أقلام وأراء

د. جواد العناني يكتب أوّاهُ يا قدس

د. جواد العناني29/4/2021

يأخذ الوضع في مدينة القدس المحتلة، هذه الأيام، منحىً واتجاهاً خطيرين، فقد لاحظت الحكومة الإسرائيلية أنّ كلّ محاولاتها لتقليل عدد السكان في المدينة، خصوصاً داخل القدس الشريف، قد باءت بالفشل.

وكان المخطط الذي بدأه تيدي كوليك (أول رئيس بلدية للقدس بما فيها القدس الشرقية)، من أجل تهويد المدينة المحتلة لم يفلح كما يشتهون، فأهل القدس الفلسطينيون، مسيحيين ومسلمين، يتمسّكون بالأرض، ويتشبثون بها بأظافرهم. وها هو عدد السكان الفلسطينيين في القدس يتجاوز 360 ألف شخص، حسب أحدث إحصاءات، مقابل 70 ألف نسمة عام 1967.

سياحة مخنوقة

لكنّ هذه المواقف التي يقدمها الفلسطينيون ليست من دون ثمن، فالسياحة إلى مدينة القدس، والأماكن الدينية، وأسواق التحف، والمصوغات والهدايا داخل أسوار القدس العتيقة، مخنوقة من كثرة التنظيم المبالغ فيه من البلدية، ومن ارتفاع الضرائب عليها. وليس هذا فحسب، بل تتحكم سلطات الاحتلال في حركة السياح، وتُدخلهم إلى الأماكن الدينية المقدسة للمسيحيين والمسلمين، ثم تأخذهم ليشتروا بضاعة من الدكاكين الإسرائيلية.

ولكَ أن تتخيل، إن كنت ربّ أسرة، كيف يكون شعورك أو شعور أم طفلٍ تعيش داخل أسوار القدس، وترسل ابنها الصغير مشياً إلى المدرسة العمرية، أو إلى أي مدرسةٍ أخرى للتعلم، فيتعرّض له تلاميذ المدارس اليهود بالتعنيف والضرب والإهانة، لكنّ الأطفال تعوّدوا على ذلك.

وفِي الوقت الذي تُمنع فيه المدارس العربية من التوسّع، أو حتى ترميم الأبنية، فإنّ اليهود المتدينين المتعصبين قد بنوا أكثر من سبع مدارس توراتية داخل أسوار القدس الشريف. أليس هذا جهاداً، علماً أنّ سبعةً من أعضاء الكنيست المتدينين قد تخرّجوا من هذه المدارس.

وانظر بَعْد ذلك إلى التفتيش الذي يمارس ضد قاصدي المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، لكي يقيموا الصلاة هناك، فهم يتعرّضون للتفتيش عند ما يسميه الإسرائيليون “المحسوم” أو نقطة التفتيش.

وتجد جندياً أو جندية إسرائيلية من قوات الاحتلال، جالساً أو جالسة فوق دبّابة، تحمل بندقية أوتوماتيكية، وتُصدر أوامر للسيارات بالوقوف، وتعامل السائقين بإهمال واحتقار. وإذا احتج أحدهم على سوء المعاملة، أمعنوا في تأخيرهم، أو في رفض إدخالهم والطلب منهم أن يعودوا إلى حيث أتوا، مُنكرين عليهم الصلاة.

أزمة التصويت

وتعتبر حكومة دولة الاحتلال الفلسطينيين المقيمين في القدس مقيمين دائمين، بمعنى أنّهم من أهل القدس، ويجوز لهم التصويت في الانتخابات المحلية، لاختيار رئيس البلدية وأعضائها. ويمثل هؤلاء حوالي 40% من القوة التصويتية في القدس الشرقية المحتلة. ويحتار الفلسطينيون في عملية التصويت، فهم إن صوّتوا اعتبروا أنّهم قابلون بالوضع القائم، وإن رفضوا سوف يضيعون الفرصة لعرض مظالمهم في البلدية، والدفاع عنها.

وفي الأحياء المحيطة بمدينة القدس المحتلة، مثل سلوان، والشيخ جرّاح، والعيسوية، وغيرها، انتفض فلسطينيون كثيرون في وجه رفض إسرائيل منحهم تراخيص بناء، وإن منحتها في حالات الندرة تكون مكلفة فوق الحدّ، وبطيئة، فارضةً شروطاً قاسية على حجم البناء ونوعه. ولذلك، هناك آلاف البيوت الفلسطينية التي أقيمت من دون ترخيص، والتي بدأت إسرائيل بإرسال إشعارات إلى أهلها لإخلاء منازلهم تمهيداً لهدمها.

ومقابل ذلك، بدأ السكان اليهود، وبتشجيع من حكومتهم ومن الأحزاب المتطرّفة، يتملكون أراضي وسط هذه الأحياء العربية والبناء عليها.

توغل يهودي

وهذا التحول يعني أنّ اليهود قد توغلوا إلى داخل المدن العربية، ولَم يعودوا مكتفين بمصادرة الأراضي بحجج أمنية وغيرها، وبناء المستوطنات المعزولة عن المدن الفلسطينية. يؤدّي هذا التزاحم إلى مواجهات مستمرة، ويفسح الفرص للجيش والأمن الإسرائيليين بحبس الشباب، وسجن القيادات الفلسطينية، في القدس، بحجة التحريض على الاحتلال وسلطاته. ولذلك فقدت مدينة القدس المحتلة كثيراً من قيادييها البارزين، بهدف تضييع بوصلة أي حراكٍ قد يحصل هناك.

ازدياد عدد سكان القدس العرب في مساحة 13% داخل مدينة القدس المحتلة حوّل الأحياء الفلسطينية إلى “غيتوهات” وأحياء مزدحمة لا تتوفر فيها الخدمات، ولا أبسط ضرورات الحياة.

وبسبب تفشي وباء كورونا، وتراجع أنشطة قطاع السياحة، وارتفاع نسب البطالة، ونقص الدخل، فإن الوضع في كثير من أحياء القدس العربية لا يختلف كثيراً عما نراه في أحياء غزة ورفح في قطاع غزة.

مكمن للاحتجاج

ولذلك، أصبحت مدينة القدس المحتلة بشكلها الحالي مكمناً للاحتجاج، خصوصاً بين صفوف الشباب. ولذلك، حينما أغلقت إسرائيل في شهر رمضان الحالي باب العامود (أو باب دمشق أو باب نابلس)، وباب حطة، فقد اندفع الشباب إلى إعلان رفضهم هذه القرارات العنصرية التمييزية.

“مقاطعة إسرائيل” تطلب انسحاب السلطة الفلسطينية من منتدى غاز المتوسط

ولذلك رأينا تلك الغضبة الساطعة ضد الاحتلال وإجراءاته. وقد سعى رئيس بلدية القدس، الإسرائيلي موشيه ليون، للتغطية بالكذب على قراراته الفاشية، فانفضح سرّه، ودخل الرجال والشباب والنساء الفلسطينيون إلى الأقصى وصلّوا فيه.

نقول للعرب المطبّعين، أرجوكم أن تستعملوا نفوذكم لدى إسرائيل، لكي توقف هذه الأعمال المستهجنة، والتي شجع التطبيع المبكر على إذكائها، وذلك إن كُنتُم تسمعون.

*د. جواد العناني سياسي وخبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى