أقلام وأراء

د. جواد العناني يكتب –  أسعار النفط والغاز إلى أين؟

د. جواد العناني *- 30/9/2021

على الرغم من ارتفاع أسعار مزيج خام برنت، يوم الأحد الماضي، إلى 78 دولاراً للبرميل، بزيادة نسبتها 1.09% عن اليوم الذي سبقه، وارتفاع مؤشر غرب تكساس (WTI) إلى حوالي 74 دولاراً للبرميل (بزيادة 0.93%)، وهي أعلى أسعار وصل إليها النفط خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إلا أن رئيس صندوق التحوط للكربون جيمس كامبل أبلغ وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأميركية بأن هذا الارتفاع في أسعار النفط هو “أكبر قفزة من هرّة ميتة في التاريخ”.

وقال كامبل، الذي يدير صندوق التحوط للاستفادة من الاتجاه لتقليل استخدام الكربون: “إن المضاربين في سوق النفط يسلكون بعدوانية لبيع النفط (Bearish)، على الرغم من ارتفاع مؤشر ستاندرد أند بورز S&P للنفط بنسبة 33%”.

بمعنى آخر، فإن ارتفاع مؤشر سعر النفط بنسبة 33% لم يُغر المضاربين لكي يكونوا عدوانيين في الشراء (Bullish)، متوقعين ارتفاع أسعاره، بل إنهم يتصرفون بعدوانية (bearish) عند البيع. وبمعنى آخر، إنهم يتوقعون أن مدة الارتفاع في أسعار النفط ستكون قصيرة ليعود سعر النفط بعدها إلى الانخفاض.

سلوك المضاربين الذي يتناقض مع سلوكيات السوق في المدى القصير يدل على أن هذا الارتفاع في أسعار الخام الأسود سيفيد صناديق التحوّط التي قبلت أن تضمن أسعار النفط عند مستوى معين، وعند تنفيذ تعاقدات الشراء المضمون سيكون سعر النفط قد هبط، ما يمكّن صناديق التحوّط من تحقيق أرباح عالية.

ومن أحد أهم أسباب ارتفاع أسعار النفط حالياً ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية، خصوصا لأغراض توليد الكهرباء والاستخدامات الصناعية والمنزلية. وسوف يكون الرابحون من ارتفاع أسعار الغاز الدول المصدّرة لهذه المادة، ومن أكثرهم روسيا. وقد تبيّن أن روسيا لا تملك مخزوناً كافياً من الغاز لمواجهة الطلب العالمي المتزايد، وبخاصة الطلب الأوروبي. وفي ظل التوقعات بموسم شتوي بارد سيتضاعف الطلب على الغاز لأغراض التدفئة.

ونحن نعلم أن الغاز والنفط سلعتان متنافستان مثل القهوة والشاي. وإذا ارتفع سعر القهوة، فإن هذا بالضرورة سيؤدّي ولو بعد فترة إلى ارتفاع سعر الشاي. وكذلك هو شأن الغاز والنفط. وبفعل التكنولوجيا، لا يتقاطع الطلب على الغاز دائماً مع الطلب على النفط، فالغاز لا يستعمل وقوداً للنقل، ولكنهما يتقاطعان في توليد الكهرباء، وفي المصانع المستخدمة استخداماً كثيفاً للطاقة، وفي غيرها من الأغراض. ولذلك، سوف يؤدّي ارتفاع أسعار الغاز، ولو لفترة، إلى ارتفاع أسعار النفط، وهذا ما حصل فعلاً.والأسباب الأخرى تتعلق برفض السعودية أن تزيد إنتاجها من النفط بهدف تقليل الأسعار. وبهذا الموقف السعودي، فإن استجابة سوق النفط العالمي لزيادة الطلب عليه بقيت محدودة جداً، ما أبقى فجوة الطلب، وأدّى إلى ارتفاع أسعار النفط.

والواقع أن السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة في فرض حصار على دول كبيرة مصدّرة للنفط، مثل إيران وفنزويلا، ودول أقل إنتاجاً، مثل سورية، تحد من القدرة على زيادة كميات الإنتاج النفطي.

ولذلك، سيؤدّي ارتفاع سعر النفط إلى فوق السبعين دولاراً بعد فترة إلى بروز ظاهرتين:

الأولى أن إغراء المخاطرة بشراء نفط مُقاطع من إيران وفنزويلا سوف يزداد، لأن الهامش بين سعري النفط العالمي والنفط الذي تبيع به هاتان الدولتان في ضوء حاجتها للسيولة من العملات الأجنبية سيجعل محاولات تحدّي الحصار المفروض عليها مجديةً إلى أقصى حد. من هنا، قد تؤدّي أي محاولات للحد من حركة الناقلات النفطية في الممرات المائية في منطقة الشرق الأوسط إلى تسخين المنطقة، ما يهدّد استمرار تدفق النفط. وهذا أمر قد لا تريده الولايات المتحدة.

النقطة الثانية، تتعلق بعودة كثيرين من أصحاب الآبار الهامشية أو منتجي النفط من الرمل الصخري إلى استخراج النفط بسبب ارتفاع الأسعار. وقد بدأت هذه الظاهرة في البروز خلال الشهرين الماضيين. وصحيحٌ أن مقدار الزيادة في المعروض من النفط بهاتين الطريقتين قد لا يكون كبيراً جداً بالأرقام الفعلية والنسب المئوية، ولكنه سيكون تجسيراً لجزء من فجوة العرض، والتي سيكون لها أثر على تخفيض أسعار النفط في أميركا الشمالية بنسب أعلى من كمياتها، لأن هذه النسب تأتي في الجزء الأعلى من منحنى العرض، حيث تكون المرونة عالية، أي أن نسبة الزيادة في الكمية المعروضة ستُحدث تخفيضاً نسبياً أعلى على الأسعار.

ويبقى بالطبع التحدّي الأساسي الذي يواجه الطلب على النفط ومصادر الطاقة الكربونية، وهو الوعي المتزايد بضرورة العمل على تقليل انبعاث الغازات الكربونية والكبريتية، بسبب التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية التي شهدها العالم خلال العامين 2020 و2021، خصوصا الأخير.

وقد انطوت الزلازل والبراكين والحرائق والأعاصير على إتلاف كبير للمباني والبنى التحتية في مدن كثيرة، ما كبّد موازنات الدول المركزية والبلدية نفقاتٍ إضافية باهظة، وأجهد موازنات شركات التأمين، وهدّد أرصدة المصارف والمؤسسات المالية. ومن هنا، تشكّلت كتلة ضغط سياسي لمواجهة تحدّي البيئة وتقليل استخدام مصادر الطاقة الهيدركربونية.

وقد لوحظ أن معظم رؤساء العالم ورؤساء الوفود الذين ألقوا خطاباتٍ في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام قد أكّدوا التزامهم بمكافحة التلوث والتغير المناخي الحادّ، وأبدوا الاستعداد الكامل للتعاون مع بقية دول العالم للإسراع في برامج التحوّل عن النفط ومشتقاته.

وقريباً ستصبح نسبة عالية من السيارات تسير على الكهرباء مع انتشار السيارات الكهربائية وزيادة إنتاجها، ما يزيد الطلب على الغاز أولاً، وعلى الطاقة الكهربائية المولدة من الطاقة المتجددة كالشمس والرياح والهيدروجين والحرارة الأرضية ثانياً.

التحوّل إلى وسائل النقل الكهربائية سيعني انخفاض الطلب على النفط السائل بنسبة لا تقل عن 40 – 45%، ومن هنا، تزداد فسحة النفط ضيقاً، وستشهد الأيام المقبلة تذبذبات وتقلبات في أسعاره، ولكن المؤشّر العام يميل نحو الانحدار.

*د. جواد العناني سياسي وخبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى