منوعات

د. سليمان جرادات: الشباب الفلسطيني والمجالس المحلية: خطوة إلى الأمام في تجديد الحياة الديمقراطية

د. سليمان جرادات 15-12-2025: الشباب الفلسطيني والمجالس المحلية: خطوة إلى الأمام في تجديد الحياة الديمقراطية

في زمنٍ تتعاظم فيه التحديات السياسية والاقتصادية، يبرز الشباب الفلسطيني بوصفه القوة الأقدر على تجديد الحياة العامة وبث روح الأمل في مؤسسات أنهكها الجمود ، وتشكل المجالس المحلية المساحة الأقرب التي يمكن من خلالها ترجمة هذا الدور عمليا، لما تمثله من صلة مباشرة بين المواطن واحتياجاته اليومية ، ولدورها المحوري في تعزيز صمود المجتمع الفلسطيني في وجه الاحتلال.

إن التوجه الرسمي، بدعم من الرئيس الفلسطيني، نحو خفض سن المشاركة والترشح في المجالس المحلية ، يحمل دلالات سياسية عميقة ، ويعكس قناعة متزايدة بأن مستقبل الحكم المحلي لا يمكن أن يبنى دون إشراك الشباب، باعتبارهم الفئة الأكثر تضررًا من السياسات القائمة ، والأكثر قدرة على تقديم حلول جديدة ومبتكرة.

مشاركة الشباب في الاستحقاق الديمقراطي المحلي سواء عبر التصويت ، أو الترشح، أو العمل في الحملات الانتخابية والرقابة المجتمعية تسهم في كسر حالة العزوف السياسي ، وتجديد الثقة بالعملية الديمقراطية ، خاصة في ظل تعثر الانتخابات العامة لأسباب سياسية ووطنية ،  فالمجالس المحلية ليست مجرد مؤسسات خدمية ، بل أدوات تنموية ووطنية تعالج قضايا تمس حياة الشباب المجتمع بشكل عام والشباب بشكل مباشر، مثل التخطيط العمراني، والخدمات الأساسية، وحماية الأرض والموارد   وفرص العمل .

 أن دعم ومساندة  دخول الشباب إلى المجالس المحلية يفتح الباب أمام خطاب بلدي جديد يقوم على تجاوز الفئوية والشلالية ونظام الحارات الضيق والعشائرية ، باتجاه رؤية جامعة تخدم المصلحة العامة. فالشباب، بحكم وعيهم المعرفي والرقمي، يمتلكون قدرة على إدارة العمل البلدي وفق القوانين والأنظمة الناظمة، وفهم الموازنات العامة، وآليات العطاءات، بما يعزز النزاهة والشفافية، ويحد من المحسوبية وسوء الإدارة.

وفي السياق الفلسطيني، تكتسب هذه المشاركة بعدًا وطنيًا خاصًا، إذ تتحول المجالس المحلية إلى أدوات لتعزيز الصمود في ظل ما تتعرض له الأراضي الفلسطينية عامة من انتهاكات وإجراءات وسياسات الضم والتوسع والاستيطان والتهجير ، والدفاع عن حق المواطنين في البقاء على أرضهم. ويبرز هنا دور الشباب في الربط بين العمل الخدمي اليومي والمشروع الوطني العام، وتحويل الإدارة المحلية إلى ساحة مقاومة  قائمة على التخطيط الواعي وحماية المصلحة العامة.

كما يتيح انخراط الشباب في المجالس المحلية فتح آفاق جديدة للتواصل مع العالم الخارجي، وبناء شراكات مع مؤسسات دولية وبلديات شقيقة، واستقطاب الدعم الفني والتمويلي، بما يخدم المصالح العليا للمجتمع المحلي، ويعزز قدرته على الصمود والتنمية رغم بعض القيود المفروضة التي تحتاج الى حذر بالتعامل معها.

غير أن نجاح هذا التوجه لا يتحقق بالقرار وحده، بل يتطلب بيئة داعمة تضمن مشاركة حقيقية لا شكلية، من خلال تعزيز الثقافة الناظمة للانتخابات المحلية بكل تجلياتها وتفصيلاتها ، وتمكين الشباب من الجنسين داخل القوائم الانتخابية مع ضرورة توفير برامج تدريب وتأهيل تُكسبهم المهارات الإدارية والقيادية اللازمة ، كما تقع على عاتق الأحزاب والمؤسسات الرسمية والمجتمع المدني مسؤولية فتح المجال أمام الكفاءات الشابة، ومنحها الثقة والمساحة اللازمة للمبادرة وتحمل المسؤولية.

ختامًا، فأن الانتخابات المحلية سشكل خطوة متقدمة نحو تجديد الحكم المحلي، ورسالة سياسية واضحة مفادها أن الشباب الفلسطيني ليسوا هامشًا في المشهد العام ، بل شركاء في صنع القرار وتحمل المسؤولية ، وإذا ما أُحسن استثمار هذه الخطوة ، فإنها قد تمثل بداية حقيقية لمسار ديمقراطي أكثر حيوية ، ومجالس محلية أكثر كفاءة وقربًا من الناس، ومستقبل فلسطيني تصاغ ملامحه بسواعد شبابه ، على أسس المعرفة ، والشفافية ،  وخدمة المصلحة العامة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى