أقلام وأراء

د. دلال صائب عريقات يكتب – عودة العلاقات الفلسطينية الامريكية لطبيعتها ولكن…

بقلم د. دلال صائب عريقات *- 31/1/2021

الحقيقة التي يجب أن لا نتشتت عنها هي أن صراعنا مع اسرائيل، ومشكلتنا هي الاحتلال الاسرائيلي وليس الولايات المتحدة الامريكية، ولكن منذ السبعينات تلعب امريكا دوراً محورياً في المنطقة كحليف استراتيجي لإسرائيل وكوسيط لعملية السلام اللامتناهية؛ حيث تبنت الدبلوماسية القسرية بدهاء خدمة لمصالح اسرائيل تحت غطاء السلام. في السنوات الأربع الاخيرة تجمدت العلاقات الدبلوماسية الفلسطينية الأمريكية الرسمية على هامش المواقف الأمريكية تحت إدارة دونالد ترامب ضد الفلسطينيين في التعامل مع هذا الصراع، وما شهدناه من إملاءات وفرض حقائق جديدة وخطيرة.

بعد فوز جو بايدن، عاد الحديث عن ملامح النهج الأمريكي تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في عهد الإدارة الجديدة، تحدث ريتشارد ميلز، سفير أمريكا في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي خلال جلسة مجلس الأمن الخاصة بفلسطين وقدم باختصار وبوضوح ملامح سياسة الإدارة الجديدة نحو القضية الفلسطينية وغطت الجوانب التالية: (حل الدولتين- لا لفرض الحقائق على الأرض- غزة والمساعدات الانسانية- الخطوات الأحادية الجانب- اتفاقيات التطبيع- المسار الاقتصادي- عودة العلاقات الامريكية-الفلسطينية).

حل الدولتين :

موقف إدارة بايدن واضح بدعم حل الدولتين المتفق عليه بشكل متبادل تعيش فيه إسرائيل في سلام وأمن إلى جانب دولة فلسطينية قابلة للحياة. وبالرغم من الاعتراف الامريكي فإن هذه الرؤية تتعرض لضغوطات شديدة الْيَوْم، إلا أنها بالنسبة لهم أفضل طريقة لضمان مستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطية ويهودية مع الحفاظ على تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة لدولة خاصة به والعيش بكرامة وأمان.

لا لفرض الحقائق على الارض:

على خلاف ادارة ترامب، تؤمن ادارة بايدن بأنه لا يمكن فرض السلام على الإسرائيليين أو الفلسطينيين. وعليه أوضح الممثل الأمريكي أن المشاركة الدبلوماسية الأمريكية ستنطلق من فرضية أن التقدم المستدام يجب أن يقوم على التشاور النشط مع كلا الجانبين وأن النجاح النهائي يتطلب موافقة نشطة من كلا الجانبين. وقال إنه ولسوء الحظ، القيادات المعنية متباعدة في قضايا الوضع النهائي وان السياسة الإسرائيلية والفلسطينية مشحونة والثقة بين الجانبين في الحضيض.

الوضع الانساني/غزة:

حمّل الممثل الأمريكي الدول الأعضاء في مجلس الأمن مسؤولية محاولة الحفاظ على قابلية حل الدولتين للحياة. وألا يصرفوا الانتباه عن حتمية تحسين الظروف على الأرض ولا سيما الأزمة الإنسانية في غزة.

-الخطوات أحادية الجانب:

ستحث الولايات المتحدة الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية على تجنب الخطوات أحادية الجانب التي تجعل حل الدولتين أكثر صعوبة مثل ضم الأراضي، والنشاط الاستيطاني، وهدم المنازل، والتحريض على العنف، وتقديم تعويضات للأسرى، ما أسماه “أعمال الإرهاب”.

اتفاقيات التطبيع:

إدارة بايدن ترحب باتفاقيات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل والدول الأعضاء في الأمم المتحدة في العالم العربي وكذلك الدول ذات الأغلبية المسلمة. هذه الاتفاقيات تعكس فهم الجميع بأن التعاون السلمي بين الدول الأعضاء في الشرق الأوسط هو مساهمة مهمة في الاستقرار الإقليمي. وستواصل الولايات المتحدة حث الدول الأخرى على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. بالرغم من أهمية اتفاقيات التطبيع، تُدرك ادارة بايدن، أن التطبيع العربي الإسرائيلي ليس بديلاً عن السلام الإسرائيلي الفلسطيني. وتولي إدارة بايدن للملف الإيراني أولوية في الشرق الأوسط، ولكنها تعلم ان حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي سيفيد المنطقة بشكل كبير.

العلاقة الأمريكية الفلسطينية وتغليب المسار الاقتصادي:

من أجل إنجاز الملفات السابقة، أكد ممثل أمريكا في مجلس الأمن، السفير ميلز، أن إدارة بايدن ستستعيد المشاركة الأمريكية الموثوقة مع الفلسطينيين والإسرائيليين. وسيشمل ذلك تجديد العلاقات الأمريكية مع القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وهي العلاقات التي تدهورت على مدى السنوات الأربع الماضية. كان الرئيس بايدن واضحًا في نيته استعادة برامج المساعدة الأمريكية التي تدعم التنمية الاقتصادية والمساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني واتخاذ خطوات لإعادة فتح البعثات الدبلوماسية التي أغلقتها الإدارة الأمريكية السابقة. أوضح السفير الأمريكي أن الإدارة الجديدة لا تعتبر هذه الخطوات خدمة للقيادة الفلسطينية، فالمساعدات الأمريكية تفيد ملايين الفلسطينيين العاديين وتساعد في الحفاظ على بيئة مستقرة تعود بالنفع على الفلسطينيين والإسرائيليين. لقد قدمت الولايات المتحدة من خلال USAid منذ 1994 حوالي 6 مليارات دولار.

ملامح إيجابية ولكن:

انتظر الفلسطينيون طويلاً للتخلص من إدارة ترامب، وبعد تتويج إدارة بايدن الجديدة، يتطلع الجميع لتداعيات وصول جو بايدن على العلاقة الفلسطينية/الامريكية، تتسم المرحلة بهدوء قاتل، والجميع يتساءل حول ماهية هذه العلاقة وكيفية عودتها لمجاريها، ويكثر التساؤل حول إعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن ومن يمثل فلسطين هناك! او الحديث المتزايد عن المساعدات المالية وعن تواصل الأمريكان مع الجمعيات المختلفة لتفعيل المشاريع كما كان سابقاً.

كل الملامح المذكورة أعلاه على لسان سفير أمريكا في الأمم المتحدة إيجابية ومهمة وممكن البناء عليها، ولكن اليوم نشهد للأسف الكثير من الحماس والابتهاج حول عودة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى فلسطين وضخ المساعدات المالية بالتحديد، ولكن حتى نتحدث عن عودة العلاقات الفلسطينية الأمريكية لطبيعتها، يجب ألا ننسى أن السبب الرئيسي لتوقف القيادة الفلسطينية عن التعامل مع الإدارة الأمريكية كان سياسياً لاعترافهم بالقدس عاصمة لاسرائيل الذي جاء بتاريخ 2017/12/6 ، أي بعد يوم واحد من تمرير الكونجرس لقوانين محددة تُعرف منظمة التحرير الفلسطينية على أنها “إرهابية”، وبناءً عليه تم اغلاق المكتب التمثيلي لها في واشنطن، قبل الحديث عن عودة الاموال وعمل الوكالة الامريكية للتنمية، وقبل إعادة افتتاح البعثة الدبلوماسية لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، لا بد من فتح ملف قرار التايلور فورس Taylor Force Act بتاريخ/12/5/ 201 والذي يُعرف منظمة التحرير الفلسطينية كمنظمة “إرهابية”، كما يشير للأسرى والشهداء “كإرهابيين” ويجيز مقاضاة السلطة الوطنية على أي دعم مالي يُقدم لضحايا الاحتلال من الأسرى والشهداء بناءً على التعريف السابق.

*د. دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى