أقلام وأراء

د. أنور محمود زناتي: من الفنكوش إلى الأسطورة.. قراءة نقدية لخطاب عيديت بار حول فلسطين

د. أنور محمود زناتي 17-09-2025 من الفنكوش إلى الأسطورة: قراءة نقدية لخطاب عيديت بار حول فلسطين

نشرت الباحثة الأكاديمية الإسرائيلية، عيديت بار، مقطع فيديو على صفحتها بمنصة إكس تناولت فيه “القضية الفلسطينية “تاريخيًّا، وأصل مقولة أن “اليهود سرقوا أرض فلسطين”. وقالت فيه: “يقولون لكم من وأنتم صغار إن اليهود سرقوا أرضنا، اليهود احتلوا فلسطين، طيب خليني أفهم بس كيف ممكن تسرق أرض من حدا ما كانش عنده دولة أصلًا.. دولة فلسطينية؟ بأي سنة؟ أعطوني سنة واحدة بس، مين كان رئيسها؟ شو اسم العملة؟ شو كان لون الجواز؟ لا بس شعار اخترعوه في الستينيات زي ماركة ملابس بس بلا ملابس يعني مثل الفنكوش تبع فيلم عادل إمام..” وتابعت بار قائلة: “الحقائق الي بتوجع، فلسطين! فلسطين كانت اسم إداري بريطاني مؤقت، مش دولة ومش عربية ومش كيان مستقل، وكان فيها يهود دائمًا من أيام الرومان مرورًا بالاستعمار التركي لحد الإنجليز رغم التضييق ورغم الطرد ورغم المذابح، اليهود ضلوا موجودين مش ضيوف، سكان أصليين بدكم الحق ولا ابن عمه؟”

وأضافت “خليني أصدمكم، الصهاينة حاولوا يتفادوا الحرب، ووافقوا على خطة التقسيم سنة 1947 والعرب رفضوا وبعثوا 5 جيوش تمحي الدولة الجديدة، وعبد الرحمن عزام باشا وعد بإبادة يهود فلسطين، وإيش صار؟ الي بيصرخ ’نكبة‘ اليوم، بينسى مين بلش الحرب، وعلى رأي القائل: ’الي فتح الباب للريح لا يلوم إلا حاله‘ يعني بالمختصر ما سرقناش الأرض، رجعنا على أرضنا، وإذا هذا وجعكم معناته الحق مش على التاريخ، الحق على الكذبة الكبيرة الي صدقتوها.”

 ومن هنا يتوجب على كل باحث منصف أن يفند مقولاتها بصورة علمية دون تعصب أو تزييف للحقائق التاريخية الثابتة، وقرع الحجة بالحجة.

عن الدولة والكيان السياسي الفلسطيني:

قبل الانتداب البريطاني (1917-1948) كانت فلسطين جزءًا من الدولة العثمانية، لكنها كانت تتمتع بوضع إداري واضح ضمن ولاية سوريا الكبرى، ثم أصبحت متصرفية القدس مباشرة تحت الباب العالي منذ 1872 نظرًا إلى أهميتها. وكان لفلسطين كيان سياسي وإداري محدد بحدود معروفة من شمالها إلى جنوبها. ومع انهيار الدولة العثمانية، أعلنت فلسطين كيانًا جغرافيًّا وسياسيًّا مميزًا ضمن نظام الانتداب.

علم فلسطين:

العلم الفلسطيني الذي تعتمده منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية اليوم، هو علم له جذور تاريخية، وأصل هذا العلم هو علم الثورة العربية الكبرى سنة 1916، الذي تبنته الحركة الوطنية الفلسطينية في أوائل القرن العشرين، وعدّل في ترتيبه لاحقًا ليصبح: الأسود: العباسيون، الأبيض: الأمويون، الأخضر: الفاطميون، الأحمر: الثورة.

وقد استُخدم هذا العلم في المؤتمرات الفلسطينية، منها مؤتمر القدس 1919 ومؤتمر نابلس 1920 وأثناء ثورة 1936-1939، واعتمد رسميًّا من قبل منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964.

العملة الفلسطينية:

نعم، كان هناك عملة خاصة بفلسطين، واسم العملة الجنيه الفلسطيني، وزمن الإصدار (1927-1984)، وصدر بموجب أمر المندوب السامي البريطاني، وجرى تداوله بدلًا من الليرة العثمانية والجنيه المصري. ومواصفاته: مكتوب عليه باللغات العربية والإنجليزية والعبرية، وكان يساوي الجنيه الإسترليني وفئاته 1، 5، 10، 50، 100 مل و¼، ½، 1، 5، 10، 50، 100 جنيه، ويمكن العثور على العملات الأصلية في المتاحف الفلسطينية والمؤسسات النقدية العربية حتى اليوم.

IMG_0644.JPG

جنيه فلسطيني اصدار عام 1929 م عليه صورة المسجد الأقصى

الجواز الفلسطيني:

         نعم، صدر جواز سفر فلسطيني في عهد الانتداب البريطاني: ولون الجواز أخضر قاتم مكتوب عليه: حكومة عموم فلسطين — جواز سفر All-Palestine Government Passport

IMG_0645.JPG

      واستُخدم للفلسطينيين المسيحيين والمسلمين واليهود معًا أثناء الانتداب، ما يفنّد ادعاء أن فلسطين لم تكن قائمة كوحدة سياسية أو سكانية.

أدلة دامغة أخرى:

 وجدنا مؤتمرات وطنية فلسطينية منذ مؤتمر القدس 1919 حتى مؤتمر يافا 1947، حيث عقد الفلسطينيون مؤتمرات وطنية لإدارة شؤونهم والدفاع عن وطنهم، وحدثت ثورات منها ثورة 1936-1939، وهي ثورات شعبية فلسطينية بقيادة اللجنة العربية العليا مطالبة بالاستقلال.

 أما عن نص قرار الانتداب البريطاني فيعترف صراحةً بفلسطين كيانًا جغرافيًّا وسياسيًّا مستقلًّا عن سوريا الكبرى، وإذا رجعنا إلى الخرائط البريطانية والعثمانية، وهي خرائط تعود إلى القرن 19 وبداية القرن 20 نجدها تحمل اسم “فلسطين” بحدود واضحة.

مقولات واعترافات دامغة لصهاينة ويهود عن حق العرب في فلسطين:

 نورد بعض المقولات والاعترافات الدامغة لصهاينة ويهود عن حق العرب في فلسطين من مصادر موثقة: مذكرات، وكتب، وخطب سياسية، ومقالات صحفية، وأبحاث أكاديمية. وأغلبها موثق في أرشيفات إسرائيلية، وكتب منشورة بالعبرية والإنجليزية، ودراسات مترجمة للعربية.

تيودور هرتزل (مؤسس الحركة الصهيونية) في مذكراته سنة 1899: “إذا أردنا أن نقيم وطنًا لليهود في فلسطين، فعلينا أن نشجع الفقراء من السكان العرب على مغادرتها، بأن نوفر لهم فرص العمل خارجها، ونصادر الأراضي تدريجيًّا.” هذا إقرار واضح بوجود سكان عرب أصليين في الأرض.

بن غوريون (أول رئيس وزراء لإسرائيل) في رسالة 1937: “علينا أن نُجلي العرب ونأخذ أرضهم بالقوة. هم يعرفون أن هذه بلادهم الحقيقية.”

       بوجود شعب عربي على هذه الأرض.”

جدعون ليفي (كاتب وصحفي إسرائيلي معاصر) في مقالاته بـ”هآرتس”: “فلسطين أرض عربية، وما قامت به الحركة الصهيونية كان استيلاءً بالقوة، والاحتلال هو أكبر خطيئة أخلاقية في تاريخ إسرائيل.”

مارتن بوبر (فيلسوف يهودي صهيوني معارض للسياسات الإقصائية) قال سنة 1948: “لا يمكنني قبول أن يُجلب السلام لشعبي عبر طرد شعب آخر من أرضه.”

 إسحاق ليبشيتز (رئيس حركة بَريت شالوم اليهودية 1925): “ليس من حقنا فرض سيادتنا على أهل هذه الأرض، إنما أن نعيش فيها مع العرب كشعبين متساويين في الحقوق.”

إيلان بابيه (مؤرخ إسرائيلي معاصر) في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين” 2006: ما حدث في 1948 لم يكن حربًا، بل تطهيرًا عرقيًّا ممنهجًا بحق الفلسطينيين، واقتلاعهم من أراضيهم عن سبق إصرار.”

إيشعياهو ليبويتش (فيلسوف يهودي ديني): “استمرار احتلال الأرض الفلسطينية سيجعل من اليهود أخطر احتلال في التاريخ الحديث.”

من هنا نجد أن رواية عيديت بار باطلة علميًّا وتاريخيًّا، وأن فلسطين كانت، وما تزال، كيانًا وطنيًّا تاريخيًّا وجغرافيًّا وثقافيًّا قبل احتلال المشروع الصهيوني لها.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى