أقلام وأراء

د. رمزي عودة يكتب – لا انتخابات دون القدس

د. رمزي عودة * – 15/4/20021

مسألة القدس تعود الى الواجهة السياسية مرة أخرى، بعدما أصرت حكومة الاحتلال الاسرائيلي على التنكر لالتزاماتها الدولية والاتفاقات التي وقعت مع الجانب الفلسطيني؛ بما فيها اتفاق أوسلو 2 عام 1995، الذي يقضي بإجراء الانتخابات في مدينة القدس المحتلة عبر صناديق البريد. في هذا الإطار، قال وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ في تغريدة له عبر حسابه في “تويتر” في فبراير الماضي “خاطبنا الحكومة الإسرائيلية رسمياً بموضوع مشاركة المقدسيين ترشحاً وانتخاباً، وتلقينا رداً إسرائيلياً على مطالبتنا بأنهم لن يعطوا جوابا قبل الانتخابات الاسرائيلية”. وللأسف، فإن إسرائيل التي تسعى للمماطلة وإرجاء الرد على هذا الطلب الفلسطيني تستمر في حججها غير المقبولة؛ ليس فقط بسبب الخارطة السياسية اليمينية التي ما زالت مهيمنة على الكنيست الاسرائيلية للمرة الرابعة خلال العامين المنصرمين، وإنما أيضاً بسبب حجج واهية أخرى مثل انتشار كورونا؛ كما ورد في صحيفة “معاريف الإسرائيلية” التي نقلت خبراً مفاده رفض الحكومة الإسرائيلية لوجود مراقبين أوروبيين للإشراف على الانتخابات الفلسطينية التي ستجري في 22 أيار القادم بسبب مخاوف انتشار الوباء!

في الواقع، تخشى الحكومة اليمينية الإسرائيلية في سماحها للفلسطينيين بإجراء الانتخابات في القدس أن تفقد ورقة “القدس الموحدة عاصمة للدولة العبرية”، وهي الورقة التي تغنى بها “نتنياهو” باعتباره موجدها، بالتعاون وبالدعم من قبل حليفه الرئيس الأميركي السابق “ترامب”، صاحب ما يسمى بصفقة القرن. ومن هنا، نجد نتنياهو يماطل في رده بخصوص السماح بعقد الانتخابات في القدس من جهة، ومن جهة أخرى، لا يريد أن يعلن موقفه الصريح الممانع هذا حتى لا يتحمل مسؤولية عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية العامة أمام حلفائه الأوروبيين والأميركيين. وفي المساحة بين هاتين الجهتين، تسعى الحكومة الإسرائيلية بصمت بالاستمرار في سياسة التهويد وهدم بيوت المقدسيين، ومنع عقد أي تجمعات أو مظاهر انتخابية في المدينة المقدسة، باعتبارها جميعها مخالفة صريحة للقانون الدولي سوف تحاسب إسرائيل عليها على حد تعبير الدكتور محمد اشتية رئيس الوزراء الفلسطيني. ومن جانب آخر، تقوم أجهزة الأمن الداخلية فيها بتهديد المقدسيين بعدم الترشح أو التصويت في الانتخابات، كما تقوم باعتقال العديد من النشطاء المقدسيين والمرشحين، وتستمر في إغلاق مكاتب الهيئات العامة الفلسطينية داخل المدينة. وفي كل هذه الإجراءات، تحاول إسرائيل أن توصل رسالة الى الفلسطينيين بمنع إجراء الانتخابات في القدس. ولم يقتصر الأمر على الرسائل غير المباشرة، وانما وحسب ما أورده الشيخ، فإن إسرائيل من خلال رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” نداف أرغمان حاولت الضغط على الأخ الرئيس محمود عباس، لإلغاء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة هذا العام، والرئيس أبو مازن الذي أسقط صفقة القرن برفضه الأسطوري، أصر على عقد الانتخابات مرة أخرى مؤكداً على رفض إجرائها دون القدس.

في الحقيقة، تصر القيادة الفلسطينية على موقفها الرافض لإجراء الانتخابات دون القدس، وقد أكدت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في اجتماعها الطارئ في مقر حركة فتح الإثنين الماضي على هذا الموقف الثابت في بيانها الختامي للاجتماع. وصرح محمود العالول نائب رئيس حركة فتح بأنه “لا يمكن لأي فلسطيني جعل القدس خلف ظهره في الانتخابات الفلسطينية” وشدد واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية في المنظمة على أن “جميع الفصائل تؤكد على أنه لا انتخابات دون مشاركة الفلسطينيين في القدس بالعملية الديمقراطية ترشحاً وتصويتاً، وأي مساس بالعملية الانتخابية في المدينة يعني تعطيل الانتخابات”.

ويأتي موقف الفصائل الوطنية برفض إجراء الانتخابات دون القدس انطلاقاً من منظومة الثوابت الوطنية الفلسطينية التي تعتبر مدينة القدس جزءاً من الأراضي الفلسطينية التي أحتلت من قبل إسرائيل عام 1967 وتنطبق عليها قرارات الشرعية الدولية؛ وأهمها قرار 242، وبالضرورة، فالانتخابات في القدس ليست قضية فنية أو تكتيكية، وإنما هي قضية سياسية في جوهرها، باعتبار التهاون في موضوعة إجراء الانتخابات في القدس يعني التماشي مع إرادة الاحتلال بتهويد المدنية، وإخراجها من على “طاولة المفاوضات” كما تفترض صفقة القرن، وهو الأمر الذي تسعى إسرائيل جاهدةً لاختبار الإرداة الفلسطينية حوله. وفي النتيجة، فإنه من خلال الموقف الفلسطيني الثابت والواضح حول هذه القضية، فإن رسالة الفلسطينيين لإسرائيل وللعالم أيضاً تختزل في عبارة صريحة وهي “لا انتخابات دون القدس”. وهذه العبارة تشير أولاً الى أهمية القدس في الهوية الفلسطينية النضالية باعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية، كما أنها تشير ثانياً الى ضرورة قيام العالم كله بمسؤولياته القانونية والسياسية بالضغط على حكومة الاحتلال بالسماح للفلسطينيين بإجراء الانتخابات في مدينية القدس المحتلة. وأنه اذا لم تتم الانتخابات العامة الفلسطينية بسبب القدس، فإن إسرائيل وحدها هي التي تتحمل هذه المسؤولية، وعلى المنظومة الدولية بكل مكوناتها أن تحمل حكومة الاحتلال المسؤولية تجاه هذا الأمر. وبالضرورة، فإن معركة الانتخابات في القدس ستكون حتماً استكمالاً لمعركتنا ضد صفقة القرن، واستمراراً لمعركتنا ضد الاحتلال الإسرائيلي في سبيل تحقيق الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

* مدير وحدة الأبحاث في معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى