أقلام وأراء

انتهاء أزمة الأردن

د. جواد العناني *- 8/4/2021

سوف يتذكر الأردنيون يوم الاثنين الماضي، الموافق 5 إبريل/ نيسان، بدهشةٍ ستوازي دهشتهم بما عرفوه قبل ذلك بيومين. أعلن الديوان الملكي الهاشمي مساءً عن توافق بين الملك عبد الله الثاني وأخيه الأمير حمزة بن الحسين بوساطة من الأمير الحسن بن طلال. وسوف يتذكّر الأردنيون يوم السبت، الموافق 3 إبريل/ نيسان، بأنه من الأيام المهمة والتاريخية، فقد اعتقلت تشكيلات من دائرة المخابرات العامة والجيش العربي الأردني حرّاس الأمير حمزة، ولي العهد السابق، وألْزمت الأمير نفسه بالبقاء في المنزل. بينما داهمت فرق أخرى أفراداً معروفين على نطاق محدود، يأتي بعضهم من عشائر وقبائل، وُصفوا بأنهم من أصدقاء الأمير.

أما الاسمان البارزان اللذان حازا على قدر كبير من الاهتمام، فهما باسم عِوَض الله الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والأردنية، والذي عمل فترة مستشاراً في رئاسة الوزراء، ومديراً للدائرة الاقتصادية في الديوان الملكي ووزيراً للتخطيط وللمالية. وبعدما استقال، غاب عن الأنظار فترةً عمل فيها مع رجل الأعمال السعودي الراحل الشيخ صالح كامل، إلى أن عيّن مبعوثاً ملكياً خاصاً إلى السعودية، وعمل أيضاً مستشاراً لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. الشخص الآخر هو الشريف حسن بن زيد، والذي فاجأ اسمه أردنيين كثيرين لم يعرفوا الكثير عنه. وتبين بعد ذلك أنه رجل أعمال يقيم في السعودية، ويدير شركات ناجحة، ودائم التجوال بين الأردن والسعودية.

وقد اختلط على الأردنيين الحابل بالنابل، وطالبوا بمزيد من التوضيح عن نيات هؤلاء الأشخاص الذين بدوا وكأنهم خليط عجيب من رجالٍ لا يمكن أن تتخيل وجودهم معاً في دعوة عامة، أو جاهة عرس، أو غيره. وتساءل الناس عن دور الأمير حمزة، وغيره من الأسئلة. وقدّم وزير الدولة لشؤون الإعلام، صخر دودين، تصريحاً مقتضباً عن القبض على أشخاص بتهمة تعريض أمن الدولة للخطر. ثم جاء تصريح آخر للوزير نفسه يؤكد فيه أن الجهات التي قامت بالاعتقال هي التي ستشرح ملابسات الأمر. وتسرّب خبر من تلفزيون BBC يعرض شريطاً مسجلاً من الأمير حمزة، بالصوت والصورة، يشرح ما جرى معه، مؤكداً أن كل حراسه وأصدقائه قد اعتُقلوا، وأنه رهين الاعتقال المنزلي. وجاء بعد ذلك تصريح من رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق يوسف الحنيطي، يؤكد فيه أنه خاطب الأمير حمزة، موصلاً إليه رسالة تطلب منه الامتناع عن التصريح وبث الأشرطة والآراء المحرّضة. ونفى أن يكون الأمير حمزة رهن الحبس المنزلي، وهو أمر أكده الأمير حمزة في شريطه إلى BBC.

وهاج الإعلام الدولي وماج. وقد أمضيت مساء السبت حتى بعد منتصف الليل أتلقى المكالمات الهاتفية عبر الإنترنت من محطات التلفزة والصحف العالمية لتقديم توضيحات عما جرى. وفِي اليوم التالي الأحد، تلقيت أكثر من 25 طلباً لإجراء مقابلات في برامج ونشرات إخبارية لم أستطيع تلبيتها كلها. وقد جاء هذا الزخم الإعلامي لي ولمسؤولين أردنيين سابقين كثيرين غيري، خصوصاً بعدما أدلى نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، أيمن الصفدي، بتصريح نقل فيه معلوماتٍ عن محاولات الملك عبد الله إقناع أخيه الأمير حمزة بالعدول عن نشر ما يهيّج الناس، ولكن الأمير لم يأخذ بذلك التوجيه. ولذلك أرسل إليه قائد الجيش، لإبلاغه رسالة قوية للتوقف، شفعت باعتقالات حرّاس وأصدقاء.

وحتى تاريخ كتابة هذه السطور، لم يصدر اتهام ضد الأمير حمزة، بل قيل إن الأمن والاستقرار خط أحمر، ولا أحد يعلو عليهما، مهما كانت رتبته أو منزلته. ونقل الصفدي على لسان الملك قوله إن ما قام به الأمير الشاب حمزة من تصريحات غير معهود من أحد من الأسرة المالكة، وإن قضيته ستُعالج ضمن إطار الأسرة. ومع أن معظم أفراد العائلة لزموا الصمت، إلا أن الأمير الحسن بعث رسالة تأييد إلى ابن أخيه الملك عبد الله، مدافعاً عنه بقوة، ومادحاً إياه بأنه رجل سلام ودولة.

وانهالت بدءاً من يوم السبت تصريحات عن وزارة الخارجية الأميركية تؤيّد الملك وأهميته الاستراتيجية، ووصفته بالشريك المهم للأردن، وأنها تدافع عن أمن الأردن، وتؤيّد إجراءات الملك وولي العهد في الحفاظ على الأمن والاستقرار في الأردن. وكان الأردن قد جدّد المعاهدة الأمنية مع الولايات المتحدة قبل شهر تقريباً، وقادت إلى جدل في البرلمان الأردني، وتعليقات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي. وكذلك أرسل نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بيني غانتس، رسالة يؤيّد فيها استقرار الأردن وانتعاشه الاقتصادي، لما لذلك، حسبه، من أثر إيجابي على استقرار إسرائيل وأمنها، فذكر أن ما يجري في الأردن شأن داخلي.

وأصدرت السعودية يوم السبت بياناً عن الديوان الملكي، وآخر من وزير الخارجية، يدافعان عن إجراءات الملك عبد الله وولي عهده في حفظ الأردن، وأكد البيانان الدعم الكامل للأردن ومليكه. وكذلك صرّح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في مقابلة متلفزة، أن التطبيع مع إسرائيل ليس موضع خلاف، فقد أقره مؤتمر القمة العربية عام 2002 في بيروت، ولكن بعد الوصول إلى حل وفق المبادرة العربية بين فلسطين وإسرائيل. واتصل أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، هاتفياً بالملك عبد الله الثاني مؤيّداً وداعماً، وكذلك فعل ملك البحرين، حمد بن عيسى. وصدرت بيانات قوية عن عُمان، والكويت، والإمارات، وتركيا، وإيران، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، ودول أخرى كثيرة.

بعد كل التكهّنات لتفسير ما جرى، ولتحديد الجهات الخارجية ذات العلاقة بما سُميت محاولة لإشعال نار الفتنة في الأردن، بزغت شمس الحقيقة، وهي أن تقاليد الأسرة الهاشمية وآدابها سيطرت على الموقف، وعاد كل الفرقاء إلى مواقعهم. وقَدم الأمير حمزة خطياً موافقته وقبوله بأن يكون جندياً في خدمة الملك والوطن، وأعرب عن تأييده الملك وولي عهده الأمير الحسين بن عبد الله. وجاء ذلك كله بوساطة من الأمير الحسن بن طلال، وبدعم من الأمراء الهاشميين. وهكذا عاد الشعب الأردني ليمارس حياته، وقد تنفس الصعداء أن الأزمة انتهت على خير.

*د. جواد العناني سياسي وخبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى