أقلام وأراء

د.طارق فهمي يكتب –  إشكاليات السياسة الخارجية الأميركية

د.طارق فهمي  *- 8/5/2021

تتحدث إدارة الرئيس جو بايدن عن رؤيتها لإدارة العالم، انطلاقاً من مرور 100 يوم علي توليها وما أنجزته. والواقع يشير إلى استمرار بايدن، وكبار مسؤولي الإدارة في تكشف العالم من حولهم، حيث لا تزال الرؤى تدور في إطار البرنامج الضيق للحزب «الديمقراطي»، والذي كان مطروحاً منذ إدارة أوباما، ولم يتغير إلا في بعض النقاط التفصيلية، والخاصة بالعلاقات المستجدة مع القوى الكبرى، إضافة للتعامل مع بعض مهددات الأمن القومي الأميركي، سواء في آسيا، أو في مناطق الجنوب والنظام الدولي، وهو ما أشار إليه الرئيس بايدن مؤخراً من مسعاه للعمل مع الصين في ظل استمرار المنافسة الدولية، ومحاولته تصويب مسار الإتفاقيات التجارية، والتعامل مع روسيا برغم فرض العقوبات، وملاحقتها في مناطق نفوذها بدليل الإعلان عن زيارة عاجلة لوزير الخارجية بلينكن إلى أوكرانيا كرسالة دعم، رداً على ما تقوم به روسيا في نطاقها من تهديدات حقيقية، لن تمس أوكرانيا فقط بل، وما يجاورها، إضافة لمناطق القوقاز والقرم، وجمهوريات آسيا الوسطى، والمعنى أن السياسة الأميركية لن تقوم بتغيرات حقيقية في المنظومة الدولية إلا وفقاً لحساباتها، ولهذا خرجت من أفغانستان، وستقلل من وجودها الاستراتيجي في مناطق أخرى برغم أنها أعادت ترتيب وجودها المقيم عبر قواتها العسكرية في بقاع متعددة.

وبالتالي فإن تفكير الإدارة الأميركية سيمضي وفق معادلة التكلفة والعائد والنفقة، ومن ثم فإنها انخرطت في الملف النووي الايراني، وذهبت إلى مباحثات فيينا للتوصل لحلول عاجلة، وتركت في المقابل ملف البرنامج النووي الكوري والعلاقات المستجدة في نطاق «الناتو» والشراكات الجديدة مع الحلفاء الأوروبيين، كما بدأت من خلال مبعوثيها في اليمن والقرن الأفريقي في التحرك لتأكيد حضورها في الملفات الأكثر أهمية، وفي التوقيت نفسه عادت للالتحاق بفعاليات منظمة الصحة العالمية، والإلتزام باتفاقيات المناخ، والانبعاث الحراري، كما أعادت تمركز حضورها في مجلس الأمن. 

وبرغم كل ذلك فإن الإشكالية الكبرى للسياسة الأميركية أنها ما تزال مرتبكة في الاشتباك مع ملفات أكثر أهمية للعالم، ومنها أزمة كورونا وتصويب مسار الاقتصاد العالمي، وما تزال تتحدث عن سياسات وليست إجراءات، وما تزال تدور في حلبة الدبلوماسية متعددة الأهداف للتوصل إلى اتفاق مع إيران مع التركيز علي بث رسائل تطميينات (زيارة الوفد الأميركي لدول المنطقة)، كما أن التباينات في الرؤى مع الشريك الإسرائيلي ما زال قائماً، ولم يتغير برغم سلسلة اللقاءات الاستراتيجية، التي جرت بين الطرفين مؤخراً، كما لم تنجح السياسة الخارجية الأميركية في إحداث توازن في نمط علاقاتها مع الحلفاء خاصة مع فرنسا وألمانيا، وما تزال السياسة الأميركية تردد خطاباً نظرياً أكثر منه واقعياً، وهو ما سيدفع الدول الحليفة للولايات المتحدة لمراجعة مواقفها، وقد برزذلك في قضايا الشرق الأوسط، وفي شرق المتوسط كمثال.

تحتاج السياسة الخارجية الأميركية لمزيد من المصداقية لمواجهة ما يجري اقليمياً ودولياً من تطورات ستمس مصالحها، ومصالح حلفائها في كثير من مسارات حركتها.

* أكاديمي متخصص في العلوم السياسية والاستراتيجية – عن الاتحاد الاماراتية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى