أقلام وأراء

د.شفيق ناظم الغبرا يكتب – معنى الانسحاب الأمريكي من الإقليم العربي

د.شفيق ناظم الغبرا – 4/3/2021

يحمل الانسحاب الأمريكي من الإقليم العربي معاني عديدة. فهو انعكاس للارهاق الذي تشعر به الولايات المتحدة من جراء حروبها في الشرق ومن جراء صراعها مع قوى اقليمية عديدة خاصة إيران. الإرهاق الذي تشعر به الولايات المتحدة يشعر قادتها واستراتيجيوها بأن الشرق الأوسط كان ولازال يمثل منطقة إستنزاف ورمال متحركة. ويقع هذا بينما تتحرك الصين نحو تغيير موازين القوى العالمية. الإستنزاف الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط للحفاظ على قوة الدولة الكبرى تحول لعبء كبير على الميزانيات والاقتصاد.

وبينما كانت الولايات المتحدة تخوض حربها ضد الإرهاب وترسل الجيوش لأفغانستان ثم للعراق وغيرهما اذا بها تعاني من اشد التناقضات الذاتية والداخلية بين تياراتها السياسية وبين نخبها كما تجلى في الأزمة الاخيرة حول الكونغرس والانتخابات التي سعى الرئيس السابق ترامب لمصادرتها. بل تكتشف الولايات المتحدة بأنه حتى بناها التحتية التي كانت متقدمة عن العالم قبل عقد أو عقدين، اذا بها متراجعه وغير صالحة لمناخ اليوم وأعاصيره. ما حصل في ولاية تكساس بالتحديد دليل على الأزمة. فتلك الولاية من اغنى الولايات خاصة بسبب إمتلاكها للنفط، لكن تحويل النفط المملوك للولاية كما والكهرباء لملكية أفراد وشركات أنهى ذلك التفوق. لهذا بالتحديد انتكبت الولاية في ظل أعاصير الأسبوعين الماضيين.

ويبدو الشرق الأوسط وفق المنظور الأمريكي منطقة أقل أهمية الآن، بل يبدو أن الولايات المتحدة تريد تهميش منطقة الشرق الأوسط لكي تنتقل للتركيز على قضايا تتعلق بالميزان الدولي. لهذا بالتحديد تتغير السياسة الأمريكية، وهي لا تمانع وقوع خلافات بينها وبين حلفاء تاريخيين لها مما يفسر نشرها للتقرير الخاص باغتيال الصحافي جمال خاشقجي في تركيا. المقصود هنا ان نسبة المقدسات تجاه الحلفاء أصبحت أقل، وان الولايات المتحدة لم تعد تمانع اخذ مواقف اوضح تجاه جملة من القضايا من أهمها حقوق الإنسان. وهي تحت كل الظروف اقل اعتمادا على حلفائها لاستيراد النفط.

ومن العوامل المـؤثرة على المناخ السياسي الراهن تحت قيادة بايدن أن ادارته بالتحديد تجد أن عددا من دول العالم العربية قد راهنت على ترامب كما ودعمته بطرق مختلفة أثناء حملته وفي حركته السياسية ومناوراته. الديمقراطيون يرون في بعض النخب العربية الأساسية طرفا في الوضع الداخلي الأمريكي خاصة أن اموالا تسربت لترامب من منطقة الخليج. بنفس الوقت تحمل هذه الادارة الكثير من الضيق تجاه نتنياهو وسياساته في دعم ترامب، كما وتعي أكثر من اي ادارة سابقه ان نتنياهو يمكن أن يورط الولايات المتحدة بصراع واسع مع إيران بينما تريد الولايات المتحدة ان تعود للاطار النووي مع إيران لتنتهي من المشكلة وتركز في اماكن اخرى.

الولايات المتحدة لن تقاطع دول الإقليم، لكنها تتبع سياسة التقليل من الأهمية، فالاتصالات الهاتفية بين بايدن وقادة المنطقة بما فيها الحليف الاسرائيلي تأخرت لاسابيع وذلك على غير العادة، كما انها في المرحلة القادمة ستستخدم الضغوط التي تجيدها في التعامل مع الحلفاء. إن العلاقة القادمة مع السعودية والإمارات ستشمل قضايا كحرب اليمن وحقوق الإنسان.

لا تحمل هذه الادارة مواقف سلبية تجاه الكويت على سبيل المثال، فقد كانت الكويت في المرحلة السابقة نموذجا لدولة سعت لأن تكون وسيطا للسلام والحلول الوسطى في كل من حرب اليمن وفي أزمة حصار قطر. من جهة أخرى برزت قطر في المرحلة السابقة كدولة معتدلة وبنفس الوقت محاصرة من قبل دول أقوى منها، كما أن تعاونها مع الولايات المتحدة وخاصة عبر القاعدة العسكرية أكسبها مصداقية أمريكية تجاوزت الحزبين. أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية فلن تمانع الادارة بعض المفاوضات، لكن ذلك لن يؤدي لحل سياسي او لدولة فلسطينية، ففي فلسطين سيبقى الجمود في مكانه، الا اذا قامت حركة فلسطينية شعبية اساسها المقاومة السلمية.

وبينما تستمر المشاريع الإيرانية والتركية في الإقليم، وتستمر محاولات اسرائيل اختراق الوضع العربي كما وتستمر في صراعها مع إيران ثم تركيا إلا أن الشرق الأوسط يترك لمصيره، ويترك لمصاعبه، وهو لن ينجو من الزلازل القادمة بلا تغييرات تصيب الطبقات السياسية المسيطرة، الشرق بحاجة لرؤى إصلاحية جادة تفتح الطريق أمام الأجيال الصاعدة كما والحريات. تحتاج السفينة العربية الغارقة لخطة انقاذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى