أقلام وأراء

د. جبريل العبيدي: ليبيا… الدولة المؤجلة والرئيس المغيب

د. جبريل العبيدي 2-12-2025: ليبيا… الدولة المؤجلة والرئيس المغيب

منصب الرئيس في ليبيا مغيب منذ فبراير (شباط) 2011، ويتنازع على إنابته الجميع؛ بدءاً من المجلس الانتقالي عام 2011، مروراً بالمؤتمر الوطني عام 2012، وانتهاءً بالبرلمان ومجلس الدولة المتمدد عن المؤتمر الوطني والمجلس الرئاسي، والأخير منتج اتفاق جنيف، والجسم الهجين الجديد المسمى «مجلس الرئاسات»، وجميعها تزعم أحقية الإنابة عن الرئيس المغيب.

في ظل الرئيس المغيب، أصبحت ليبيا في حكم الدولة المؤجلة بعد أن أصبحت الأزمة الليبية ضحية الترحيل المتعمد من حوار غدامس الليبية إلى ماراثون اتفاق الصخيرات المغربية إلى تونس، مروراً بصلالة في سلطنة عمان، وتوقفاً عند جنيف، وبرلين الأولى والثانية، وباريس الأولى والثانية، مع إعادة تكرار الوجوه والشخوص نفسها تقريباً بترتيب مختلف الصورة والنمطية التي لم ولن تنتج حلاً ممكناً قابلاً للتعايش أو التطبيق والديمومة، أو حتى يصلح يكون خطوط ومعالم خريطة طريق للخروج من الأزمة.

وفي زمن تغييب الرئيس، تعرضت الأزمة الليبية لسياسة الإغراق في مستنقع كيسنجر بصراع الفرعيات وتفتيت الأزمة وترحيل الحل من مكان إلى آخر، فمنذ نقل الحوار من ليبي – ليبي على أرض ليبية إلى حوار متعدد الجنسية، صارت في ليبيا اليوم حكومتان متنازعتا الشرعية، ثم تأتي الدعوة لإنتاج حكومة ثالثة أو هجينة من الحكومتين الشرقية والغربية، وتعتبر إطالة عمر الأزمة الليبية سبباً لحالة الاستنفاع والتنفع والاسترزاق منها، حيث يسعى كثير من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية إلى استمرارها.

تأتي أهمية وجود الرئيس المغيب في خلق التوازن والفصل بين السلطات، فتغييب الرئيس كان عن طريق تأجيل الانتخابات التي في الأصل هي حق للشعب، وكان سببه الأجسام «المنتخبة» التي فضلت البقاء في السلطة من دون شرعية استمرارها بحجج متعددة؛ منها فزاعة «القوة القاهرة»، بينما واقع الحال هو تمسك هؤلاء بالسلطة والامتيازات كما وصفتها المبعوثة الدولية السابقة ستيفاني وليامز بالقول: «الفشل الحقيقي هو فشل ليبي بامتياز ويخص النخبة السياسية، التي لا تريد الانتخابات لسبب رئيسي واحد هو أنها ستخسر امتيازاتها».

في الانتخابات تتعدد طرق الانتخاب والترشح، فمن جهة، هناك الترشح الفردي؛ وهو أن يرشح الفرد نفسه ويكون التصويت هنا لصالح الفرد، وهنا كثيراً ما يحدث الخلط بين الفرد والمنصب، وقد يتأثر الناخب في كثير من الأحيان بعوامل قد تنحرف بسير الانتخاب من اختيار الأصلح للمنصب، إلى اختيار على أساس شخصي تتحكم فيه أحياناً كثيرة العوامل المؤدلجة أو الجهوية والقبلية وحتى المال، ومن جهة أخرى، هناك الترشح لانتخاب ضمن قائمة مغلقة ذات برنامج محدد تطرحه القائمة، يكون هنا الانتخاب أكثر ضماناً للتحرر من سلطة أصحاب المال إلى اختيار البرنامج الأصلح لخدمة البلد من دون النظر للأشخاص، حيث تتم المفاضلة بين البرامج والأفكار، ولا وجود للعلاقات الشخصية ضمن هذا النوع، ولعل من أهم مقومات الانتخاب هو وجود إطار تشريعي ومنظم له، ويكون فيه حق الانتخاب مكفولاً للجميع من دون إقصاء لأي مكون ليبي.

ليبيا هي وطننا؛ سواء كان الرئيس حاضراً أم مغيباً، وسواء أجريت الانتخابات أو لم تجرَ، فليبيا ليست محطة ترانزيت، وليست حكراً لفئة أو جماعة ضالة أو حتى صالحة، فليبيا ليست عقاراً للاستحواذ عليه، أو حزباً جعل الحسابات الحزبية تعلو على مصلحة الوطن العليا، فيصبح هذا الحزب همه مناكفة الحزب المضاد والتضحية بمصلحة الوطن وسلمه الاجتماعي، وإقصاء الخصم السياسي في أي حوار أو مشروع أو قانون، فهناك من يقسم الوطن على مقاس حزبه وأعضائه، وهذا بسبب توارث مفاهيم خاطئة عن الوطن والمواطنة والمصلحة الوطنية نتيجة تردي الفكر والخطاب السياسي وفشل النخبة، وتكريس ثقافة الحزب والولاءات.

الانتخابات قد تكون آلية للخروج من هذا النفق الضيق الخانق، ولكن هناك اشتراطات وطنية، تسبقها على رأسها التحرر من العباءة الحزبية أو الفئوية، في التعاطي مع الاستحقاقات الوطنية العامة؛ مثل العقد الاجتماعي والدستور الذي يجب أن يكتب بلغة واضحة غير قابلة لا للتأويل أو التضليل، ويجب أن يكون بتوافق جميع الليبيين.

ليبيا بعد تغييب دام لأربعة عقود عن آخر تجربة انتخابية، وتغييب لمنصب الرئيس لعشر سنين عجاف ونيف غاب فيها حتى رغيف الخبز والأمن والأمان، وليس فقط الديمقراطية والانتخابات، لا يمكن لأي دعوة جديدة إلى انتخابات ضمان نتائجها وسلامة إجراءاتها، بل حتى لا يمكن ضمان الاعتراف والإقرار بالنتائج من جميع الأطراف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى