أقلام وأراء

د. رمزي عودة يكتب – نتنياهو في مأزق السياسة الأميركية متعددة الأطراف

دكتور رمزي عودة* – 19/12/2020

لم يكن مفاجئا أن تتصدر مقال دانيال كيرتزر وآرون ديفيد ميللر الموقع الافتراضي لمعهد كارنيجي في الولايات المتحدة هذا الأسبوع، والكاتبان باحثان كبيران في المعهد، ولهما خبرة دبلوماسية رفيعة في منطقة الشرق الأوسط.

وتدعو المقال المعنونة بـ “تعددية الأطراف والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط” إدارة بايدن الجديدة الى اتخاذ سياسات معاكسة، بل ومتناقضة، لسياسات ترامب التي أخفقت في تغيير الشرق الأوسط على حد تعبير المقال.

ويعتبر الكاتبان بأن قدرة الولايات المتحدة منفردة على الحفاظ على مصالحها الحيوية والأمنية في منطقة معقدة مثل منطقة الشرق الأوسط محدودة جدا. وأنه تبعا لذلك، فان على إدارة بايدن أن تستخدم السياسات متعددة الأطراف لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط.

وتقوم هذه السياسات أساسا على تجميع الدول الرئيسة في المنطقة وإقناعها بضرورة العمل المشترك من أجل تجاوز العقبات التي تعترض مصالحها. ووفقا لهذه الرؤية، ينحصر دور الولايات المتحدة بتشجيع التفاوض المتعدد وتوجيه هذا الحوار من أجل حل مشاكل الشرق الأوسط. وحسب المقال، فإن هذه السياسة المتعددة لا يمكن لها أن تنجح دون إشراك روسيا وأوروبا ودول الشرق الأوسط الأساسية بما فيها إسرائيل والدول العربية.

واللافت في هذه الإستراتيجية القديمة الجديدة هي افتراضها بعدم جدوى فرض الحلول المؤقتة والسريعة على الأطراف، كما أنها إستراتيجية مرنة وتفترض قبول الأطراف والتفاوض الجمعي بدون شروط أو قيود، وانما بتوجيه من الإدارة الأميركية وبتعاون مع القوى الكبرى.

وفي الواقع، فإن هذه السياسة الأميركية التي تم تضمينها في المقال لا تختلف كثيرا عن مبادرة القيادة الفلسطينية التي أطلقها الرئيس محمود عباس منذ أكثر من عامين. وتتضمن المبادرة الدعوة الى عقد مؤتمر دولي لحل مشكلة القضية الفلسطينية دون انفراد في الرعاية من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وبمشاركة القوى الكبرى دوليا وإقليميا.

ولأول مرة أستشعر من قراءة هذه المقال بأن هنالك تأييدا صريحا أميركيا لمبادرة القيادة الفلسطينية عن المؤتمر الدولي، وذلك اعتبارا لأهمية الكاتبين سياسيا وعلميا، ولأهمية معهد كارنيجي في رسم السياسة الخارجية الأميركية؛ لا سيما للإدارات الديمقراطية.

والفكرة من هذه المقال ليست دعما لمبادرة القيادة الفلسطينية بقدر ما هي وصفة مرنة وأقل كلفة لتحقيق والحفاظ على المصالح الحيوية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. كما أنها دعوة صريحة الى أهمية ترميم العلاقات الأميركية العربية في منطقة لم تفلح إدارة ترامب السابقة في علاج مشاكلها المستعصية مثل القضية الفلسطينية واليمن وسوريا وليبيا وغيرها.

وفي السياق، فإن الحجج التي تضمنها المقال لتبرير دعوته ترتبط أساسا بأهمية السياسات تعددية الأطراف في تقليل التوترات الثنائية والإقليمية، كما أنها ترتبط بخبرة الولايات المتحدة في إدارة مثل هذه السياسات في السابق؛ سواء في أوروبا أو في منطقة الشرق الأوسط كما حدث سابقا في مؤتمر مدريد، اضافة الى ذلك، فان مثل هذه السياسات المتعددة الأطراف تكون أقل تكلفة في فترة ستركز فيها إدارة بايدن الجديدة على ترشيد النفقات والتركيز على التعافي من الآثار الكارثية لانتشار جائحة كورونا على الاقتصاد الأميركي. وأخيرا، فإن قضايا الأمن والتعاون البيئي والطاقة والتكنولوجيا كلها قضايا أقرب الى المفاوضات متعددة الأطراف وليس الى المفاوضات الثنائية.

من الصعب التكهن بالنهج الذي ستستخدمه إدارة بايدن في إدارة مفاوضات الشرق الأوسط، ولكن يبدو أنها تتجه الى المفاوضات التعددية، حيث تتشابك مصالح الدول الإقليمية وتتعارض في نفس الوقت في مساحات متباينة المستويات من النزاع كفلسطين وسوريا والعراق، كما أنه لا يمكن تغييب الدور الروسي عن أي حل في المنطقة، فروسيا دولة كبرى لها مصالح مهمة في إيران وسوريا لايمكن تجاهلها. إضافة الى ذلك، فإن حل الأزمات في سوريا واليمن وفلسطين لا يمكن أن يتجاوز الدور الإيراني في المنطقة. وبالمحصلة، فإن على إدارة بايدن أن تستمع باهتمام الى نصيحة كيرتزر وميللر بأنها وحدها لا يمكن أن تعيد المنطقة الى حالة الاستقرار، فعليها إذن أن تتعاون مع الجميع.

وفي السياق ذاته، فإن على القيادة الفلسطينية أن تعزز النهج التعددي للسياسة الأميركية المرتقبة في المنطقة وذلك لعدة أسباب أهمها؛ تخفيف الضغوط الأميركية عليها، وتعزيز المحاور العربية الموالية للفلسطينيين، وتضييق الخناق على الحكومة الاسرائيلية اليمينية في أي عملية تفاوضية مقبلة.

ويبدو أن فريق إدارة بايدن “الأوبامي النزعة” الذي له خبرة طويلة في التعامل مع دهاء رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وتنكره للسلام، سيكون أكثر استعدادا من أي وقت مضى في هذا الظرف ليس فقط لادارة عملية تعددية للسلام، وإنما أيضا لممارسة الضغوط على إسرائيل من أجل تنحية نتنياهو أو على الأقل إسقاط الشرعية الأميركية لحكومته، باعتباره لم يكن سابقا ولن يكون شريكا نزيها  للسلام.

* مدير وحدة الابحاث في معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى