أقلام وأراء

د. أماني القرم تكتب – ما سر الانقلاب في السياسة التركية تجاه مصر؟

بقلم د. أماني القرم  *- 21/3/2021

أحرق النظام التركي كل الجسور بينه وبين مصر منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في البلاد منهيًا حكم تنظيم الاخوان المسلمين الى غير رجعة عام 2013. لم تقتصر السياسة التركية على انتقاد الداخل المصري فحسب، وإنما ذهبت بعيدا في عدائها وباتت استانبول مركزاً نشطاً لاستقبال جميع المعارضين والمهاجمين ضد النظام المصري، وفتحت الهواء لاستضافة قنوات فضائية دعت صراحة الى قتل الضباط المصريين.

منذ شهور قليلة تشهد العلاقات بين البلدين نوعاً من التهدئة، وربما كان الجانب التركي أكثر حرصاً على تبريد درجة المنافسة الساخنة بين أنقرة والقاهرة، سرعان ما تحولت الى مغازلة صريحة من المسؤولين الاتراك لمصر في الايام الماضية، توّجت بفرض السلطات التركية تعليمات مشددة لفضائيات الاخوان التي تستضيفها بإيقاف البرامج السياسية التي كانت تنتقد الداخل المصري بشراسة منقطعة النظير، وقد كانت القرارات التركية صارمة بحيث أن المخالفين سيواجهون عقوبات تصل الى الاغلاق والترحيل.

هذا التحول الدراماتيكي في التوجهات التركية إزاء مصر بعد ثماني سنوات من العداء غير المسبوق والتنافس الاقليمي لم يأت اعتباطاً وإنما لمراجعة دقيقة من أسبابها مايلي:

الأول: التقييم لتجربة الاخوان المسلمين في الحكم. من الواضح أن فشل التجربة وتراجع حظوظها وحلفائها إقليميا ودوليًّا في عدد من الدول، فضلا عن تثبيت دعائم حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي جعل تركيا تقتنع أنها تراهن على الحصان الخاسر، إضافة الى أن محاولات استبدال مصر بدولة أخرى باءت بالفشل.. فمصر /مهما تعرضت لهزات اقتصادية وسياسية/ لا تماثلها دولة إقليمية أخرى في الثقل الاستراتيجي وأساسية الدور ولا يمكن أن يستقيم تحالف شرق أوسطي دونها، وتجارب الدول والحركات التي حاولت استبدال الدور المصري في السنوات السابقة ذهبت في مهب الريح. كما أن السياسة المصرية رشيدة ومعتدلة ووسطية لا تطمح للتوسع، أي أنها دائما تكون مستعدة للتعاون والتكامل والتضامن مع دول المنطقة شريطة عدم تدخل هذه الأخيرة في شؤونها الداخلية. وعليه فخسارة حليف بحجم مصر مكانة ووزناً هو أبرز مظاهر فشل السياسة الخارجية لأي دولة في المنطقة.

الثاني: قدرة مصر على مجابهة الطموحات التركية في ليبيا وشرق المتوسط. حيث نجح النظام المصري في السنوات الأخيرة أن يضع وبصرامة خطوطه الحمراء في علاقاته الاقليمية والدولية. وأثبتت مصر لتركيا أنها ندّ لا يستهان به. وفي حين أن الحضور المصري الاستراتيجي كان يسير في منحنى تصاعدي لبناء شبكة علاقات مع الدول المجاورة، فإن العزلة التركية ازدادت شرقا وغربا بفعل تدخلاتها الخارجية وخلافاتها مع الدول المحيطة.  الملف الليبي كان أحد الملفات التي كادت أن تؤدي الى مواجهة مباشرة بين الطرفين.  استطاعت مصر حماية أمنها القومي من الجهة الغربية وردع التقدم التركي نحو الحدود المصرية حين أعلن السيسي صراحة نيته الحاسمة التدخل العسكري المباشر اذا ما تخطت عناصر حكومة الوفاق المدعومة من أنقرة الخط ما بين سرت والجفرة في الشرق الليبي قريبا من الحدود المصرية.

وفي خطوة مضادة قامت مصر بتمتين علاقاتها مع قبرص واليونان (أعداء تركيا التاريخيين) عبر ترسيم الحدود البحرية وإجراء مناورات بحرية مشتركة وإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط  (7 دول بينها اسرائيل)، والاتفاق على مشاريع لاستخراج الغاز في ظل تجاهل تام ومقصود وتحدي صريح ورادع لتركيا.

المحصلة وجدت أنقرة نفسها معزولة دون حلفاء، وأيقنت أن الاستنزاف الناتج عن تدخلاتها واستثمارها في ملفات خاسرة جغرافيا كلّفها سياسيًّا واستراتيجيًّا واقتصاديًّا أضعاف مكاسبها. وربما المراجعة الحالية لسياستها والانتقاد المتزايد في الداخل التركي لعلاقتها المتدهورة مع مصر، ولملمة النفوذ وإعادة التموضع الى الوراء سيعيد لها بعضاً مما خسرته.

كان ممكن لتركيا أن تكون نموذجا لباقي دول المنطقة لو أنها التزمت بالرؤية الطموحة التي أعلنتها عام 2002 والمتمثلة بـ”صفر مشاكل” لكن الحسابات الخاطئة بعد عشرين عاماً أنتجت صفر أصدقاء..!

* الكاتبة اكاديمية تقيم في قطاع غزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى