أقلام وأراء

د. رمزي عودة يكتب – إسرائيل ستهزّ قارب الانتخابات الفلسطينيّة بقوّة

د. رمزي عودة* – 27/2/2021

يبدو أن إسرائيل الآن قلقة أكثر من أي وقت مضى من تزايد احتمال نجاح الفلسطينيين بعقد انتخاباتهم التشريعية التي تعطلت مدة تزيد عن 14 عاما. ويظهر هذا القلق جليا بتصريحات الساسة ومراكز الإعلام والبحث الإسرائيلية بشأن الانتخابات الفلسطينية، فقد نشر موقع “ميدل إيست آي (Middle East Eye) البريطاني” مقالا يرى فيه كاتبه الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان “أن أجهزة الأمن الإسرائيلية لا ترغب في أن تجري الانتخابات الفلسطينية التي أعلن عنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إذ لا تريد تغيير الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية، وليست لديها إجراءات تُذكر للتأثير على الانتخابات المرتقبة”، وفي نفس السياق، فقد دعا مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في تقرير خاص عن الانتخابات الفلسطينية، صناع القرار في إسرائيل إلى محاولة فهم الدوافع الحقيقية حول إصدار المرسوم الرئاسي المتلعق بالانتخابات، وفهم تداعيات هذا القرار على الأمن القومي الإسرائيلي.

وتعود دوافع قلق وتخوف حكومة الاحتلال من إجراء الانتخابات الفلسطينية إلى عدة أسباب، أهمها:

أولا- إن الانتخابات الفلسطينية قد تكون خطوة في الطريق الصحيح لإنهاء الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو الأمر الذي لا يتماشى مع مصالح دولة الاحتلال التي ترى في الانقسام حالة تُكرس احتلالها للأراضي الفلسطينية.

ثانيا- إن الانتخابات الفلسطينية ستعزز من قوة حركة فتح في الشارع الفلسطيني؛ فمن خلال تعزيز شرعية قياداتها وضخ الوجوه الشابة الجديدة في صفوفها، فإن حركة فتح باعتبارها صاحبة المشروع الوطني، ستكون أكثر قدرة على مقاومة المشروع الصهيوني في فلسطين.

ثالثا- إن الانتخابات العامة ستعزز مكانة وحضور السلطة الوطنية الفلسطينية وطنيا وإقليميا ودوليا، خاصة أن هذه السلطة عند إجرائها للانتخابات ستكون أكثر قربا من المعايير الدولية للحوكمة والديمقراطية، وهو الأمر الذي سيجعلها أكثر قدرة على التحرك الدبلوماسي والقانوني الإقليمي والدولي ضد استمرار الاحتلال، كما أن هذه الانتخابات ستعزز قبول الدول الغربية والمنظمات الدولية للمطالب الفلسطينية المتضمنة في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة انسجاما مع قرارات الشرعية الدولية.

رابعا- إن إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية، ومشاركة المقدسيين فيها، سيكون بمثابة رسالة واضحة للعالم أجمع، تؤكد على رمزية القدس ومكانتها الدينية والسياسية بالنسبة للفلسطينيين، باعتبارها عاصمة الدولة الفلسطينية. وباعتبار أن المقدسيين يؤكدون في تصويتهم، على هويتهم العربية الفلسطينية ويرفضون كل إجراءات التهويد والضم لمدينتهم. وعلى هذا، تحاول إسرائيل جاهدة منع المقدسيين الذين يزيد عددهم عن 370 ألف فلسطيني من المشاركة في هذه الانتخابات تصويتا وترشيحا. وتتنكر لاتفاق أوسلو 2 عام 1995 الذي أكد حق المقدسيين في التصويت من خلال مراكز البريد في المدينة. وفي هذا الاتجاه، لم تجب حكومة الاحتلال الى الآن على طلب القيادة الفلسطينية حول إجراء الانتخابات بالقدس، وعلى حد تعبير الدكتور المقدسي وليد سالم، فإن “إسرائيل ردت على هذا الطلب بالامتناع عن الرد”.

خامسا- إن الانتخابات الفلسطينية العامة ستسمح للفلسطينيين بتجاوز اتفاق أوسلو رغما عن إسرائيل، لأن هذه الانتخابات ستتضمن إعادة إنتاج مجلس وطني فلسطيني يضم مختلف القوى الفلسطينية، لا سيما أن المرسوم بقانون الذي أصدره السيد الرئيس محمود عباس وحوارات القاهرة التي تلت هذا المرسوم أكدت جميعها على عدم اشتراط الالتزام باتفاق أوسلو في عضوية المجلس الوطني، وهو الأمر الذي أثار حفيظة إسرائيل التي اعتبرت أن القيادة الفلسطينية قصدت من وراء هذا التعديل تجاوز أوسلو، لا سيما أن السيد الرئيس محمود عباس قد أشار في أكثر من خطاب له بأن أوسلو قد انتهت بفعل التنكر الإسرائيلي لاشتراطات هذا الاتفاق، وبفعل إصرار الفلسطينيين على استقلال دولتهم وعاصمتها القدس.

من التحليل السابق، نستنتج بأن اسرائيل لا تنظر بعين الرضا لإجراء الانتخابات الفلسطينية، وهي ستقوم كما هو متوقع بوضع العديد من العراقيل لمنع إجراء الانتخابات لاسيما في القدس، ومن هذه العراقيل المتوقعة إغلاق المناطق وقت الانتخابات ومنع التنقل للناخبين، ومنع المقدسيين من التوجه إلى مكاتب البريد للاقتراع، إضافة الى أعمال الاعتقال والتنكيل، وربما تعطيل الشبكة العنكبوتية أو اختراقها أثناء عملية الانتخابات الفلسطينية. وبالرغم من وجود هذه العراقيل يصر الفلسطينيون على إجراء الانتخابات العامة، وقد أشار السيد الرئيس في أكثر من موقع بأن هذه الانتخابات ستكون مصيرية وستؤسس لمرحلةٍ جديدةٍ من مراحل النظام السياسي الفلسطيني، كما أكد مرارا على إصرار القيادة على إجراء الانتخابات في القدس. وعلى تعزيز ترشيح المقدسيين في القوائم الانتخابية للأحزاب المختلفة، وهو الأمر الذي أكد عليه المجتمعون في القاهرة الشهر الجاري.

وبالنظر الى أن إسرائيل لا تستطيع منع إجراء الانتخابات الفلسطينية لعدة أسباب أهمها أنها لا تريد أن تظهر للعالم وخاصة للإدارة الأميركية الديمقراطية الجديدة بأنها الدولة التي تتغنى بالديمقراطية، في الوقت الذي تعيق فيه العملية الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلافا لاتفاق أوسلو.

ونخلص من هذا الجدلية بأن مقاربة إسرائيل تجاه الانتخابات الفلسطينية المقبلة تقوم على فكرة  قريبة مما كتبه الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان، وهي “لماذا نهز القارب بقوة؟”، وأشير هنا الى أن اسرائيل جزما تخشى من نتائج الانتخابات الفلسطينية، ولكنها لن تجازف حتما بمنعها، وأقصى ما يمكن أن تعمد إليه هو أن تقوم بوضع “الأمواج الهائجة أمام قارب الانتخابات الفلسطينية”، وذلك بهدف تصعيب الأمر على الفلسطينيين، وزرع بذور الفتنة والانقسام، وتفريغ العملية الانتخابية من مضمونها المقاوم لها. بالمقابل، فإن على الفلسطينيين أن يتمسكوا بقوة بمقاربتهم الخاصة بالانتخابات، باعتبارها مدخلا للمصالحة، ومدخلا لبناء الدولة والإنسان، ومدخلا لتأكيد فلسطينية القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المقبلة. وبالضرورة، عليهم أن يحددوا كافة السيناريوهات المحتملة من أجل مواجهة العراقيل التي ستضعها إسرائيل في وجه هذه الانتخابات، وأن يتمسكوا بإرادتهم لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، يكون عنوانها الحرية وقرارات الشرعية الدولية والمواطنة والحداثة وسيادة القانون.

* مدير وحدة الأبحاث في معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى