أقلام وأراء

د. دلال عريقات يكتب – النظر إلى المستقبل

بقلم  د. دلال عريقات *- 3/1/2021

إن ما شهدناه في عام 2020 من مصائب وخسائر على مستوى الوطن، وما عاناه الشعب الفلسطيني من ازدواجية الوباء والاحتلال معاً، وما واجهناه من ادارة ترامب وصفقة القرن ثم نتنياهو وخطط الضم الى مواقف القيادة من علاقتنا مع اسرائيل وصولاً لاتفاقيات التطبيع، كلها صور لا تعبر عن حالات فردية بل عامة.

ما علاقة ذلك بنظرتنا للمستقبل؟

الحواجز بين الأنظمة العربية وإسرائيل تزال ومعها الحواجز النفسية، ويجري إقامة علاقات علنية وإبرام اتفاقيات بغض النظر عن الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني. بالمقابل، ما زالت القيادة الفلسطينية تعول على المجتمع الدولي وعلى الدول العربية للخروج من الوضع الراهن وللضغط على اسرائيل فيما يتعلق بالاستيطان وغيره من انتهاكات الحقوق. يعود البعض للحديث عن مبادرة السلام العربية 2002، التي أكدت بوضوح مواقف الدول العربية من التطبيع، من قبل 22 دولة عربية مقابل انهاء الاحتلال وإعطاء الفلسطينيين حقهم بدولة على حدود عام 1967؟

أرى ان ما يحدث يتعلق بما يمكن ان نطلق عليه النظر إلى المستقبل، وذلك بتبني استراتيجيات تخدم مصالح تلك الدول بطريقة براغماتية خالصة دون الالتفات للأخلاق او للقيم او المبادىء او القوانين.

المدرسة البراغماتية تغلب كل المدارس. الابداع والتفكير الاستراتيجي والخلاق في خدمة مصالح وتميز دولها، هي الطبيعة الجديدة لتفكير أبناء العائلات الحاكمة في الدول العربية التي قد تلتحق بركب الدول المطبعة، مثل حلم ولي العهد السعودي بإنشاء المدينة المستقبلية، كمحاكاة لقيام مدينة على القمر في منتصف الصحراء! طريقة التفكير هذه والنظر الى المستقبل والطموح بالتميز وتبني نهج وسياسة براغماتية تركز على المصلحة والتميز المادي بعيدا عن مبادىء القانون الدولي.

ولذا، ان نستمر بالحديث عن دور المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية فهذا غير مجدٍ نفعاً. ولا ننسى الحقيقة المُرّة أنه وفي ظل ترؤس فلسطين للجامعة العربية، لم يخرج حتى بيان استنكاري بعد اتفاقيات التطبيع. ليس سِراً أن الوضع السياسي العربي متردٍ جدا، وبالتالي ليس من مصلحتنا ان نعول على أحد.

من منطلق الواقع السياسي (Realpolitik)، حيث أن أصدقاءنا السياسيين يتناقصون، دبلوماسياً، ليس من مصلحتنا أن نخلق هوة أكبر. ولكن يجب أن تكون مواقفنا واضحة، فسلوك بعض الدول العربية يعكس حقيقة أن القضية الفلسطينية ليست من أولويات الأنظمة، وهذا ما أكد عليه آخر استطلاع للرأي في فلسطين حيث انقسم الرأي العام بشأن أثر اتفاقات التطبيع على حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ففيما قال 35 في المئة إن هذه الاتفاقات تلحق ضررا بفرص الحل السياسي، قال 30 في المئة إنها لن تنفع ولن تضر، بينما قال 22 في المئة إنها لن تضر. وعبرت أغلبية كبيرة من 76 في المئة انها تعتقد ان مبادرة السلام العربية كشرط للتطبيع العربي الاسرائيلي باتت من الماضي.

نجح نتنياهو بإقناع العالم، وبُحكم المصالح أن الخطر في هذه المنطقة هو ليس إسرائيل بل الخطر القادم من إيران، ولأسباب براغماتية تخصهم أقنعوهم ان التحالف معهم والدخول معهم في علاقات تطبيعية هي أساس هدفهم في بناء تحالف استراتيجي عسكري يمكن ان يخدمهم بالمستقبل، وهذا ما نستبعده.

ودعوني أنوه هنا أن اتفاقيات التطبيع بين الامارات واسرائيل أشارت في فقراتها الأخيرة إلى صفقة القرن ورؤية ترامب للسلام كمرجعية، وعلينا أن ندرك أن مواقف الادارة الامريكية الجديدة كما الاتحاد الاوروبي او الدول العربية كلها ايجابية تجاه اتفاقيات التطبيع التي اتخذت من صفقة القرن مرجعية!

أما فيما يتعلق بالخيارات الفلسطينية، وعند النظر للمستقبل، علينا أن نركز الحديث على الشباب والصمود، هذا الأساس، وكذلك الوحدة وتجاوز الانقسام، فلم يعد هناك عذر لاستمراره. وما دامت خياراتنا قليلة جدا، وأصدقاؤنا يتناقصون، والأخطار تزداد، فإن مصلحتنا تكمن في العمل على تحسين بيتنا الداخلي، عبر إصلاح الإدارة العامة، وإجراء الانتخابات، وتعزيز الديمقراطية، والتركيز على الشباب وتغيير الوجوه، حيث أن تغيير الوجوه يعني تغييرا في الأفكار وهذه هي الطريقة الوحيدة للخروج من الوضع الراهن. الحل لن يأتي من الخارج إذا أردنا رؤية المستقبل.

*د.دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى