أقلام وأراء

د. خليل حسين: خلفيات الحراك الفرنسي الصيني

د. خليل حسين 11-4-2023: خلفيات الحراك الفرنسي الصيني

لقاءان ثنائيان على مستوى الرئاسة يتممهما الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارته لبكين، والرئيس الصيني شين جين بينغ بزيارته لموسكو، وفي اللقاءين ثمة ملفات دولية وثنائية مشتركة وفيها أيضاً قواسم دولية وإقليمية.

فزيارة الرئيس ماكرون لبكين حملت طابعاً دولياً عبر اصطحابه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، في محاولة لإقناع نظيره شي جين بينغ بتحمُّل «مسؤولية مشتركة عن السلام» في أوكرانيا، في وقت ظهر ماكرون، في صورة المبتعد عن أزماته الداخلية والطامح إلى إعادة تفعيل العلاقات الفرنسية- الصينية، من التجارة إلى الثقافة، وتجنيب بلاده الانعكاسات السلبية لمواقف واشنطن وبروكسل المعادية للشريك التجاري الأكبر للاتحاد الأوروبي. وفي السياق ذاته أثيرت ولو مواربة القضية الأوكرانية في زيارة الرئيس بينغ لموسكو ولقائه بوتين، وما أحيطت بمعلومات عن رغبة روسية بدعم عسكري صيني، علاوة على مشروع الخطة الصينية لحل الأزمة الأوكرانية.

وعلى الرغم من الاهتمام والحفاوة التي أحيط بهما الرئيس ماكرون، فقد واجه مهمة غير سهلة على خلفية الشكوك الصينية تجاه العداء الأمريكي غير المبرّر الذي يُظهره الأوروبيون ضدهم إرضاء للرغبة الأمريكية، إضافة إلى انضمام الشخصية الصقورية، أورسولا فون دير لايين التي تدير الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، والمعروفة في دعمها الواضح للسياسات الأمريكية وبانتقاداتها المباشرة والعالية النبرة لبكين، ودعوة الأوروبيين إلى التخلي عن الاعتماد غير المتوازن عليها في مجالات اقتصادية واستراتيجية عدة. علاوة على تصريحاتها الأخيرة بشأن أوكرانيا التي حذرت فيها بكين من أن موقفها في هذا الشأن سيشكّل عاملاً حاسماً في مستقبل العلاقة البينية مع الاتحاد الأوروبي.

إن قدرة فرنسا بشكل خاص والأوروبيين بشكل عام على التأثير في الموقف الصيني على روسيا تجاه الأزمة الأوكرانية ضئيل جداً ويكاد يكون معدوماً، وبالتالي فإن الزيارة من هذه الجهة لن تقدم جديداً، وبالتالي سيظل الخوف الأمريكي والغربي قائماً من تقديم بكين أسلحة نوعية قادرة على قلب موازين القوى سريعاً أمراً قائماً؛ خاصة أن القضية الأخرى التي طرحت تتصل بإعلان الرئيس الروسي بوتين بأن بلاده ستنقل أسلحة نووية إلى بيلاروسيا، التي تسلمت بالفعل منظومة صواريخ «إسكندر – إم» التي يمكن تزويدها برؤوس نووية. وفي هذا الإطار يأمل الرئيس ماكرون من بكين التي أعلنت بشكل واضح ودائم رفض استخدام التهديد بالأسلحة النووية في النزاع الروسي الأوكراني القائم، أن تسعى إلى دفع موسكو إلى تغيير نواياها في هذه المسألة تحديداً.

في أي حال يدرك الفرنسيون والغرب أن الوصول لتصور ما بشأن القضية الأوكرانية في هذه الزيارة يعتبر أمراً معدوماً، إلا أنه يتم التعليق على آمال مستقبلية يمكن الاستثمار فيها عبر ماكرون، خاصة أن ثمة تفويضاً أمريكياً لماكرون وإن بحدود مع الجانب الصيني وإبقاء خطوط تواصل قائمة للبناء عليها.

ثمة حراك دبلوماسي صيني لافت ظهر في الفترة الماضية، من خلال اللقاءات الصينية وأبرزها مع الجانب الروسي، علاوة على اللقاءات مع دول الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية وإيران، والتي أدت إلى انفراجات واسعة في العلاقات البينية ومدى أثرها في قضايا المنطقة، إضافة إلى لقاء القمة الصيني الروسي، وأخيراً اللقاء الفرنسي الصيني، وهي بالمحصلة حراك دبلوماسي دولي وازن بين قوى تمتلك كل منها في حدود معينة وسائل الربط والفصل في القضايا الدولية القائمة.

صحيح أن الغرق بالتفاؤل الناجم عن هذه الحراكات أمر ليس واقعياً، إنما ثمة العديد من الاعتبارات ذات الطابع المحلي لهذه الدول، كما هي حال العديد من الظروف الدولية والإقليمية المحيطة بها، تسهم في إقناع هذه الدول بالبحث عن وسائل تخفف الاحتقانات وتسهم في إدارتها وإمكانات حلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى