أقلام وأراء

د. أماني القرم تكتب – دبلوماسية اللقاح وغياب الأخلاق..!

بقلم د. أماني القرم  *- 28/2/2021

ونحن نعيش ملامح عالم جديد يعرف بعالم ما بعد “كورونا”، ستبقى ارتداداته معنا لسنوات طويلة قادمة لن تقف عند تغيير أسلوب الحياة فحسب، بل ستشكل تحولات القوة السياسية والاقتصادية وطبيعة العلاقات الدولية وأدواتها.. فإن أحد المفاهيم الجديدة في هذا العالم هو دبلوماسية اللقاح.. والمقصود به استخدام اللقاح كوسيلة لتحقيق أهداف الدولة إمّا لفرض النفوذ أو لتعزيز العلاقات بدولة أخرى.

وقد ظهرت اسرائيل والهند والصين وروسيا كأبرز الدول المنخرطة بهذه الدبلوماسية.. بالنسبة للصين وروسيا قامتا بإرسال آلاف اللقاحات الى دول في أمريكا الجنوبية بهدف تعزيز مكانتهما العالمية في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ضمن استراتيجية طويلة المدى. بينما تفوقت الهند في معركة دبلوماسية اللقاحات على منافستها الصينية، حيث تبين التقارير أنها بصدد تصدير أكثر من 6 ملايين لقاح مجاني الى العالم الفقير والاسواق الناشئة مقابل 3 ملايين ونصف لقاح صيني، تم تخصيص الكمّ الأكبر منها الى محيطها المجاور كنيبال وبنغلاديش وسريلانكا للتغلب على النفوذ الصيني في هذه المنطقة وتقديم نفسها كمنقذ وكقائد عالمي..

أما اسرائيل فهي الحكاية الكبيرة.. رغم أنها تحتفي بأنها الاولى في العالم في توفير اللقاح لسكانها حيث حصل على التطعيم حوالي نصف السكان، ورغم أن اللقاحات متكدسة في مخازن الصحة لديها، اخترعت هدفاً إضافيًّا لدبلوماسية اللقاح هو العقاب الجماعي في منافاة لأبسط الاخلاقيات العالمية وفي إصرار على التصرف كدولة احتلال وفصل عنصري طبي، وذلك بدلاً من التصرف كالهند في معاملة جيرانها ومحاولة بناء جدران الثقة. ففي حين أنها تعهّدت بارسال اللقاحات لدول بعيدة كتشاد وهندوراس وأثيوبيا وحتى موريتانيا (من أجل مكاسب سياسية حين الحاجة)، تتجاهل أكثر من 5 ملايين فلسطيني متعمدة بل وتمنع دخول اللقاحات الواردة من دول أخرى وفي أحسن الأحوال تتعرض هذه اللقاحات الى الابتزاز والمساومة السياسية اثناء مرورها الى غزة والضفة..

أيّ عدمية أخلاقية وعنصرية فجة هذه التي يتم فيها توفير تطعيم للناس في جهة مقابل حرمان ملايين البشر في الجهة الاخرى التي تبعد كيلومترات قليلة .. وزير صحة اسرائيل رد بوقاحة على الاتهامات بعدم توفير اللقاحات للفلسطينيين “عليهم ان يتعلموا كيف يعتنون بأنفسهم”..! كيف؟ واسرائيل تسيطر على جميع المنافذ وكل ما يدخل ويخرج يخضع لمراقبتها ولسياسة السماح والمنع حسب رغبتها. كيف واسرائيل تحتل معظم الأرض والسماء وتخلق القيود على الحركة الفلسطينية؟

قبل عدة أيام تمت صفقة غامضة تشبه عملية تبادل أسرى بين سوريا واسرائيل بوساطة روسية تم فيها تحرير إثنين من السوريين مقابل فتاة اسرائيلية دخلت (يقال بطريق الخطأ) الى الاراضي السورية. المهم في هذا الأمر هو أحد بنود هذه الصفقة السرية التي يتم بمقتضاه شراء الحكومة الاسرائيلية عدد غير معلن من لقاحات سبوتنيك الروسي لتزويده للحكومة السورية..! أحمد الطيبي غرّد على تويتر متسائلاً: “هل ننتظر أن يدخل يهودى الضفة الغربية أوغزة حتى يحصل الفلسطينيون على اللقاح؟”

دبلوماسية اللقاح تبرز أن عالم ما بعد كورونا أشد تغوّلاً وشراسة لأنها تعتمد على الانتقائية والمصالح أمام صحة الانسان..

ويستمر العالم باتهامنا بأننا نعلق الأخطاء على شماعة اسرائيل.. لكنها الحقيقة.

  * الكاتبة اكاديمية تقيم في قطاع غزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى