أقلام وأراء

د. سليمان جرادات: حركة فتح نهضة وطن بين الميدان والسياسة

د. سليمان جرادات 16-12-2025: حركة فتح نهضة وطن بين الميدان والسياسة

من رحم المعاناة خرجت الفكرة وولدت الإرادة، لتنهض حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح – كأول تعبير وطني مستقل عن الوعي الفلسطيني الرافض للغياب والانكسار، كانت انطلاقتها في الأول من يناير عام 1965 حدثًا مفصليا في التاريخ العربي المعاصر، إذ أعادت للشعب الفلسطيني مكانته كصاحب قضية، لا كرقم في معادلات الآخرين.

لم تكن حركة فتح مشروع حزب سياسي تقليدي، بل كانت ثورة شاملة جمعت بين البندقية والفكرة، بين الميدان والسياسة، بين الوطن والمنفى ، قادها رجال آمنوا بأن الحرية لا تمنح، بل تنتزع بدماء وصبر الأجيال حين قرروا أن يكتب التاريخ بيده بكافة الوسائل كضرورة لا كخيار عابر كشهادة ميلاد وهوية لا تختزل في المخيم ولا في الشعارات، بل في الفعل المستدام والمشروع الوطني المستقل الذي تمدد عبر الأجيال.

مع مرور عقود وسنوات، قادت فتح منظمة التحرير الفلسطينية لتصبح الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وباتت الحركة عنوانا للوحدة والحركة الوطنية والقرار الفلسطيني المستقل، في معارك ومحطات ومفصل من مفاصل فتح الحاضرة بروحها التنظيمية المرنة وقدرتها على التكيف مع الظروف المعقدة دون أن تفقد بوصلتها نحو الهدف المركزي الحرية والاستقلال.

مع تبدل ملامح الصراع وتزايد الحاجة إلى مخاطبة العالم بلغة السياسة والمؤسسات، واصلت حركة فتح مسارها نحو تأسيس مرحلة جديدة قوامها البناء المؤسسي. ولم يكن الانتقال من الفعل الميداني إلى العمل المؤسساتي تراجعًا عن الثوابت الوطنية، بل تطورًا طبيعيًا في أدوات النضال، يهدف إلى تمكين الشعب الفلسطيني من إدارة شؤونه على أرضه وتعزيز حضوره السياسي والقانوني.

في هذه المرحلة الحساسة من التاريخ الفلسطيني، برزت حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” بوصفها العمود الفقري للمشروع الوطني، وقوة الدفع المركزية لمسيرة النضال من الثورة إلى بناء الدولة. فقد جسدت “فتح” روح الواقعية الوطنية والسياسية، مؤمنة بأن الكفاح من أجل الحرية لا يقتصر على السلاح وحده، بل يمتد إلى بناء مؤسسات الدولة وترسيخ القرار الوطني المستقل.

واصلت الحركة دورها الريادي في الساحة السياسية والدبلوماسية، مدافعة عن الحقوق الوطنية في المحافل الدولية، وساعية إلى تعزيز الاعتراف بفلسطين كدولة ذات سيادة، كما أكدت أن السيادة تبنى بالقانون والشرعية كخيار وطني يعبر عن نضج التجربة الفلسطينية ووعيها السياسي.

ورغم ما واجهته “فتح” من تحديات داخلية وضغوط خارجية، بقيت الحركة الركيزة الثابتة للمشروع الوطني الفلسطيني، بما تملكه من تاريخ نضالي عريق وتجربة قيادية راسخة ، فهي التي فجرت الثورة، وبنت مؤسسات الكيان الفلسطيني، وقادت مسيرة التحرر في وجه العواصف والمؤامرات الإقليمية والدولية، مؤكدة دوماً على استقلالية القرار الوطني ووحدة التمثيل الفلسطيني.

وفي سياق تطورها المستمر، أدركت “فتح” أهمية تجديد دمائها وتعزيز التفاعل بين جيل الرواد وجيل الشباب، انطلاقًا من قناعتها بأن استمرارية مشروعها يتطلب تواصل الأجيال وتكامل الخبرات، فقد سعت وتسعى إلى تمكين الجيل الجديد من المشاركة في صنع القرار وتحمل المسؤولية الوطنية، مستفيدة من الطاقات الفكرية والتنظيمية، ومن وعيه بتحديات العصر ومتطلبات المرحلة.

إن هذا التفاعل الخلاق بين الجيل المؤسس الذي حمل شعلة الثورة، والجيل الصاعد الذي يحمل راية الدولة، يجسد رؤية “فتح” في الحفاظ على أصالتها النضالية وتجديد حيويتها التنظيمية ، فالحركة تدرك أن بقاؤها قوة فاعلة ومؤثرة في الساحة الفلسطينية مرهون بقدرتها على تجديد الدماء بالفكر القيادي وتطوير أدواتها السياسية والتنظيمية، بما يضمن استمرارها كإطار جامع ورافعة للمشروع الوطني الفلسطيني في الحاضر والمستقبل.

ورغم التحديات الكبيرة التي فرضها الانقسام الفلسطيني، تؤكد فتح أن الوحدة الوطنية ضرورة قصوى، وأن منظمة التحرير الفلسطينية تظل البيت الجامع لكل الفلسطينيين، والإطار الذي يحمي الشرعية ويمثل الهوية الوطنية ،  فالحركة تؤمن بأن تعزيز الوحدة والتماسك الداخلي هو السبيل لاستمرار المشروع الوطني، ومواجهة الضغوط الإقليمية والدولية، وضمان أن يظل الشعب الفلسطيني موحدًا في نضاله وحقوقه.

واليوم ومع اقتراب انطلاقتها ، وبعد أكثر من ستة عقود تظل فتح أكثر من مجرد منظمة سياسية؛ فهي جزء من مصير فلسطين ومسارها التاريخي من قيادة المؤسسين التاريخيين وتناوب القادة والأجيال الحالية، حملت الحركة على عاتقها مسؤولية مواجهة التحديات وتحقيق الإنجازات، مجسدة حكاية وطن يسعى إلى الحرية والكرامة منذ الرصاصة الأولى وحتى صوت الدولة في المحافل الدولية والاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية ، ستبقى تمثل قاطرة وذاكرة نضالية للشعب الفلسطيني والبوابة التي عبر منها نحو الاعتراف الدولي والهوية السياسية، مؤمنة انها لا تتوقف بل تستمر في بناء مؤسسات الدولة، وصون حقوق الأجيال القادمة بمختلف مكوناته وتياراته السياسية، محافظة على روح ارثها وحيويتها في كل مرحلة بالرغم ما تتعرض له تحديات داخلية وخارجية.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى