منوعات
د.حسن بشارات: طلب المساعدة النفسية قوة وليست ضعفًا، وعيٌ يتنامى

د.حسن بشارات 8-12-2025: طلب المساعدة النفسية قوة وليست ضعفًا، وعيٌ يتنامى
عندما نتحدث عن الأخصائي النفسي، فنحن نتحدث عن شخص متخصص في فهم السلوك الإنساني والانفعالات والعمليات العقلية، ويسعى دومًا إلى مساعدة الأفراد على التعامل بوعي وفاعلية مع الضغوط والمشكلات النفسية والعاطفية والسلوكية.
الأخصائي النفسي هو مهني يمتلك أدواته ومنهجيته الخاصة، ويستند في عمله إلى أخلاقيات المهنة القائمة على التقبّل، والثقة، والسرية، ليكون خطَّ الدفاع الأول عن الصحة النفسية في ميدانٍ مليء بالقصص والمواقف والتحديات التي تكشف الجانب الإنساني العميق لمهنة العلاج النفسي.
ورغم حالة الوعي المتزايدة في المجتمعات خلال السنوات الأخيرة، ما تزال هناك وصمة اجتماعية وتحديات يواجهها الأخصائي النفسي أثناء عمله في الميدان.
النظرة النمطية… المعركة الأولى
يخوض الأخصائي النفسي معركته الأولى مع المجتمع قبل الأفراد، بسبب الفكرة الخاطئة الشائعة بأن من يذهب إلى الأخصائي النفسي هو “مجنون” أو “مختل عقليًا”. هذه النظرة لا تمتّ للحقيقة بصلة؛ فدور الأخصائي يقوم على تقديم المساعدة للأفراد طالبي الخدمة الذين يواجهون مشكلات سلوكية أو أسرية أو مهنية أو صعوبات في التكيف الاجتماعي والبيئي.
هؤلاء الأفراد يكونون في الغالب واعين لذواتهم ومشكلاتهم، ويبحثون عن دعم متخصص للتعامل مع اضطرابات انفعالية يمكن علاجها، مثل:
القلق العام، الاكتئاب، الصدمات بأنواعها، واضطرابات التكيف.
وهنا يظهر الفرق بين دور الأخصائي النفسي ودور الطبيب النفسي؛ فالأخصائي يعالج الاضطرابات النفسية ذات الجذور الشعورية والانفعالية، بينما يتعامل الطبيب مع الاضطرابات العقلية المرتبطة بالدماغ والتي غالبًا تتطلب علاجًا دوائيًا. وتقتصر العلاقة بينهما على التحويل والتشخيص الدقيق والتكامل العلاجي.
ثقافة الصمود… سلاح ذو حدّين
في السياق الفلسطيني، يبرز تحدٍّ إضافي يتمثل في ثقافة القوة والصمود. فالفرد مطالب دائمًا بأن يكون قويًا في مواجهة الضغوط التي يمارسها الاحتلال، ما يؤدي إلى ربط اللجوء لأخصائي نفسي بالضعف أو العجز.
لكن الحقيقة أن التخلص من الضغوط ومواجهة المشكلات النفسية هو جزء من تعزيز الصمود، وليس نقيضًا له.
سرية العمل… تحدٍّ في مجتمع صغير
لا يقتصر دور الأخصائي على تقديم العلاج فقط، بل يُلزم بأخلاقيات المهنة التي تقوم على السرية باعتبارها أساس الثقة. غير أن عمله داخل مجتمعات صغيرة ذات علاقات متشابكة قد يفرض عليه ضغوطًا إضافية، ويجعله أكثر حرصًا في حماية خصوصية المستفيدين والحفاظ على سرية الجلسات.
توقعات غير واقعية… وصورة مغلوطة
يعتقد البعض أن الأخصائي مجرد “واعظ” أو أنه يقدم كلامًا بسيطًا يمكن الاستغناء عنه، أو أن المشكلات النفسية يمكن تجاوزها دون دعم مهني. كما يرتفع حجم التوقعات لدى بعض المتلقين الذين يطلبون نتائج سريعة دون بذل الجهد المطلوب.
والحقيقة أن العلاج النفسي يستند إلى منهجيات علمية راسخة ونظريات تمتد لأكثر من 120 عامًا، ويتم مواءمتها مع السياق البيئي والاجتماعي للفرد. ويقوم العلاج على خطة علاجية مشتركة يُعدّها الأخصائي مع المستفيد بوصفه شريكًا في التغيير.
تنظيم المهنة… خطوة نحو الثقة
إن الجهود المبذولة حاليًا في فلسطين من قِبل نقابة الأخصائيين النفسيين ووزارة الصحة لتنظيم عمل المهنة وترخيص المراكز والخدمات العلاجية، تمثل خطوة أساسية في مواجهة الوصمة والتحديات، وتُطمئن متلقي الخدمة بأنهم يتلقون الدعم في بيئة مهنية آمنة ومنظمة.
ماذا نحتاج؟
في ظل ازدياد الحاجة إلى الخدمات النفسية، يحتاج “جيش الأخصائيين” إلى مواجهة الوصمة وتذليل العقبات من خلال:
•التوعية الإعلامية بمحتوى مبسط يشرح طبيعة العمل النفسي.
•عرض قصص نجاح واقعية ضمن ضوابط أخلاقيات المهنة.
•تنظيم ورش عمل مجتمعية لتعزيز الوعي بأساليب التعامل مع الضغوط النفسية والتدخل وقت الأزمات.
•تهيئة بيئة مهنية آمنة تحافظ على السرية وتزيد من مستوى الثقة بين الأخصائي والمجتمع.
الخلاصة…
العلاج النفسي يصبح أكثر فعالية عندما يُقدَّم في المراحل الأولى من الضغوط، قبل أن تتحول إلى انفجار يصعب السيطرة عليه.
ولذلك، من الضروري أن نعيد النظر في رؤيتنا لمهنة الأخصائي النفسي، وأن نقدّر هذا الجهد الصامت الذي يعيد للناس معنى الحياة.
طلب المساعدة ليس ضعفًا… بل قوة ووعي ومسؤولية تجاه نفسك وصحتك النفسية، تمامًا كما تعتني بصحتك الجسدية.
*د. حسن بشارات دكتوراه في الارشاد النفسي



