أقلام وأراء

د. خليل حسين: مفارقات انتخاب رؤساء الجمهورية اللبنانية

د. خليل حسين * 2 سبتمبر 2022

لطالما شكلت انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان معضلة في الحياة السياسية في مختلف الحقب؛ وذلك بالنظر إلى ارتباط الموضوع بقضايا داخلية وخارجية عدة؛ وتكاد لا تستثنى عملية انتخاب من مفارقات تتكرر بشكل مستمر حتى يصبح الاستثناء قاعدة يقاس ويبنى عليها. فدستورياً يشكل الأول من سبتمير/ أيلول بداية المهلة الدستورية ليتحول مجلس النواب إلى هيئة ناخبة للرئيس، في وقت هناك حكومة تصريف أعمال، ولا أفق لتشكيل حكومة تتسلم السلطة وكالة في حال لم يتم انتخاب رئيس، وهو الأمر الأكثر ترجيحاً.

ثمة ثلاثة عشر رئيساً تم انتخابهم منذ عام 1943، ولكل حالة صفات ومميزات تختلف عن الأخرى، على الرغم من وجود الكثير من حالات التشابه، كحالات التأثير الخارجي أو التمديد أو الانقسام العمودي والوصول إلى حالة الفراغ في سدة الرئاسة. وتشكل حالة التمديد مثلاً شائعاً بدأ مع الرئيس الأول بشارة الخوري والذي لم يتمكن من إكمال ولايته الثانية الممددة، فاستقال في نصفها بعد ثورة بيضاء أوصلت الرئيس كميل شمعون إلى الرئاسة، الذي أنهى ولايته بحرب أهلية في عام 1958 نتيجة الانقسام اللبناني الحاد حول العديد من قضايا السياسة الخارجية، أبرزها الموقف من العدوان الثلاثي على مصر وتداعيته الداخلية والعربية.
لقد انتخب قائد الجيش آنذاك العماد فؤاد شهاب ضمن تسوية داخلية عربية كان لمصر الأثر الواضح فيها، ومفارقة الرئيس شهاب أنه الوحيد الذي رفض التجديد أو التمديد له على الرغم من إجماع القوى اللبنانية على ذلك، نظراً لبصماته قي بناء دولة المؤسسات والقانون.

 

خلفه في الرئاسة الرئيس شارل حلو الذي اعتبر وريث الشهابية على الرغم من افتراقه عنها في نهاية ولايته التي شهدت أحداثاً عربية ضاغطة كحرب 1967 وبداية انتقال المقاومة الفلسطينية إلى لبنان واتفاق القاهرة الذي نظم ذلك الانتقال. وفي محاولة لإبعاد الشهابية عن الرئاسة، تم انتخاب الرئيس سليمان فرنجية بفارق صوت واحد فقط ضد مرشح الشهابية إلياس سركيس؛ حيث كان لصوت زعيم الحركة الوطنية اللبنانية كمال جنبلاط الكلمة الفصل في ذلك. مفارقة الرئيس فرنجية أنه قبل نهاية عهده بستة أشهر جرى انتخاب الرئيس الشهابي إلياس سركيس برعاية سورية، وهي سابقة لم تتكرر في عمليات الانتخاب اللاحقة.

أما الرئيس المنتخب الذي اغتيل قبل أن يتسلم سلطاته الدستورية فكان بشير الجميل الذي انتخب خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، والذي خلّفه شقيقه الرئيس أمين الجميل الذي شهد عهده أحداثاً داخلية قاتمة، ولم يتمكن مجلس النواب في نهاية عهده من انتخاب رئيس جديد، فتم تعيين قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون على رأس حكومة عسكرية بمواجهة حكومة الرئيس سليم الحص المستقيلة آنذاك. استمر فراغ الرئاسة الأولى إلى حين إنجاز اتفاق الطائف؛ حيث تم انتخاب الرئيس رينيه معوض الذي اغتيل بعد أقل من شهر على انتخابه، ليكون الرئيس الثاني الذي يغتال بعد الانتخاب. خلفه في سدة الرئاسة الرئيس إلياس الهراوي الذي مدد له نصف ولاية، وانتهت بانتخاب قائد الجيش العماد إميل لحود وهو القائد الثاني للجيش الذي ينتخب رئيساً، والثالث الذي مددت ولايته ثلاث سنوات، انتهت بفراغ رئاسي وانقسام عمودي؛ حيث تم انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان بعد اتفاق الدوحة، والذي انتهى عهده بفراغ رئاسي، انتخب بعده العماد ميشال عون رئيساً ضمن تسوية إقليمية ودولية.

ثلاثة رؤساء للجمهورية انتخبوا بعد توليهم قيادة الجيش، بينهم اثنان انتهت ولايتهما بفراغ في سدة الرئاسة، وثمة مؤشرات قوية على فراغ رئاسي بعد ولاية الرئيس العماد عون “عندما كان رئيساً للحكومة العسكرية”، إثنان من الرؤساء تم اغتيالهم، الأول قبل تسلم مهامه والثاني بعد أقل من شهر من ولايته، يتشارك جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم بتسويات داخلية وخارجية، لوصولهم إلى سدة الرئاسة، كما سادت معظم ولايات الرؤساء أحداث وحروب داخلية ذات أبعاد خارجية باستثناء ولاية الرئيس فؤاد شهاب نسبياً. في 21 سبتمبر / أيلول تم تعيين حكومة عسكرية برئاسة العماد ميشال عون بمواجهة حكومة مستقيلة، فهل تنتهي الأمور في 31 أكتوبر/ تشرين الأول بحكومة تواجه الحكومة المستقيلة حالياً؟ ثمة مؤشرات تعزز هذه الفرضية بين سيناريوهات متعددة مطروحة اليوم.

* رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة اللبناني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى