أقلام وأراء

د. سنية الحسيني تكتب – عن يهود الولايات المتحدة والانتخابات الرئاسية..!

بقلم  د. سنية الحسيني   –  23/10/2020

يلعب يهود الولايات المتحدة دوراً هاماً في صنع القرار السياسي الأميركي الخارجي تجاه الشرق الأوسط، إلا أن هذا الدور المهم والخطير لا يأتي من خلال تأثيرهم المباشر في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، بل من خلال التأثير غير المباشر. ويدعم أكثر من ٧٠٪ من اليهود مرشحي الرئاسة الديمقراطيين، ولكن ذلك لا يضمن نجاحهم اعتماداً على القدرة الانتخابية لليهود. ورغم أن نسبة عدد اليهود لا تتجاوز ٣٪ من مجموع عدد سكان الولايات المتحدة، الا أنهم يستطيعون أن يساعدوا مرشحاً في الوصول إلى مقعد في الكونغرس ويُفشلوا آخر، فما السر وراء قوتهم؟

يُعد يهود الولايات المتحدة ثاني أكبر كتلة تدعم مرشحي الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية بشكل منتظم بعد الأميركيين من أصول أفريقية. ويُعتبر اليهود متجانسين في سلوكهم الانتخابي إلى حد كبير، حيث يؤيد حوالى ٧٠٪ منهم مرشحي الرئاسة الديمقراطيين. ففي انتخابات عام ٢٠١٦، أيد ٧١٪ منهم هيلاري كلينتون مرشحة الرئاسة الديمقراطية. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تصاعد نسبة تأييدهم للمرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن من ٦٧٪ في أيلول الماضي إلى حوالي ٧٠٪ في منتصف الشهر الجاري، وكان آخر مرة أيد فيها اليهود مرشحاً جمهورياً للرئاسة في العام ١٩٢٠. وشهدت انتخابات عام ١٩٢٤ تحول دعمهم إلى مرشحي الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية ليبقى ذلك الدعم قائماً حتى اليوم.

ويعود السبب المباشر في دعم معظم اليهود الأميركيين لمرشحي الحزب الديمقراطي للرئاسة إلى أن غالبيتهم ليبراليون، كما أن معظمهم (حوالى ٥٩٪) يحملون شهدات جامعية، وهي نسبة عالية مقارنة بمجمل سكان الولايات المتحدة، والتي لا تتعدى نسبة تلك الفئة ٢٩٪ من مجمل عدد السكان. ويهتم معظم اليهود بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية تماماً كالمواطنين الأميركيين الآخرين، ويأتي اهتمامهم بإسرائيل في ذيل القائمة. إن ذلك يفسر عدم تحول أصوات هؤلاء اليهود لدعم دونالد ترامب رغم كل ما قدمه لإسرائيل. ويؤيد أغلب اليهود حل الدولتين وإزالة جزئية أو كلية للمستوطنات اليهودية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧. على الجانب الآخر، يدعم يهود الولايات المتحدة المتدينون إسرائيل بقوة، ويشكل هؤلاء حوالى ٢٠٪ من مجمل عدد اليهود في الولايات المتحدة، تماماً كما يدعمها البروتستانت المتدينون (الافنجليلكلز)، ويضع اليهود المتدينون إسرائيل على رأس أولياتهم الانتخابية، وهذا يفسر دعم تلك الشريحة من اليهود، عبر كتل انتخابية منظمة، للحزب الجمهوري ومرشحيه.

ورغم الانطباع السائد بعكس ذلك، من الصعب اعتبار اليهود الأميركيين قوة انتخابية حاسمة في نتائج الانتخابات الرئاسية، فقد نجح ترامب بدون دعم الأغلبية منهم. ويتراوح عدد اليهود ما بين خمسة ونصف مليون وستة ملايين نسمة، بما يشكل ما بين ٢٪ إلى ٣٪ فقط من نسبة عدد السكان، بينما تصل قوة اليهود الانتخابية إلى ٤٪ انطلاقاً من نسبة مشاركتهم العالية في الانتخابات والتي تصل إلى ٨٥٪ مقارنة مع نسبة المشاركة الشعبية العامة التي لا تتعدى ٥٥٪. ويتركز اليهود  في تسع ولايات أميركية، ورغم ذلك تبقى نسبة تمثيلهم محدودة حتى في تلك الولايات، فعلى سبيل المثال تبلغ نسبة تمثيلهم في أكبر تجمع لهم في نيويورك حوالي ٨٪ من مجمل سكان الولاية. ويتواجد اليهود في ولايات مثل فلوريدا وبنسلفانيا وأوهايو ومتشيغان وميريلاند. ورغم ذلك تبقى نسبة تمثيلهم محدودة حتى في تلك الولايات، الا أنهم أحياناً قد يساهمون بدعم مرشح ضد آخر انطلاقاً من ثقلهم التكتلي.

لا يكمن سر قوة اليهود في مكانتهم الانتخابية وإنما يكمن في قوة تأثيرهم على الانتخابات التشريعية. وينعكس ذلك التأثير في قدرتهم على توجيه السياسية الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط. ويأتي هذا التأثير من خلال مؤسسات أو منظمات الضغط التي تدعم المرشحين لمجلسي الشيوخ والنواب عبر الدعم المالي بشكل خاص. وتستطيع تلك المنظمات دعم مرشح معين وتأمين سبل وصوله للكونغرس، كما قد تساهم في اسقاط مرشح آخر تعتبره مخالفاً لسياستها. وتتمكن من اقتراح مشاريع قرارات أو قوانين في الكونغرس تخدم أجندتها وسياساتها وتعكس مصالحها، من خلال النواب الذين تتحالف معهم.

هناك عدد من هذه المنظمات اليهودية والتي تحمل الفكر الصهيوني وتسعى للتأثير على صانع القرار في الولايات المتحدة بما يخدم رؤيتها وأهدافها، الا أن أهمها على الإطلاق هي «الإيباك» وتليها منظمة الـ «جي ستريت». وتعتبر «الإيباك» واحدة من أكبر جماعات الضغط التي تقوم بتجنيد الأموال من أجل دعم مرشحين لعضوية الكونغرس من الحزبين. ويحصل مرشحو الحزب الديمقراطي على نصف تبرعاتهم من اليهود، بينما يحصد الجمهوريون على ربعها منهم. وتحرص «الايباك» على مشاركة الديمقراطيين والجمهوريين على السواء في نشاطاتها، فقد شارك في مؤتمر المنظمة السنوي عام ٢٠١٦ كل من ترامب وكلينتون مرشحي الرئاسة في حينه، وجو بايدن وكمالا هارس من كبار شخصيات الحزب الديمقراطي، ومايك بنس وبول ريان من الحزب الجمهوري.

تهدف «الإيباك» إلى الضغط على الكونغرس في قضايا لها علاقة بإسرائيل، اذ يجتمع أعضاء المنظمة بشكل دوري مع أعضاء الكونغرس لتوضيح مواقفها وتوجهاتها تجاه قضايا محددة. وبنت «الايباك» شبكة تواصل تضمن وصولها لجميع أعضاء الكونغرس، وهي متهمة بأنها تعمل من أجل مصلحة الحكومة الإسرائيلية وتتحالف مع حزب الليكود فيها. ورغم أن «الايباك» لا تؤيد الفلسطينيين، الا أنها باتت مؤخراً تدعم حل الدولتين لاعتقادها بأن غيابه قد يقود إلى حل الدولة الواحدة الذي يضر بمستقبل إسرائيل. بالمقابل تدعي الـ «جي ستريت» قربها من الفلسطينيين انطلاقاً من أهدافها المعلنة بتعزيز الدور الأميركي لإنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي والفلسطيني-الإسرائيلي بشكل سلمي، وعبر تبني علاقات سياسية ودبلوماسية مع الفلسطينيين. ويدعم الحزبان الجمهوري والديمقراطي كلا المنظمتين، الا أن «الإيباك» تلقى دعماً كبيراً من قبل المحافظين في الحزب الجمهوري، في حين تحظى «جي ستريت» بدعم الديمقراطيين، خصوصاً أولئك الذين باتوا مؤخراً يهاجمون سياسة نتنياهو. وتأتي عضوية «الإيباك» و»جي ستريت» في الأساس من اليهود، حيث يصل عدد أعضاء «الإيباك» إلى حوالي ١٠٠ ألف عضو بينما يقل عدد أعضاء جي ستريت عن ذلك بكثير.

وتدفع «الايباك» حوالى عشرة أضعاف ما تدفعه «جي ستريت» في سبيل تحقيق أهدافها السياسية. ورغم أن القانون لا يسمح لها بتجنيد الأموال للحملات السياسية وحتى التبرع المباشر للمرشحين، الا أنها تدعم مرشحيها بشكل غير رسمي من خلال جمعهم مع مانحين كبار من خلال لجان العمل السياسي، كما تجمع المنظمة مرشحي الانتخابات والمشرعين في المجالس التشريعية الذين تدعمهم من كلا الحزبين مع رجال أعمال ومال في اجتماعاتها السنوية ولقاءاتها الجانبية.  ورغم أن «الايباك» تأسست عام ١٩٥٣، الا أنها نجحت في تحقيق نفوذ مالي وسياسي بعد منتصف السبعينات من القرن الماضي. وتزامن ذلك الصعود مع تولي مناحم بيغن أول رئيس وزراء من حزب الليكود السلطة في إسرائيل عام ١٩٧٧. وقد وصف نفوذ الايباك في عهد الرئيس جيمي كارتر بأنه قوة رئيسة في تشكيل السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط. ومنذ ذلك الوقت باتت «الايباك» قادرة على دعم المرشحين ومساعدتهم بالفوز وحجب الدعم عن الآخرين والتسبب بهزيمتهم.

في مطلع شهر شباط من العام الماضي، أثارت النائب الديمقراطي إلهان عمر في الكونجرس ذلك الموضوع معتبرهً أن الرضوخ لضغوط «الايباك» الداعمة لإسرائيل في الكونغرس يُعد شكلاً من أشكال الولاء لدولة أجنبية، الأمر الذي أعاد فتح باب الجدل المحتدم أصلاً بين أقطاب سياسيين حول هذه القضية. فما بين جماعات الضغط اليهودية التي تعمل لصالح إسرائيل في الولايات المتحدة ودعم الافنجليكلز المطلق لها والذين يمثلون تقريبا ثلث القاعدة الانتخابية الأميركية، تبقى إسرائيل الحليف الأول للولايات المتحدة ليس في الشرق الأوسط فقط وإنما في العالم أجمع، وذلك لاعتبارات أيديولوجية في الأساس بالإضافة إلى اعتبارات المصلحة.

* كاتبة وأكاديمية فلسطينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى