أقلام وأراء

د. طارق فهمي: غزة وخطة ترامب.. الواقع والمأمول

د. طارق فهمي 1-11-2025: غزة وخطة ترامب.. الواقع والمأمول

الملاحظة الرئيسة في مسار البحث عن حل لأزمة غزة سواء الديموغرافية أو السياسية أو الاقتصادية هو تداخل وتوسع نطاق الحل الرئيس. فبعد وقف إطلاق النار، وبدء الحديث عن الحل عبر المرحلة الثانية والانطلاق جزئياً إلى تنفيذ ما يمكن أن يتم بناء على خطة ترامب بكل تفاصيلها وبنودها، ظهرت في الأفق خطط أخرى، وكأنها مسارات أخرى على الطريق، ومنها خطة كوشنر، والتي تستهدف تكريس استراتيجية الوضع الراهن، وعدم الدخول في المرحلة الثانية والتنصل من خطة ترامب خاصة أن نتائج زيارات المسؤولين الأميركيين لم تحسم الأمر المتعلق بالدخول، والنفاذ إلى المرحلة التالية خاصة أن الإشكالية الرئيسة تخوف الحكومة الإسرائيلية من الإقدام على التعامل مع الواقع الراهن للقطاع في ظل بقاء حركة «حماس»، وبرغم البدء في تشكيل القوة الدولية التي اعترضت على مهامها وتشكيلها إسرائيل.

في ظل ما يجري، فإن بقاء القطاع مقسماً قائماً بمقتضي خطة كوشنر وتحويل القطاع إلى كانتونات منفصلة بين «حماس» وإسرائيل، ما يفتح الباب إلى التقسيم على الأرض لحين نزع سلاح حركة «حماس» والتخوف من أن المراحل التالية من الخطة الأميركية قد تطول بسبب عدم تنفيذ أية استحقاقات من قبل الطرفين ما سيقر بالواقع الراهن داخل القطاع وإعطاء فرصة للحكومة الإسرائيلية كي تتنصل من أية التزامات، وقد تكرّس خطة كوشنر واقعاً مشابهاً للضفة الغربية، بحيث تفرض إسرائيل سيطرة أمنية شاملة، وتترك الفلسطينيين في مناطق معزولة، وعلى اعتبار أن غزة هي آخر مساحة متصلة يمكن أن تكون نواة لدولة فلسطينية.

يغذي من ذلك السجال حول تشكيل القوة الدولية، حيث يبدو الصراع بين القوى المعنية، خاصة أن «قوة الاستقرار» المقترحة هي جزء محوري من خطط ترامب، إذ من المقرر أن تتولى تدريب الشرطة الفلسطينية لإدارة القطاع لاحقاً، ونقل السلطة من حركة «حماس». ومن المتوقع أن تشارك مصر والأردن في المشاورات دون إرسال قوات، تجنباً لأي انطباع بأنها تعمل لصالح إسرائيل كما يتوقع أن تتمركّز قوات أخرى إقليمية للمشاركة في مراقبة وقف إطلاق النار.

ولا تتوافر توجهات حقيقية للسماح بأن تكون لـ«حماس» سيطرة على أي مكان في غزة، ومن المحتمل إنشاء ما سماه «مناطق آمنة»، ويشار إلى المرحلة الثانية تشمل إقامة حكم في غزة من التكنوقراط، ويشار إلى أن مناطق مثل رفح تقع خلف الخط الأصفر -الذي انسحبت قوات الاحتلال خلفه- قد تشهد مرحلة أولى لإعادة الإعمار وإنشاء قوة أمن محلية، كما أنه من المتوقع أن يواصل الجيش الإسرائيلي قصف مناطق في قطاع غزة بين الحين والآخر، رغم سريان وقف إطلاق النار، ولم يفتح بعد جميع المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية وفقاً لما ينص عليه الاتفاق.

ويقابل خطة كوشنر تشكيل قوة دولية لتحقيق الاستقرار(ISF)، وذلك للحفاظ على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإعادة تشغيل الكهرباء والمياه، وبدء عمليات إعادة الإعمار، وإنشاء قوة شرطة فلسطينية محلية في الوقت المناسب، ومن المحتمل أن تستمر هذه القوات في لعب دورها الرقابي من جنوب إسرائيل، وربما من خلال زيارات ميدانية مؤقتة إلى غزة.

وفقاً لخطة ترامب، فإن الانسحاب التالي للجيش الإسرائيلي لن يحدث إلا بعد إنشاء قوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة، وحتى بعد إنشائها، ستحتفظ إسرائيل بمنطقة عازلة على حدود القطاع، ولن تنسحب منه بالكامل، ولم يتم الاتفاق على تفاصيل أو توقيت عمليات الانسحاب الإضافية.

وعلي جانب آخر من التخوف من فرض خطة كوشنر بالتقسيم قائمة في ظل الصراع في غزة على الحكم قائماً بدليل وجود أربع ميليشيات مسلّحة معادية لحركة «حماس»، وتتلقى دعماً مباشراً من إسرائيل في محاولة لتهيئة مرحلة جديدة في القطاع بعد الحرب، وفيما يُعرف باسم غزة الجديدة، حيث يهدف المشروع إلى إقامة إدارة بديلة في غزة تكون خالية من «حماس»، وينفذ بدعم عسكري ولوجستي إسرائيلي، وسط اتهامات بتورط أطراف إقليمية في تمويله.

وليس من المستبعد في هذا السياق المعقّد أن تدرس إدارة ترامب –وفي ظل احتمالات التعثر- خطة لتقسيم قطاع غزة إلى منطقتين: واحدة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وأخرى لـ«حماس»، على أن يبدأ الإعمار في الجهة الإسرائيلية فقط، حيث يشكّل مشروع غزة الجديدة واجهة لتحركات عسكرية وسياسية موازية داخل القطاع، بدعم مباشر من إسرائيل، تمهيداً لمرحلة ما بعد «حماس»، ولإقامة إدارة محلية جديدة تحت إشراف الميليشيات الموالية لإسرائيل.

ومن المرجح ألا تدخل هذه الميليشيات في أي صراع مع أي قوة بديلة لحكم «حماس»، وإنْ كان سيكون لها دور في المرحلة الانتقالية بعد تسليم السلطة من قبل لحركة «حماس» إلى قوة عربية أو لجنة مجتمعية أو إدارية ما يشير إلى أن الأمر سيمر بعدة مراحل في هذا السياق الرئيسي، ومن دون مراجعات ما يعنى أن هذه الميليشيات ستعمل في سياق ومناخ آخر ومختلف يمكن التعامل مع تداعياته لاحقاً في الفترة المقبلة، وهناك مخاوف حقيقية من اندلاع حرب أهلية في قطاع غزة بين حركة «حماس»، وهذه الميليشيات خاصة أن التعجيل بتشكيل قوة دولية للعمل على الأرض لن يكون الحل الحاسم في ظل حالة عدم الاستقرار في القطاع.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى