د. سنية الحسيني: عن دور أميركا في غزة بموجب قرار مجلس الأمن
د. سنية الحسيني 20-11-2025: عن دور أميركا في غزة بموجب قرار مجلس الأمن
عملت الولايات المتحدة بشكل متدرج على تأمين توافق عربي فلسطيني لإخراج قرار أممي يمنح الشرعية الدولية للخطة الشاملة التي قدمها الرئيس الأميركي ذات النقاط العشرين لوقف الحرب في غزة. واعتمد قرار مجلس رقم ٢٨٠٣/ ٢٠٢٥ في ١٧ تشرين الثاني الماضي، ليفتح الطريق أمام بدء تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب الشاملة، التي طرحها في ٢٩ أيلول الماضي لوقف الحرب في غزة. وتم بالفعل وقف إطلاق النار وفق تلك الخطة ودخل ذلك حيز التنفيذ في ١٠ تشرين الأول الماضي، وتم الاحتفال به والتصديق عليه في قمة شرم الشيخ بعد ذلك. يمكن تفسير الحيثيات المتضمنة في القرار في إطار الخطة الأميركية ذات النقاط العشرين، التي وُضعت كملحق لقرار مجلس الأمن الأخير، وفي ظل التصريحات الأميركية الرسمية.
وُزّعت المسودة الأولية للمشروع القرار الأميركي من قِبل الولايات المتحدة في 3 تشرين الثاني الماضي على أعضاء مجلس الأمن، والتي ركزت على منح قوة دولية مؤقتة لتثبيت الأمن والاستقرار في القطاع، مع تمكينها استخدام كافة التدابير اللازمة لتحقيق ذلك، ومنحتها المسودة تفويضًا لمدة عامين، كما منحت ذلك لمجلس السلام الذي نصت المسودة على إنشائه لإدارة الحكم في غزة. وأكد الطرف الأميركي أن مصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات وتركيا ستنضم إلى الولايات المتحدة لاحقاً. وفي ١٠ تشرين الثاني الماضي أعلن عن مسودة معدلة تتضمن تحديد معايير الانسحاب الإسرائيلي من غزة في إطار ربطها بنزع سلاح حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، وكما تمت الإشارة بتقديم تقارير مرحلية حول سير العمل إلى مجلس الأمن كل ستة أشهر. وفي ١٣ تشرين الثاني الماضي، وزعت مسودة معدلة أخرى تضمنت البند المتعلق بالإشارة لإمكانية تحقيق مشروط لحق الفلسطينيين بتقرير المصير وإقامة دولتهم، بإصلاح السلطة الفلسطينية، التي لم يشر في مسودة القرار لأي دور لها، سواء في مجلس السلام، او القوة الأمنية، خلال الفترة الانتقالية المحددة في المشروع، أي حتى نهاية عام ٢٠٢٧، والقابلة للتمديد. وقدمت تلك المسودة المعدلة بالفعل للمجلس للتصويت عليها في ١٧ تشرين الثاني وأقرت بأغلبية ١٣ صوتاً من مجمل الأصوات الـ ١٥، مع امتناع الصين وروسيا عن التصويت، وهو ما نجحت الولايات المتحدة بتحقيقه.
جاء ذلك التعديل الأخير قبل يوم واحد من إصدار بيان مشترك عن الولايات المتحدة ودول عربية مركزية يرسخ أرضيه لدعم التصويت على المشروع الأميركي، أعربت فيه أميركا ومصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات وتركيا وإندونسيا وباكستان عن دعمها المشترك لمشروع القرار. ورغم أنه قد جاء في البيان أن هذه العملية تُمهّد الطريق أمام تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية ونحو السلام والاستقرار، ليس فقط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل للمنطقة بأسرها، إلا أن الإشارة لذلك في مشروع القرار الذي اعتمد بعد ذلك جاءت عابرة دون تركيز وفي موقع متأخر منه، ومشروطة بإصلاح السلطة، وغير مؤكدة بالإشارة إلى أن تلك العملية «قد تؤدي لتحقيق حق تقرير المصير وإقامة الدولة».
اعتبر السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز يوم التصويت على القرار وقبل إقراره، أن التصويت ضد القرار من قبل روسيا أو الصين أو البلدين معاً يُعتبر عودة للحرب، بينما أشار للبلدين بأنه «لا يمكن أن تكون كاثوليكياً أكثر من البابا»، في إشارة لضرورة وضع موافقة الدول العربية المركزية والسلطة الفلسطينية على مشروع القرار بعين الاعتبار. وكان من الصعب على البلدين استخدام «الفيتو»، بعد موافقة الدول العربية المركزية المنخرطة في العملية مع الولايات المتحدة، بالإضافة لموافقة السلطة، بل قد تكون تلك الأطراف أو عدد منها، مَن طلب من روسيا والصين عدم استخدام «الفيتو»، وفق توجيهات واشنطن.
وينص القرار على تشكيل مجلس السلام، وهو هيئة حاكمة انتقالية تشرف على إدارة غزة، خصوصاً مشاريع إعمارها، تحت قيادة أو رئاسة ترامب نفسه. كما نص القرار على تشكيل قوة وُصفت بقوة استقرار دولية، مع السماح بتشكيل لجنة تنفيذية فلسطينية، ليست من السلطة، ولا ينخرط أعضاؤها في السياسة، لمتابعة الأمور اللوجستية اليومية والتواصل مع المجتمع المحلي.
وحسب مايك والتز يخول القرار قوة استقرار دولية، وهو تحالف أو قوة أمنية «دولية»، ستنتشر في غزة، تحت قيادة موحدة، يقررها مجلس السلام، تحت رئاسة ترامب، لفرض الأمن، ونزع سلاح الفصائل الفلسطينية. وأشار إلى أن نشر تلك القوة سيتزامن مع إنهاء إسرائيل وجودها تدريجياً، بينما تتولى شرطة فلسطينية مدققة الأمن. وتدعو المرحلة الثانية من خطة ترامب لنزع سلاح حماس، ومواصلة انسحاب «قوات الدفاع الإسرائيلية».
ونص القرار على أن قوات الأمن الإسرائيلية ستسهم في استقرار البيئة الأمنية في غزة من خلال ضمان عملية نزع السلاح من القطاع. كما نص على أنها ستتولى مهام إضافية قد تكون ضرورية لدعم اتفاق غزة، وستنتشر في غزة تحت قيادة موحدة مقبولة من مجلس السلام، الذي سيعمل بالتشاور والتعاون مع إسرائيل ومصر. وينص القرار على أن قوات الأمن الإسرائيلية ستضمن «عملية نزع السلاح من قطاع غزة». وفقًا للقرار، فمع إرساء قوات الأمن الإسرائيلية السيطرة والاستقرار، سينسحب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة «بناءً على معايير وأطر زمنية مرتبطة بنزع سلاح حماس». وينص القرار على أن الجدول الزمني سيتم الاتفاق عليه بين الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الإسرائيلية والولايات المتحدة والجهات الضامنة الأخرى لاتفاقية غزة. وستكون قوات الأمن الإسرائيلية قادرة على «استخدام جميع التدابير اللازمة لتنفيذ ولايتها. إن ذلك يعني أن القوة الدولية، التي ستتشكل لتحقيق هدف إسرائيل بنزع سلاح حماس، ستنسق مع القوات الإسرائيلية، بغض النظر عن كونها أمنية أو عسكرية، أو تحت إشرافها، وهو الأكثر ترجيحاً.
يدعو القرار إلى تمكين مجلس السلام، بصفته «إدارة حكم انتقالية»، من تحديد الأولويات وجمع التمويل لإعادة إعمار غزة، إلى أن تُكمل السلطة الفلسطينية «بشكل مُرضٍ» برنامج الإصلاح»، وبعد موافقة مجلس السلام. ووفقًا للقرار، سيتولى مجلس السلام «الإشراف على لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية وستكون مسؤولة عن العمليات اليومية للخدمة المدنية. كما ينص مشروع القرار على أن المنظمات العاملة مع مجلس السلام – بما في ذلك الأمم المتحدة والصليب الأحمر والهلال الأحمر – ستتولى تسليم المساعدات، الأمر الذي يرفع ذلك العبء عن كاهل الولايات المتحدة وإسرائيل. ينص القرار على تشكيل مجلس السلام، وهو حسب تصريحات البعثة الأميركية في الأمم المتحدة سيكون عبارة عن إدارة انتقالية بتمويل دولي منسق لإعادة الإعمار من صندوق استثماري مخصص. الأمر الذي يعني أن الدول العربية ودول العالم ستتحمل مسؤولية تكاليف الإعمار ومصاريف مجلس السلام الذي يدير غزة والقوة التي ستنزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وترسي الأمن لصالح إسرائيل وتحت إشرافها، دون أن تتحمل القوة القائمة بالاحتلال، والمسؤولة عن تدمير غزة وقتل عشرات الآلاف من سكانها، أية مسؤولية.
في الأشهر الثلاثة الماضية وحدها، استعادت الإدارة الأميركية أكثر من ٨٠٠ مليون دولار من الأموال التي وافق عليها الكونغرس لعمليات السلام التابعة للأمم المتحدة، حتى أنها امتنعت عن دفع الأموال المخصصة لرسوم عضوية الأمم المتحدة. وتتنصل الولايات المتحدة التي تتبنى تحقيق كل تلك المخططات من تحمل أي أعباء مالية، بل على العكس، يبدو أنها تخطط لجني مكاسب مالية، على حساب عدالة الفلسطينيين.
أكد مسؤول أميركي أن القوة المشار إليها في القرار للإنفاذ وليست قوة حفظ سلام. وستتولى القيادة الأميركية المركزية صياغة خطة عمل قوة الاستقرار الدولية. ليس من السهل حشد دول تشارك في تلك القوة بهدف قتال حركة حماس. وكانت قد أشارت دول عربية وإسلامية لاهتمامها بالمشاركة في قوة دولية في غزة لكن بعد تفويض من قبل الأمم المتحدة، وهو ما تحقق بفعل هذا القرار.
يُضفي القرار طابعًا رسميًا على خطة واشنطن ويدمجها في إطار عمل بتفويض من الأمم المتحدة بدلًا من مسار سياسي ثنائي. ورغم ذلك لا يحدد القرار جدولاً زمنياً لنقل السلطة للفلسطينيين كما لا يوجد في القرار آليات رقابة جادة او قواعد مساءلة واضحة لأداء لجنة للسلام او القوة الأمنية التابعة لها. كما سيضمن القرار نشر قوات الأمن الإسرائيلية تحت «قيادة موحدة مقبولة من مجلس السلام»، ومن مجلس الأمن.
واعتبرت روسيا أن مشروع القرار الأميركي لم يتضمّن ما يكفي من التأكيد على مبدأ حلّ الدولتين. وانتقدت مشروع القرار الأميركي معتبرة أنه «يتجاوز المعايير القانونية الدولية المعترف بها». وقدمت روسيا مشروع قرار روسي في ١٣ تشرين الثاني الماضي، أي في اليوم الذي طرح فيه التعديل الثاني على مشروع القرار الأميركي، حيث لم يشر المشروع الروسي لمجلس السلام، معتبراً أنّه يعطي سيطرة خارجية مفرطة على غزة. ودعا المشروع الأمين العام لتشكيل قوة دولية لتثبيت الوضع في غزة. وشدد على مبدأ حل الدولتين وربط غزة بالضفة تحت سيطرة السلطة. وشرحت روسيا هدفها من ذلك الاقتراح بأنه لتمكين مجلس الأمن من تطوير مقاربة متوازنة ومقبولة لتحقيق وقف دائم للأعمال العدائية، وكان ذلك محاولة أخيرة من قبل روسيا لضمان بعض من العدالة للفلسطينيين. وطالبت الصين أيضاً بإخراج هيئة السلام من القرار، وجرى انتقاد عدم وجود إطار واضح لتشكيل القوة الدولية او إسهام السلطة في الحوكمة، حيث تم اقصاء واضح للسلطة المحلية، وحصر دور فلسطيني غير رسمي في جانب خدمي تنفيذي لقرارات وتوجهات مجلس السلام بقيادة اميركا.
يبدو أن القرار الذي انتزعته الولايات المتحدة في مجلس الامن لم يحقق أدنى الطموحات للفلسطينيين، ففي إطار مقارنة سريعة بينه وبيان قمة شرم الشيخ أو البيان الختامي لمؤتمر نيويورك يتضح ذلك بجلاء. جاء بيان قمة شرم الشيخ في ١٣ نشرين الثاني، بحضور ٣٠ دولة لترسيخ خطة ترامب لوقف إطلاق النار. ونص البيان على انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، دون الإشارة لنزع سلاح حركة حماس، بينما ربط قرار مجلس الأمن ذلك بالانسحاب غير الواضح أو المحدد للاحتلال مع القضاء على حماس. كما ركز البيان على دور إقليمي في التنفيذ والمتابعة، بينما أعطى القرار الأميركي ذلك الدور بالكامل للولايات المتحدة، فأشار البيان لإشراف الأمم المتحدة، على عكس القرار الذي منح ذلك للولايات المتحدة. كما أكد البيان على إعادة الإعمار تحت إشراف دولي، لكن القرار وضع ذلك تحت إدارة الولايات المتحدة. تتقاطع كثير من تلك القضايا مع ما طرحه البيان الختامي لمؤتمر نيويورك الذي جاء برعاية سعودية فرنسية في ١٢ أيلول، وهي وثيقة اعتمدت من قبل ١٤٢ دولة. ربط بيان نيويورك وقفاً شاملاً للحرب مع حل الدولتين، كما تحدث بيان شرم الشيخ عن ترتيبات مؤقتة لغزة تنتهي بالدولة الفلسطينية، وهو أمر لم يظهر في القرار الأممي الأخير.
وبينما رحبت السلطة الفلسطينية بالقرار رفضته حركة حماس، وأكدت على أن سلاحها «مرتبط بوجود الاحتلال». ويتضمن القرار بندًا فضفاضاً يركز على إمكانية النظر في حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة دولته، إلا أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تعارض بشدة قيام دولة فلسطينية، ما يجعل التقدم في هذه القضية غير مرجح في المستقبل القريب.
كان للدعم الرسمي الفلسطيني والعربي دور مهم في تمرير القرار وعدم إسقاطه بفعل «الفيتو» من قبل روسيا أو الصين. ويعد ذلك إنجازًا دبلوماسيًا كبيرًا لإدارة ترامب، لأن القرار منح خطة ترامب للسلام زخمًا إضافيًا وشرعية دولية، وفتح الباب أمام الدخول للمرحلة الثانية من تنفيذ الخطة. كما يسمح القرار إن نجح تنفيذه لإسرائيل بتحقيق أهدافها بالقضاء على حركة حماس، والسيطرة الأمنية الكاملة على غزة، التي ستصبح منزوعة السلاح، تماماً كالضفة الغربية، وتخضع لرؤية وسياسة الاحتلال، القوة الفعلية القائمة على الأرض.



