أقلام وأراء

د. خليل حسين: تحديات لبنانية قاتلة

د. خليل حسين * 9-8-2023: تحديات لبنانية قاتلة

لطالما واجه لبنان مجموعة تحديات غالباً ما كانت تمر بأكلاف معقولة نسبياً بعد نزاعات مجتمعية سياسية عميقة، بيد ما يحدث حالياً يجمع علماء الاجتماع السياسي على تسميته تحلل مؤسساتي ما قبل انهيار الكيان، وبصرف النظرعن دقة التوصيف ومدى انطباقه على سوابق مماثلة، ثمة العديد من المظاهر تعزز تلك المخاوف وتجعلها يقيناً لا رد له.

ثمة إجماع على أن الشهرين القادمين يعتبران من أخطر ما سيمر به لبنان، بفعل السبات السياسي الإقليمي والدولي ومرحلة الركود القاتل، لا مبادرات ولا جداول مباحثات، كل ما في الأمر تكريس واقع سائد هو وقوع لبنان كلياً في دائرة القرار الدولي، حيث لا وزن للأطراف الداخلية في تقرير مسارات حل أزماته؛ سوى حراك من نوع تقطيع الوقت، وأيضاً برعاية خارجية منسقة بدقة.

ثمة سلسلة من الفراغات المدمرة كان آخرها الفراغ النقدي والمالي بشغور حاكمية المصرف المركزي الذي يسيّر نيابة، طبعاً بعد الشغور الرئاسي والمسير بحكومة تصريف أعمال، فيما يطل مشروع الفراغين العسكري والأمني، إضافة إلى الفراغ القضائي، وبذلك يكون كل ما تبقى من مرافق الدولة ومؤسساتها يترنح على وقع انتظار مرهق لم يعد بمقدور أحد قادر على تحمله.

أحد التحديات المروعة ما أعلنها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من أن آخر شهر أغسطس / آب الجاري لن يكون هناك رواتب ومعاشات للقطاع العام، وهو ما يخفي تبايناً وشرخاً بين رؤيتي السلطتين التنفيذية والتشريعية حول تمويل الدولة وإقراضها عبر المصرف المركزي، من خلال تشريعات طلبها المصرف المركزي لتشريع استعمال الاحتياط الإلزامي وهو عملياً ما تبقى من أموال المودعين في المصارف التي ذهب معظمها هدراً وفساداً طوال العقود الثلاثة الماضية، وهو نزاع ستمتد تداعياته على الأمن الاجتماعي الذي يقف على حافة فلتان لن يستطع طرف استيعابه ومواجهة نتائجه الكارثية، إن لجهة استمرار انهيار العملة الوطنية أو فلتان الوضع الاجتماعي وبالتالي الأمني.

والتحدي الأخطر البارز حالياً، انفجار الوضع الأمني والعسكري في مخيم عين الحلوة أكبر مخيمات الفلسطينيين في لبنان، وهو تحد فيه خلفيات متنوعة ومتعددة الاستثمارات، فلسطينياً ولبنانيا وعربياً وإقليمياً، وهو انفجار واسع الأبعاد بنتائجه وتداعياته المحتملة، ويذكر اللبنانيين بما جرى سابقاً في مخيم نهر البارد شمالي لبنان، الذي أسس لمسار إقليمي ودولي أنتج لاحقاً ما سُمي اتفاق الدوحة، والذي أوصل قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان لسدة الرئاسة، وثمة الكثير من المتابعين اللبنانيين يقاربون تلك المرحلة بما يجري حالياً.

ثمة انسداد تام في ما تبقى من حياة سياسية في لبنان، والجميع ينتظرحراكاً إقليمياً أو دولياً من هنا أو هناك، وخاصة ما يُعلق من آمال على اللجنة الخماسية التي تضم كلاً من السعودية وقطر ومصر وفرنسا والولايات المتحدة، وهي ما تعتبرها غالبية اللبنانيين الأمل الوحيد لمشروع حل يبنى عليه أقله مستقبل النظام السياسي في لبنان للفترة المنظورة القادمة، باعتبار محاولة فتح ثغرة في الانتخابات الرئاسية المؤمل عليها لاعادة تكوين السلطة وترميم ما تبقى من مرافقها ومؤسساتها المدمرة عملياً.

لقد غرق لبنان عملياً بمجموعة من التحديات لم يتمكن من تجاوزها خلال العقود الماضية، وكانت عملياً اختباراً حقيقياً لاتفاق بُني على أنقاض عقدين من الاحتراب المجتمعي المدمر، وهو في الواقع كان بمثابة هدنة لاختبار نظام حكم فيه الكثير من الثغرات واللبس في تفسير مفاصله الملغومة أساساً، وما هي تحديات وظروف اليوم إلا انعكاس لذلك الفشل في استيعاب المرحلة السابقة وسد الثغرات في النظام الدستوري والسياسي المهترئ أساساً، وما يزيد الطين بلة الانهيار الاقتصادي الحاصل، والخطر الديموغرافي الذي يهدد الكيان بفعل مشاريع الدمج والتوطين للنازحين واللاجئين على أرضه والذين باتوا يشكلون نصف سكانه إن لم يكن أكثر. ثمة من يقول اشتدي يا أزمة تنفرجي، فهل تنطبق هذه المقولة اليوم؟.

 

* دكتوراه دولة في القانون الدولي، رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى