإستراتيجية لها أولوياتها الكبرى في الداخل وعلى مستوى الإقليم، أما إسرائيل العقائدية فقد تنحي دورها ليصبح رمزيا، وفي نطاقاته المحددة دون أن يكون هو المعبر الرئيسي عن توجهات وسياسات الدولة في مداها المتوسط والطويل الأجل. إسرائيل تتغير بصورة دراماتيكية، وعلينا أن نكون على مقربة مما يجري، بل والتفاعل مع ما يحيط بنا من تفاعلات، وتأثيرات نتاج ما يجري داخل إسرائيل، وفي محيطها الإقليمي.

* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية والعلوم السياسية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى