د. دلال صائب عريقات: ٢٥ عامًا على القرار 1325.. رسالة النساء من المجلس المركزي
د. دلال صائب عريقات 2-11-2025: ٢٥ عامًا على القرار 1325.. رسالة النساء من المجلس المركزي
خمسة وعشرون عامًا مرّت على صدور القرار الأممي 1325 حول المرأة والسلام والأمن، القرار الذي وُلد من رحم معاناة النساء في مناطق النزاع، ومن إصرارهن على أن السلام لا يكتمل من دون أصواتهن. اليوم، ومع إحياء هذه الذكرى، تحمل فلسطين رسالة مختلفة، واقعية ومُلِحّة، تقول إن النساء الفلسطينيات لا يطالبن بمكان على الطاولة كمجاملة، بل لأنهن كنّ وما زلن في قلب الفعل: في مواجهة الاحتلال، في إعادة بناء المجتمعات، وفي حفظ النسيج الاجتماعي تحت النار.
بعد ربع قرن على تطبيق أجندة المرأة والسلام والأمن في المنطقة العربية، لم يعد النقاش حول “أهمية مشاركة النساء” كافيًا، آخذين بعين الاعتبار هذا القرار في سياق الاحتلال، نحن بحاجة إلى التزامات قابلة للتنفيذ، لا إلى شعارات. يتطلّب ذلك:
1. التأسيس المؤسسي– مشاركة النساء في فرق التفاوض، ولجان إعادة الإعمار، وإصلاح القطاع الأمني يجب ألا يكون رهين الإرادة الفردية أو المجاملة السياسية، بل ضرورة قانونية في الأطر الوطنية والميزانيات والمهمات.
2. الحماية– المشاركة يجب أن تكون كاملة وآمنة، فتمكين المرأة لا يعني تعريضها للعنف أو التهديد السياسي.
3. المساءلة– لا يُقاس التقدّم بعدد الخطابات التي تذكر النساء، بل بعدد النساء اللاتي يجلسن فعلاً على طاولة القرار ويتمتعن بسلطة التأثير.
هذه ليست قضية رمزية، بل استراتيجية. تُظهر التجربة الفلسطينية أن مفهوم “السلام” السائد في الخطاب الدولي يحتاج إلى إعادة تعريف. فغالبًا ما يُختزل السلام في “وقف إطلاق النار بين أطراف مسلّحة”، بينما ترى النساء الفلسطينيات أن السلام هو التحرّر من الاحتلال والفكر الاستعماري الرافد للذكورية والأبوية، وضمان الكرامة والعدالة. السلام يعني الأمان من التهجير القسري، والاعتقال الإداري، والإعدامات والقتل خارج القانون؛ يعني الوصول الحر إلى التعليم، والخدمات، والرعاية الصحية؛ ويعني أن تعيش الأسرة الفلسطينية بكرامة وعدالة اقتصادية. لا يمكن الحديث عن المرأة والسلام والأمن بمعزل عن الأزمات المتشابكة التي تواجه منطقتنا في سياق الاحتلال، النزوح، التهجير، التسابق الأمني، التغيّر المناخي، البعد الجيوسياسي والجيوتكنولوجي والتنافس الاقتصادي. المرأة الفلسطينية -سواء في غزة أو القدس أو جنين أو المخيمات- لا تفصل بين هذه التحديات؛ فهي تعيشها كلها في يوم واحد.
فلسطين ليست الاستثناء في أجندة المرأة والسلام والأمن، ومن الضروري تناول الأجندة في سياق الاحتلال والاستعمار. فالاحتلال ليس “ظرفًا”، بل انتهاك مستمر للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني، يجرّد النساء من حقوقهن الأساسية في الحماية والمشاركة. إن السلام لا يمكن أن يكون هدنة مؤقتة فوق أرضٍ مغتصبة، بل مسارٌ نحو سيادة، وعدالة، ومحاسبة. ومن هنا، يصبح القرار 1325 في السياق الفلسطيني ليس فقط قرارًا نسويًا، بل وثيقة سيادية تدافع عن حق الشعب في الحياة الحرة والمتساوية.
النساء الفلسطينيات لسن ضحايا فحسب، بل فاعلات قانونيًا وسياسيًا واجتماعيًا. أي أجندة للمرأة والسلام والأمن تتجاهل هذا الواقع تكون منقوصة. إدماج المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال ليس منّة، بل واجب قانوني وأخلاقي والتغيير يبدا من الداخل.
اليوم علينا إعلاء صوت النساء من داخل النظام السياسي. في هذا السياق، يكتسب اجتماع عضوات المجلس المركزي الفلسطيني الأول هذا العام بتاريخ ٢٩-١٠-٢٠٢٥ بعد رفع نسبة تمثيل المرأة ل٣٠٪ أهمية خاصة تزامنًا مع اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية وذكرى قرار ١٣٢٥، إذ أكدن فيه أن إجراء الانتخابات الفلسطينية هو حاجة داخلية وحق وطني أصيل، وليس مطلبًا إصلاحيًا تفرضه أطراف خارجية. رسالة عضوات المجلس كانت واضحة: إن تجديد الشرعيات وتفعيل المشاركة السياسية للنساء أساس بناء الثقة الوطنية واستعادة وحدة النظام السياسي. فالانتخابات ليست ترفًا ديمقراطيًا، بل شرطٌ لاستدامة النضال والمساءلة، وضمان أن تكون مشاركة النساء في القرار الوطني ممارسة فعلية لا شعارًا احتفاليًا.
في ظل الإبادة الجماعية التي شكّل النساء والأطفال خلالها ما يقارب 70% من ضحايا العدوان الإسرائيلي، نشدد على أهمية الاعتراف بوكالة المرأة الفلسطينية ودورها كصانعة سلام، ووسيط، ومدافعة عن الحقوق، ليس فقط كضحية وحافظة للنسيج المجتمعي أثناء الحرب، بل أيضًا في اليوم التالي، في مجالات الحكم، وإعادة الإعمار، والتعافي، والشفاء. من قلب المعاناة تولد القيادة. والنساء الفلسطينيات اليوم لا ينتظرن إذنًا ليقُدن، بل يحتجن فقط إلى اعتراف وتمكين مؤسسي. إن تحويل القيادة النسائية من واقع يومي إلى سلطة سياسية هو التحدي الحقيقي للمرحلة المقبلة.
فالنساء الفلسطينيات لا يطالبن بتمثيل رمزي في “اليوم التالي” يقوم على الولاءات، بل حضور أساسه الانتماء الوطني والمعرفة والخبرة والكفاءة، بحقٍّ أصيل في إعادة بناء الوطن، صناعة القرار وصوغ عقد اجتماعي جديد يقوم على المساءلة، والعدالة، والمساواة. إن تجاهل خبرتهن في التعافي وإدارة الأزمات سيكون خطأً استراتيجيًا لا يقل عن كونه ظلمًا تاريخيًا. ربع قرن بعد القرار 1325، تقف فلسطين لتقول للعالم: لسنا بحاجة إلى تعليمات إصلاحية خارجية، بل إلى إرادة حقيقية تجعل صوت المرأة الفلسطينية جزءًا محوريا من القرار والتخطيط وهندسة الطريق حتى التحرر من الاحتلال.



