أقلام وأراء

د. سنية الحسيني تكتب – إيران والولايات المتحدة وإسرائيل: التطورات العسكرية الأخيرة

د. سنية الحسيني –  4/3/2021

يعتبر استهداف السفينة الإسرائيلية في خليج عُمان نهاية الأسبوع الماضي تطوراً في أساليب الضغط الذي تمارسه إيران لإرغام الولايات المتحدة على اعادة إحياء الاتفاق النووي بين الطرفين رغم علمها بالتحديات التي تواجه تلك الإدارة في سبيل ذلك، من بينها تحفظات إسرائيل شريك الولايات المتحدة الاستراتيجي في المنطقة.

ورغم هشاشة الرد الإسرائيلي على ذلك الهجوم، وذلك بإقدام إسرائيل على قصف أهداف إيرانية في سورية يوم الأحد الماضي، الا أن تزامنه مع الهجوم الأميركي على أهداف إيرانية أيضاً في سورية يوم الخميس الماضي، وزيارة مسؤول عسكري أميركي لإسرائيل في اليوم التالي، يؤكد على استمرار التنسيق عالي المستوى بين البلدين. لا تخفي إيران رغبتها الجامحة في استعادة الاتفاق النووي، كما ترغب إدارة بايدن في اعادة إحيائه من جديد، هذا بالإضافة إلى أن إسرائيل نفسها لا تخفي قلقها من استمرار تطوير إيران لقدراتها النووية خارج حدود الاتفاق، فالعودة إلى الاتفاق يعد مصلحة لجميع الأطراف. ليس من المتوقع أن تتراجع إيران وتعيد التفاوض حول الاتفاق النووي، كما أن انفجار الأوضاع في المنطقة ليس من مصلحة أي من الأطراف، فماذا ينتظر المنطقة في الأيام القادمة؟

ورغم عدم تقديم أدلة تفيد بتورط إيران في حادث السفينة، الا أنه يشير إلى تطور نوعي في الاساليب التي تستخدمها إيران للضغط على الولايات المتحدة. إن إقحام إسرائيل في اطار تلك المواجهة المباشرة يحمل بعدين، الأول يلوح بإمكانية استخدام إيران للمصالح الإستراتيجية والتجارية لإسرائيل، والتي تعد قضية جوهرية لإسرائيل، والبعد الثاني يشير إلى التلويح لإسرائيل بمكانة ونفوذ إيران في تلك المنطقة، وضرورة حدوث توافق لإنجاح أي عمل مستقبلي فيها.

لقد ضربت القوات الاميركية أهدافاً في سورية تستخدمها الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بشكل كبير لتهريب الأسلحة، للانتقام من هجوم الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران في ١٥ شباط الماضي في مطار أربيل. وتُشكّل المنطقة المستهدفة أهمّ حزام تجمُّع للميليشيات العراقية المدعومة من إيران في سورية، والتي تعرضت لضربات متكررة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، منذ عام ٢٠١٨. واعتبرت الولايات المتحدة أن ذلك الهجوم يعد انتقامًا متعمدًا ومخططًا له، حيث أكد جو بايدن انه تعلم من إخفاقات الرئيس السابق باراك اوباما في تعامله مع إيران، والذي تغاضى فيها عن خروقات إيران العسكرية لضمان استمرار الجهود الدبلوماسية.

إن الضربة المزدوجة التي تلقتها إيران قبل أيام من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لا تعتبر الأولى من نوعها، وكان مسؤول استخباراتي أميركي في اكد كانون الثاني الماضي أن إسرائيل نفذت ضربات جوية في شرق سورية على أهداف مرتبطة بإيران بمعلومات استخبارية قدمتها الولايات المتحدة، كما أشار جيمس جيفري المبعوث الأميركي السابق إلى سورية على تنسيق الضربات بين إسرائيل والولايات المتحدة في سورية. إن ذلك يؤكد أن سياسة الرئيس بايدن تجاه سورية والوجود الإيراني فيها والتنسيق مع إسرائيل لن تشبه سياسة أوباما وإنما ستتشابه الى حد كبير مع سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب.

تعطي إيران أولوية كبيرة للعودة إلى الملف النووي أو خطة العمل الشاملة المشتركة التي وضعت في عهد الرئيس أوباما عام ٢٠١٥، وتسعى إلى ازاحة جميع العقوبات الجديدة التي فرضتها إدارة الرئيس السابق ترامب. وشهد الاقتصاد الإيراني تراجعاً كبيراً منذ تخلي إدارة الرئيس ترامب عن ذلك الاتفاق. وأفاد البنك الدولي أن الناتج الإيراني المحلي الإجمالي تقلص بنسبة ٦,٨ في المائة خلال عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٠، كما ارتفع معدل البطالة بشكل كبير. كما يواجه النظام الإيراني مشكلات داخلية منذ الاحتجاجات الأخيرة في نهاية العام ٢٠١٧، والتي تفاقمت مع تصاعد الازمة الاقتصادية بعد إلغاء الاتفاق النووي والازمة الصحية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، وانعكس ذلك في نتائج المشاركة الشعبية في انتخابات البرلمان الأخيرة في شهر شباط من العام الماضي، والتي بلغت ٥٧ بالمائة فقط مسجلة أقل نسبة مشاركة على مدى الأربعين عاماً الماضية.

ولا تخفي تصريحات القيادة الإيرانية رغبتها الجامحة في إحياء ذلك الاتفاق، مع تأكيدها عدم استعدادها لإعادة التفاوض حول معطياته. ودعا المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إيران والولايات المتحدة للتحرك بشكل متزامن لإحياء الاتفاق، مع عودة طهران إلى الامتثال في نفس الوقت الذي ترفع فيه واشنطن العقوبات. كما أكد الرئيس الإيراني روحاني أن إيران على استعداد لأن تخطو خطوات تتناسب مع خطوات واشنطن. ووافق بايدن على دعوة من الاتحاد الأوروبي لإجراء محادثات مع إيران. وتريد واشنطن التأكد من عودة طهران للامتثال لشروط اتفاق ٢٠١٥ التي خرقت عددا منها بعد انسحاب واشنطن منه. وتدعو إسرائيل إدارة بايدن لعدم رفع العقوبات عن إيران الا في ظل صفقة جديدة تضع منظومة الصواريخ الباليستية الإيرانية ودور إيران الإقليمي ضمن بنودها. ويواجه بايدن تحديًا كبيرًا في ظل معارضة تيار واسع في الولايات المتحدة يتوافق مع موقف إسرائيل. ففي أوائل شهر شباط الماضي وقع١٢٠ عضوًا جمهوريًا في الكونغرس خطابًا يؤكدون فيه رفضهم اعادة واشنطن العمل بالاتفاق النووي مع إيران، في حين وقع ١٥٠ عضوا ديمقراطياً على خطاب آخر يؤيد العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.

تستخدم طهران العديد من الأساليب للضغط على الولايات المتحدة لاعادتها الى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات التي فرضها إدارة ترامب بعد انسحابه من خطة العمل الشاملة المشتركة عام ٢٠١٨. أعلنت إيران عن زيادة التخصيب إلى ٢٠ في المائة واتخاذ إجراءات أخرى، مثل إنتاج خام اليورانيوم، كما هددت بالتخلي عن “البروتوكول الإضافي” الذي يسمح بالتفتيش الفوري على منشآتها النووية. كما تلوح إيران بإمكانية الذهاب إلى التشدد في سياستها من خلال انتخاب قيادة متشددة، رغم أن المرشد لا يخفي رغبته بالعودة إلى الاتفاق مع الولايات المتحدة، كما أنه يتحكم بشكل كبير، من خلال أذرع النظام، في تحديد هوية القيادة الإيرانية سواء كان ذلك في المجلس (البرلمان) أو مؤسسة الرئاسة. ويبقي المرشد حالياً طريق الدبلوماسية مفتوحاً عبر التصريحات المنفتحة للرئيس الإيراني الإصلاحي روحاني وفريقه.

وفاز المتشددون في انتخابات البرلمانية عام ٢٠٢٠، وأقر المجلس في كانون الأول من العام الماضي قانون “العمل” الذي يفرض على الحكومة منع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دخول المنشآت النووية الإيرانية ما لم توافق الولايات المتحدة على مطالب إيران، وقد دخل القانون حيز التنفيذ في الثالث والعشرين من شهر شباط الماضي. ومن المفترض إن تجري ايران انتخاباتها الرئاسية في شهر حزيران القادم لانتخابات رئيس يخلف حسن روحاني، حيث تشير التكهنات بإمكانية وصول رئيس متشدد، في ظل تراجع مكانة الإصلاحيين. ويشير ذلك إلى إمكانية توجه النظام الإيراني لمزيد من التشدد في ظل اتحاد مؤسسة الرئاسة والبرلمان على رفض استمرار القبول بالطريق الدبلوماسي والانفتاح على الاتفاق مع الولايات المتحدة.

تفتقد العلاقة بين إيران والولايات المتحدة للثقة، ومن غير المتوقع رضوخ إيران للضغوط والقبول بالتفاوض مجدداً حول الاتفاق النووي، كما أن الاعتبارات الداخلية في الولايات المتحدة لا تساعد على استعادة الاتفاق النووي الآن. جاء توجه إيران لضرب مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة واستخدام التوترات الإقليمية للضغط على البلدين لاستعادة ذلك الاتفاق. إن الانهيار التام للاتفاق النووي من شأنه أن يعرّض منطقة الشرق الأوسط لازمة حقيقية قد تصل إلى الحرب التي لا تريدها ولا تستطيع تحملها جميع الأطراف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى