أقلام وأراء

د. خليل حسين: أزمة الجنسية والتجنيس في لبنان

د. خليل حسين 16-8-2022م

لطالما شكّلت الجنسية والتجنيس في لبنان أزمة بحد ذاتها، وسرعان ما كانت تتحول إلى أزمة حكم وحكومة، وغالباً ما كانت الأمور تتطور لترتبط بطبيعة النظام والتحولات الطارئة على أوضاعه الديموغرافية، وتداعياتها الاجتماعية والطائفية، ليطالب الكثيرون من الشعب اللبناني أيضاً، بإعادة النظر في تركيبة السلطة والنظام السياسي، بناء على متغيرات ديموغرافية ربطاً ووصلاً بمشاريع تجنيس بدأت منذ استقلال لبنان إلى يومنا الحاضر.

ولبنان الكبير الذي أنشئ ككيان سياسي في عام 1920 قام على قلق سياسي طائفي، ربطاً بضم الأقضية الأربعة ذات الأغلبية المسلمة إلى منطقة جبل لبنان ذات الأغلبية المسيحية، وظلت هذه التركيبة الملتبسة مصدر قلق سياسي طائفي مع الزمن، حيث فعل التزايد السكاني والهجرة اللبنانية والتهجير القسري  إضافة إلى اللجوء الفلسطيني في الأعوام 1948 و1967 و1969 وما بعدها خلال الحرب الأهلية، ومن بعدها سلسلة النزوح السوري ما بعد عام 2010 وحتى اليوم  فعله، وشكلت هذه الأمور مجتمعة، بؤر توتر اجتماعي سياسي مقلق، تحول مع الوقت ليصل حالياً إلى أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية تُنذر بتعقيدات لا سابق لها في الحياة السياسية اللبنانية، بفعل ربطها بالعديد من القضايا ذات الصلة حالياً بتركيبة النظام، وغيرها من الأمور المعيشية الراهنة، حيث يعتبر البعض أن النازحين باتوا يشكلون عبئاً كبيراً على الحياة المعيشية في البلاد، وخصوصاً بالسبة لأزمتي الطحين والكهرباء.
وفي مستجدات القضية حالياً، ثمة أزمة في العلاقة بين طرفي السلطة التنفيذية في لبنان: رئاسة الحكومة، ورئاسة الجمهورية، حول مشروع قانون تجنيس قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية الحالي. 

وفي هذا السياق درجت العادة قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية، على أن يتم إقرار مراسيم تجنيس معدة سلفاً للبنانيين مهاجرين، وهؤلاء يسمون ضمن لوائح إعادة الجنسية بعد فقدانها لسبب ما سابقاً، وهي في الأساس قانونية، لكن لها تداعيات اجتماعية سياسية لجهة أعداد المسيحيين فيها مقارنة بالمسلمين. وعلى الرغم من ذلك تبدو المعضلة الأكبر في تجنيس أفراد وجماعات لا صلة بلبنانيتهم لجهة الدم أو غيرها من الأسس القانونية التي يمكن أن تُعتمد، وهي في واقع الأمر لها تداعيات يعتبرها البعض خطرة على التركيبة الاجتماعية السياسية والطائفية للمجتمع اللبناني، الذي يعاني في الأساس خللاً بنيوياً واضحاً أوصله إلى ما وصل إليه من أزمات متلاحقة، باتت تهدّد بنيته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

وتشكّل هذه القضية اليوم، معضلة كبيرة لا سيما ما يرشح من عمليات تجنيس لفلسطينيين وسوريين وعراقيين، وغيرهم ممن دخلوا إلى لبنان في ظروف مختلفة، في وقت يعاني لبنان اليوم، أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، أدت في بعض الحالات إلى صدامات بين متنافسين كثر على فرص العمل والتزاحم أمام محطات المحروقات والأفران والإقامة المفقودة أساساً حتى للبنانيين أنفسهم، ما يهدد بفلتان أمني خطر كما يبدو حالياً. وتشتدّ هذه الأزمة اليوم بفعل التجاذب الحاصل بين طرفي السلطة التنفيذية، وأثر ذلك في تشكيل الحكومة المتعثر حالياً، ثم ربطها بانتخاب رئيس للجمهورية الذي يبدأ استحقاقه في الأول من سبتمبر/أيلول القادم، وينتهي في 31 من أكتوبر، حيث يجب على الرئيس الحالي مغادرة القصر الجمهوري في بعبدا، ويباشر الرئيس المنتخب مهامه رسمياً.

معضلات الجنسية والتجنيس ليست أمراً جديداً في الحياة السياسية اللبنانية، وإنما لها سوابق كثيرة غالباً ما أدت إلى استفحال النزاع بين الفرقاء اللبنانيين، وبدت في غالب الأحيان سبباً رئيسياً لارتفاع منسوب النزاعات اللبنانية الحرجة، كما ظهرت في الحرب الأهلية عام 1975، وما تلاها. وثمة من يربط اتفاق الطائف في عام 1989 وتعديلاته الدستورية، ومن بينها مرسوم التجنيس الشهير في عام 1993 الذي جُنِّس فيه مئات الآلاف وسط اعتراضات عالية السقف بين الأطراف المتنازعة سياسياً، والفاعلة آنذاك.

أزمة اليوم لا شك في أنها ليست عابرة، وإنما تعبر عن أزمة حكم وحكومة ونظام، تتفاعل بشدة في ظروف مصيرية يمر بها لبنان، فهل سيكون الخلاف سبباً في تسعير التباين والدخول في المجهول، لجهة عدم تشكيل الحكومة أو الوصول إلى الفراغ الرئاسي الذي باتت ملامحه تلوح في الأفق؟.

في الحقيقة لا تنقص لبنان مشاكل وقضايا خلافية إضافية، فلبنان بحاجة اليوم إلى مزيد من ظروف العناية الفائقة لتقطيع أسوأ الأوقات التي يمر بها في تاريخه الحديث والمعاصر.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى