د. سنية الحسيني: إلى متى سيبقى العالم متفرّجاً؟

د. سنية الحسيني 28-8-2025: إلى متى سيبقى العالم متفرّجاً؟
في حين صعدت قوات الاحتلال اقتحاماتها للمدن والقرى في الضفة الغربية خلال الأيام الماضية، لتطول رام الله والبيرة أيضاً، وكثّف المستوطنون هجماتهم واعتداءاتهم على المواطنين في مجمل أنحاء الضفة الغربية، ليرتفع مجمل عدد المصابين والمعتقلين اليومي، تتواصل جرائم الحرب والإبادة والتدمير في غزة. يأتي ذلك التصعيد في الضفة الغربية، دون وجود أي مبرر، يمكن أن يستخدمه الاحتلال كالعادة لتبرير أسباب ذلك التصعيد، خصوصاً وأن سكان الضفة الغربية عموماً يلتزمون بالهدوء، رغم ما يمر به أهلهم وإخوانهم في غزة، على مدار العامين الماضيين، وما مر به سكان شمال الضفة الغربية من هدم للبيوت والمخيمات وتهجير لأهلها، خصوصاً في مناطق جنين وطولكرم ونابلس.
وسجلت الأمم المتحدة خلال الفترة الحالية أعلى معدل من الإصابات في صفوف الفلسطينيين، خلال العامين الماضيين، على الرغم من تسجيل العامين الماضيين رقماً قياسياً في عدد الإصابات بين الفلسطينيين مقارنة بالعقدين الماضيين. وقرر الجيش إبقاء لواء المظليين ووحدات أخرى في الضفة، وعدم نقلها لغزة، بحجة «مخاوف جدية» من هجمات في الضفة خلال الشهرين القادمين، الأمر الذي ينبئ بتصاعد هجمات الاحتلال والاقتحامات والصدمات مع السكان العزل في الضفة.
من جانب آخر اتخذت الحكومة الإسرائيلية الأسبوع الماضي القرار بتنفيذ المشروع الاستيطاني المعروف بـ E1، والذي جمد على مدار أكثر من عقدين ونصف، تحت وطأة الرفض الدولي الأميركي الغربي. وبرر نتنياهو قرار حكومته بتنفيذ ذلك المشروع بأنه رد انتقامي على الدول الغربية التي أعلنت عن نواياها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية الشهر المقبل. واعتبر سموتريتش المشروع خطوة حاسمة «ترسخ سيطرة الشعب اليهودي على قلب إسرائيل»، كما اعتبر أن ذلك المشروع يعد خطوة «تمحو عن الطاولة الدولة الفلسطينية ليس بالشعارات، بل الأفعال».
ويحسم المشروع على الأرض مستقبل حل الدولتين، ووضع مدينة القدس، لصالح مخططات الاحتلال، والقضاء على مستقبل دولة فلسطينية متواصلة، لها عاصمة في مدينة القدس الشرقية. ويقوم المشروع على أساس بناء ٣٤٠٠ وحدة استيطانية بين مدينة القدس ومستوطنة معالي أدوميم ومستوطنات أخرى في الضفة، على أرض فلسطينية تتجاوز مساحتها أكثر من ١٢ ألف دونم. ويربط المشروع مدينة القدس بتلك المستوطنات، ويقطع الطريق الرئيس الواصل بين رام الله وبيت لحم، ويفصل عملياً التواصل بين مدن الضفة الغربية، خصوصاً بين رام الله والقدس وبيت لحم، أي بين جنوب الضفة الغربية عن وسطها وشمالها. ويواجه آلاف الفلسطينيين الذين يقيمون في المنطقة المستهدفة بإقامة المشروع خطر التهجير القسري. وكالعادة، أدانت الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ودول غربية مثل كندا وبريطانيا واليابان تنفيذ الاحتلال للمشروع، و٣١ دولة عربية وإسلامية، دون وجود قوة دولية حقيقية تردع إسرائيل عن تنفيذه.
لا يحتاج الاحتلال لمبرر، لينفذ مخططاته، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، فقد يستخدم الاحتلال مبررات، وقد يخلقها، وقد لا يحتاجها لتنفيذ مخططاته، كما كشفت الأحداث الماضية. لم تخف حكومة بنيامين نتنياهو الحالية توجهاتها تجاه الفلسطينيين والأراضي الفلسطينية، وذلك كما تكشف عنه الاتفاقيات الائتلافية بين حزب الليكود من جهة وحزبي الصهيونية الدينية وحزب «عوتسما يهوديت»، بقيادة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
وبينما تبنى نتنياهو حملة لضم مناطق واسعة في الضفة الغربية المحتلة في العام ٢٠٢٠، تمكن من تشكيل حكومته السادسة بالشراكة مع تيار الصهيونية الدينية المتطرف، بما يضمن ضم أراضٍ فلسطينية في الضفة وفرض «السيادة الإسرائيلية» عليها. جاء في نص الاتفاق الائتلافي بين الليكود وحزب الصهيونية الدينية أن لـ «شعب إسرائيل حقاً طبيعياً في أرض إسرائيل، على ضوء الإيمان بالحق المذكور، وسيقود رئيس الحكومة جهود صياغة سياسة بسط السيادة الإسرائيلية في يهودا والسامرة، والدفع بها، مع اختيار التوقيت، مع مراعاة المصالح القومية والدولية لدولة إسرائيل». ووفق ذلك الاتفاق، مُنِحَ سموتريتش صلاحيات واسعة، انطلاقاً من مسؤولياته عن «الإدارة المدنية» للاحتلال في الضفة. وحصل بن غفير، وفقًا لاتفاقه مع الليكود، على تسوية وتبييض جميع تلك البؤر لتصبح «قانونية»، بعد تشكيل لجنة وزارية لشؤون البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة المحتلة، وكان هناك توجه بالحصول على قرار يسمح بإعدام الفلسطينيين، في تحدٍ لجميع المعاهدات الدولية التي تتعلق بحقوق الإنسان. وتنتهك حقوق الإنسان في فلسطين بشكل ممنهج ومتواصل، وعلى مدار عقود، في ظل صمت دولي.
وتكمن المشكلة الحقيقية اليوم، بأن العالم يقف أمام جريمة احتلال واضحة منذ عقود، واستيلاء على أراض الغير بالقوة، وما يترتب على ذلك من سرقة للأراضي وتدمير للممتلكات وقتل، دون أي وجود رد فعل دولي واقعي، من قبل أقطاب وقوى المجتمع الدولي، التي تتحكم فعلياً بالقرارات العملية والتنفيذية للمنظمات الدولية. ويواصل المجتمع الدولي ممثلاً بأقطابه هذه الحالة السلبية المتواصلة، والتي سمحت لقوى الاحتلال في فلسطين، بإبادة السكان المدنيين في غزة، وهو ما نشهده اليوم، ومصادرة وضم أراضي الفلسطينيين في الضفة، وهو ما تشهده على مدار السنوات الماضية، ولا يزال مستمراً بوتيرة متصاعدة.
والسؤال المهم اليوم، هل تكفي اعترافات الدول الغربية بفلسطين، بينما يشهد الفلسطينيون جرائم متواصلة لا تقوّض فقط مستقبلهم السياسي، بل تسلبهم حياتهم وأمنهم واستقرارهم؟ والإجابة أن تلك المحاولات من قبل الدول بالاعتراف بفلسطين، أو بإدانة الإجراءات التي تقوم بها قوات الاحتلال في فلسطين، لم تعد كافية لرفع المسؤولية وتبييض الصفحة وحفظ ماء الوجه، فكما تحركت هذه القوى في قضايا دولية متعددة لردع المعتدي ونجحت، هي مطالبة اليوم لردع إسرائيل، فهذه لحظة امتحان تاريخي للعالم الذي يسمّي نفسه بالعالم الحر.