#إصدارات المركزشؤون فلسطينية

د. سعيد البيشاوي – دراسة مقارنة بين الاستيطان الصليبي والصهيوني

د. سعيد عبدالله البيشاوي ٢٤-٢-٢٠٢٢م
تتناول هذه الدراسة التجربة الاستيطانية الفرنجية الصليبية على أرض فلسطين والصهيوني فضلا عن اهتمام الباحثين العرب بهذا الموضوع وتركيزهم على دراسته من خلال ابراز اوجه التشابه بين الحركتين الصليبية والصهيونية ، ومن هؤلاء سعيد عبد الفتاح عاشور الذي وضع كتاب ” الحركة الصليبية ” في مجلدين ، وقاسم الذي نشر عدة كتب في تاريخ الحروب الصليبية منها ” كتاب رؤية اسرائيلية للحروب الصليبية ” وكتاب ” الخلفية الايديولوجية للحروب الصليبية ” وكتاب ” ماهية الحروب الصليبية ” والى جانب هؤلاء هناك حسن حبشي الذي وضع وترجم مؤلفات عديدة عن الحروب الصليبية ، وسهيل زكار ومصطفى الحياري ، ومحمد مرسي الشيخ ، ومحمود سعيد عمران ، وحسن عبد الوهاب ، وحسين عطية وغيرهم .
     وليس من الشك في ان الجماعات الصهيونية التي تفرض سيطرتها على فلسطين بقوة السلاح تدرك ادراكا تاما تشابه عملية اغتصابها لفلسطين مع عملية الاغتصاب الصليبي للمنطقة قبل تسعة قرون ، وكانت هذه الجماعات تدرك هذا التشابه وتفهمه وتعالجه جديا في المنظور العلمي كتجربة رائدة ، كما انها تدرس الموقف في المشرق العربي الاسلامي وتحلل عناصره لتتفادى نهاية كنهاية حطين ، والى جانب ذلك نجد فرقا كاملة في الجامعة العبرية تعكف على دراسة التجربة الصليبية ، وعلى رأس هذه المجموعة يوشع بروار الذي وضع عدة كتب في هذا المجال منها : كتاب تاريخ المملكة اللاتينية في بيت المقدس وكتاب ” المؤسسات الصليبية ” وكتاب ” عالم الصليبيين ” فضلا عن عدة مقالات اهمها :” الاستيطان الصليبي في بيت المقدس ” ، وقد عمل يوشع براور على تدريب الكوادر المتتالية من مؤرخي اسرائيل المختصين بالدراسات الصليبية ومن بين هؤلاء ميرون بنفستي ( اول من تولى ادارة الشؤون العربية في القدس بعد نكبة 1967 م ) وبنيامين كيدار ، وصوفيا مناش ( المحاضرة في جامعة حيفا ) وسلفيا سكين ، ويائيل كاتزير ، وارنولد سباير وغيرهم . وعلاوة على ذلك يستعين الصهاينة بالمؤرخين اليهود في الجامعات الغربية ولهم مراكز بحث ومستشارون في جامعة باريس وعلى رأس هؤلاء المؤرخ اليهودي كلود كاهن ، وفي الجامعات الامريكية لهم مستشارون ايضا : امثال اشتور ، وشتراوس ، وبرونشفيك ، وكيستر ، وايالون ، وغويتاين .
ومهما يكن من امر فان محور الحديث في هذه الدراسة سيدور حول نقطتين رئيستين هما : طبيعة الاستيطان الصليبي والصهيوني ثم اوجه التشابه والاختلاف بينهما . ولفهم النقطة الاولى لا بد من دراسة مجموعة من العناصر المتشابكة التي تسهم اسهاما تاما في انجاح عملية الاستيطان . وتتمثل هذه العناصر في مجموعة قوى هي : العسكرية ، الاقتصادية ، والمالية وتوافر العنصر البشري ، وكذلك الارض التي يستقر عليها هذا العنصر فضلا عن طرد السكان الاصليين ، وجميع هذه العناصر تحتاج الى الدعم والمساندة من قبل عوامل سياسية قوية .
اما بخصوص القوة العسكرية فتعتبر ضرورية ، لفرض السيطرة ، واقامة المستوطنات ، وحماية المستوطنين وبدون هذه القوة لا يمكن ان تتوافر عنا الاستيطان الاخرى ، وان توافرت فانها معرضة للزوال ، هذا اذا لم تتح لها فرصة الحماية ، والى جانب ذلك فان القوة العسكرية تعتبر ضرورية من اجل طرد سكان البلاد الاصليين ، وذلك بممارسة اساليب القتل والتشريد والسلب والنهب …. الخ ، واذا ما امتلك المستعمرون الارض وطردوا سكانها فانهم يبدأون باستقطاب عنصرهم البشري من اجل القدوم والاستقرار في البلاد التي خضعت لسيطرتهم ، وكان المستعمرون يلجأون الى كافة الاساليب والوسائل التي تشجع مواطنيهم ، وكان الاغراءات المادية والامتيازات من اهم الحوافز التي كانت تدفع المستوطنين لترك بلادهم الاصلية والقدوم الى البلاد الخاضعة لسلطانهم . 
     وقد اعتمد الاستيطان الصليبي على القوة العسكرية في امتلاك الارض في مختلف المناطق سواء الساحلية او الجبلية او الصحراوية ، واسهمت القوة الصليبية في اقامة المستوطنات الصليبية واستخدمت في ذلك عدة اساليب منها قتل اعداد كبيرة من سكان البلاد الاصليين الى جانب تشريد اعداد لا بأس بها من سكان هذه البلاد ومما يؤكد هذا ما حدث لسكان بيت المقدس عشية استيلاء الفرنجة الصليبيين على المدينة في يوم الجمعة الموافق الخامس عشر من تموز سنة 1099م الثالث و العشرين من شعبان سنة 492 هـ وقد اقترفوا مذبحة رهيبة مروعة ذهب ضحيتها سكان المدينة المقدسة ، اذ انهم قتلوا من وجوده بها من السكان المسلمين واليهود ، وفي ذلك يقول ابن الاثير : ” وركب الناس السيف ، ولبث الفرنج في البلدة اسبوعا يقتلون فيه المسلمين واضحت المدينة المقدسة بسبب سلوك الصليبيين الهمجي خاوية من السكان ، وفي مقابل ذلك لم تكن اعداد الصليبيين تكفي لملء شارع واحد من شوارع المدينة المقدسة حسب قول المؤرخ الصليبي وليم الصوري وقد سارع الصليبيون بعد ان خفت شهوة القتل في نفوسهم الى وضع اياديهم على منازل بيت المقدس الذين حصدتهم المذبحة الرهيبة ، كما تم نقل المسيحيين الشرقيين من المناطق الواقعة فيا وراء الاردن الى مدينة بيت المقدس على يد الملك بلدوين الاول * من اجل تعويض النقص الحاد في عدد السكان الذي تعانيه المدينة المقدسة واقام الملك بلدوين الاول باستقبال المسيحين الشرقيين مع زوجاتهم واطفالهم ومنحهم اجزاء من المدينة المقدسة ووفر لهم المساكن للاقامة بها وذلك لان المدينة المقدسة كانت بحاجة الى سكان يملأون فراغها الموحش ولعل هذا الامر ينطبق على معظم المدن التي استولى عليها الصليبيون وقد ادرك المؤرخ الصليبي فوشيه الشارتري * اهمية العنصر البشري في عملية الاستيطان واعتبره عنصرا رئيسيا لعمليات التوطين الصليبي في الاراضي المقدسة اذ قال :” وفي بداية حكم بلدوين كان يمتلك مدنا قليلة ويحكم شعبا صغيرا وكرر القول نفسه في مكان اخر من كتابه ولهذا السبب بقيت ارض بيت المقدس فقيرة في السكان ولم يكن هناك من الناس ما يكفي للدفاع عنها ضد المسلمين اذا فكروا في الهجوم علينا وليس من شك في ان حديث فوشيه الشارتري يشير الى اهمية العناصر سالفة الذكر في عملية الاستيطان .
وتجدر الاشارة إلى أن أخبار النجاح الذي حققته الحملة الفرنجية الصليبية الأولى ” حملت الأمراء ” قد شجعت عناصر اوروبية جديدة من المغانم والمكاسب التي شاعت اخبارها في الغرب الاوروبي مع العائدين من فلسطين .
وعلى الرغم من قيام الامراء الصليبيين بتشجيع الهجرة من اوروبا الى الاراضي المقدسة الا ان الاغلبية الكبرى من الفلاحين بقيت متمسكة بحقوقها وقراها وبعد فترة من العداء الصامت تجاه الصليبيين تمثلت في رفض الفلاحين زراعة ارضهم حتى لا يفيد الصليبيون منها حدث نوع من التعايش الاجباري بين الطرفين ويبدو ان الصليبيين لم يضعوا في اعتبارهم عملية الاستيطان والاقامة الدائمة في الاراضي المقدسة منذ بداية خروجهم من بلادهم فقد كان خروجهم من بلادهم وزحفهم نحو بلاد الشرق تحركه عدة دوافع منها الدافع الاقتصادي والسياسي و الاجتماعي … الخ 
ومن المؤكد ان فكرة الاستيطان من الاراضي المقدسة قد برزت بعد استيلاء الصليبيين على فلسطين بفترة وجيزة وقد جرى تنفيذها على مختلف المستويات سواء من قبل ملوك بيت المقدس او الامراء الاقطاعيين او رجال الدين اللاتين او الجاليات التجارية الايطالية او جماعات الفرسان الرهبان وقد اثبتت المناطق الجبلية المعزولة جغرافيا انها ذات اهمية كبيرة لعنصر السكان سواء سكان البلاد الاصليين او المستوطنين فهي توفر الامن والحماية الكافية لسكانها اثناء الحروب على الرغم من ان ظروفها الانتاجية كانت غير مناسبة وكانت هذه المناطق بمثابة الملاذ الامن للفلاحين الفلسطينيين وقد ادرك الصليبيون اهمية هذه المناطق ذات المواقع الهامة و الممتازة وقاموا بانشاء كثير من المستوطنات و القلاع في تلك المناطق من اجل توفير عنصر الامن والحماية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى