أقلام وأراء

د. طارق فهمي: إسرائيل.. وحدود الضغوط الأميركية

د. طارق فهمي 28-12-2025: إسرائيل.. وحدود الضغوط الأميركية

تنتظرالأطراف المعنية بإدارة الأوضاع في قطاع غزة نتيجة اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، خاصة وأن هناك تعويلاً كبيراً علي دور الرئيس الأميركي في ممارسة أكبر قدر من الضغوط على نتنياهو لبدء المرحلة الثانية بكل استحقاقاتها المعلنة، والواقع يشير إلى أن كل من ترامب ونتنياهو لديهما مواقف محددة ومسبقة تجاه ما سيجري بشأن المفاوضات الخاصة بالمرحلة التالية، وهي مرحلة معقدة، ولا تتوقف عند نزع سلاح حركة «حماس» فقط، بل ترتبط بإدارة القطاع، ودور القوة الدولية في مسرح العمليات، واستمرار الممارسات العسكرية لإسرائيل، ما يؤكد أن الأمر ليس سهلاً.

والحديث عن دور ضاغط أميركي يجب أن يرتبط بكل القضايا الأخرى قيد التفاوض، والتي تحتاج إلى دور أميركي بالأساس كوسيط مباشر، وليس التعويل فقط على الوسطاء.

واقعياً تعاني الحكومة الإسرائيلية حالة من عدم الاستقرار، وتداخل الرؤى والمقاربات الحزبية برغم عدم وجود أية مؤشرات حتى الآن للتبكير بإجراء انتخابات برلمانية قد يضطر نتنياهو تحت ضغوط معينة واستمرار محاكمته، وعدم وجود أي فرصة للعفو عنه، الأمر الذي قد يدفعه في حال محاصرته أميركياً، وداخلياً إلى تغيير بوصلة الاتجاه وهو ما تعلمه الإدارة الأميركية بالفعل، والتي سبق وأن لوحت بتغيير الائتلاف الحاكم، ودعم زعيم المعارضة يائير لابيد، ورئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينت.

والاتفاق في مرحلته الثانية يحتاج إلى استقرار الحكومة، ومضيها في مساره بصرف النظر عن تصرفات نتنياهو، وعدم رغبته الحقيقية في المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق، أو إطالة أمده شهوراً عدة. وعلى الجانب الآخر، فإن «حماس» تسعى للبقاء في إطار حلبة التفاوض – وإن أبدت نوايا التخلي عن موقعها، وتسليم حكم القطاع إلى اللجنة الإدارية، والقبول بما يطرح- ولكن واقعياً، فإن الحركة تعيد تموضع وجودها، وتسعى للتعامل مع القادم من خيارات تتعلق بمصيرها في القطاع، بما في ذلك ترقب مسار الخطط الأميركية بشأن مستقبل القطاع، والتي آخرها خطة شروق الشمس. ومن ثم، فإن ما سيطرح سيرتبط بوجود الحركة مفاوضاً رئيساً في موضوع السلاح، وليس أي طرف آخر مثلما كان في مفاوضات المحتجزين، وبالتالي، فإن رحيل الحركة ومغادرتها الحكم لن يحدث بصورة تدريجية أو مرحلية كما يتصور بعضهم، بل سيظل لوقت مفتوح، حيث لا توجد بالفعل أية استحقاقات زمنية محددة في الخطة الأميركية، الأمر الذي يؤكد أن هناك إشكاليات حقيقية ستكون محل تفاهمات أميركية إسرائيلية مع تركيز الإدارة الأميركية على الخطوات الإجرائية أولاً، وليس الجوهرية، وإن شكلت القوة الدولية ومجلس السلام، وغيرها ما تسعى الإدارة الأميركية التي تريد التأكيد علي مصداقيتها الدولية تجاه الأطراف المعنية، خاصة وأن الدخول في خيارات مفتوحة حول الانتقال من الدول الراغبة للدخول في القوة إلى العودة للحلفاء الأوروبين لدعم الموقف الأميركي وارد بإلحاق دول أوروبية في القوة المقترحة.

في هذا الإطار، فإن الحديث عن مساحات كبيرة للتجاذب الأميركي الإسرائيلي- برغم ما يتردد من تحفظات أميركية على النهج الإسرائيلي – غير صحيح، فالإدارة تتعامل تتعامل مع السلوك العسكري لإسرائيل في غزة أو الجنوبين اللبناني والسوري، انطلاقاً من أن إسرائيل تسعى لإقرار أمنها، وفقاً للرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية. ومن ثم لم يكن هناك أية تحفظات أميركية على استئناف سياسة الاغتيالات للكوادر العسكرية لـ«حماس»، أو الاستمرار في اقتطاع مساحات من القطاع، وزحزحة الخط الأصفر بما يعني الاستمرار في ترتيبات أمنية محددة من جانب واحد، وفقاً لرؤية أمنية معلنة، وجاءت في سياق تصريحات رئيس الأركان إيال زامير مؤخراً، وبما يعني أن الحكومة الإسرائيلية لن تقبل أو تسلم بأي طرح مختلف، وأن الرئيس ترامب لن ينجح في إحداث خروقات في الموقف الإسرائيلي الحالي، أو يعيده إلى واجهة جديدة التزاما بالخطة الأميركية، وفي الوقت نفسه، تمضي الحكومة الإسرائيلية في تكريس استراتيجية تقسيم القطاع لبعض الوقت، إلى حين الاحتلال الكامل للقطاع كأولوية أمنية، واستراتيجية للحكومة الإسرائيلية وأحد مقومات الحكومة الراهنة، خاصة وأن نتنياهو سيذهب إلى الانتخابات المقبلة محملاً بإنجازات حقيقية وفق تصوره، وأنه سينجح في تسويقها، خاصة وأن ما جرى في الانتخابات الداخلية لليكود مؤخراً تشير إلى أنه سيسعى لتحييد الجميع، وعدم إتاحة الفرصة لأي شخصيات بديلة، خاصة وأن إشكالية العفو ما تزال مطروحة، وسيتردد الرئيس اسحق هرتسوج في حسمها تخوفاً من الجمهور الإسرائيلي والتحفظات المتوقعة من القضاء الإسرائيلي الذي يتربص بالموقف الراهن لموضوع العفو بأكمله..

يمكن التأكيد إذاً على أن مساحات التفاهمات أكبر بكثير من مساحات التجاذبات بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي، وأن ما يجري في منظومة العلاقات المفصلية والهيكلية يحتاج دائماً لمراجعات تتم عبر مؤسسات الشراكة والدعم، والتي تعمل في توقيتات محددة على ضبط العلاقات ووضعها في مسارها الصحيح. ومن ثم فإن ما سيجري في غزة من ترتيبات سيرتبط في المقام الأول بقدرة الرئيس ترامب على تحديد الأولويات والاختيار بين السياسات، وليس التأكيد على دخول المرحلة الثانية من التفاوض، وترك الأمور قيد التناول شداً وجذباً، وهذا ما يريده الطرفان، سواء كانت الحكومة الإسرائيلية، أو حركة «حماس»، وفي التوقيت نفسه الاستمرار في تبني إجراءات انفرادية لتكريس استراتيجية الأمر الواقع.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى