أقلام وأراء

د. أسعد عبد الرحمن يكتب – واشنطن وبكين وآفاق «الحرب التجارية»

د. أسعد عبد الرحمن  *- 26/3/2021

طوال سنوات أربع، اتخذت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب موقفاً متشدداً تجاه الصين، بلغ ذروته مع إعلان البلدين فرض رسوم جمركية متبادلة، فيما يتوقع خبراء الاقتصاد أن إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن ستكون أكثر عقلانية حيال الحرب التجارية مع الصين، لكنها ستظل مجبرة على الاستمرار في إعاقة طموح الصين بالحصول على لقب «أكبر اقتصاد في العالم»، الذي يتوقع أن تصله، كما تخطط بكين ووفق المؤشرات الاقتصادية، في غضون 20 عاماً المقبلة. وعليه، فليس من المتوقع أن يكون هناك تغيير ملحوظ في السياسة الأميركية تجاه الصين في عهد بايدن، قياساً إلى سياسة سلفه ترامب، وإن جاءت السياسة الجديدة أقل صرامة وعدائية، مع استخدام واشنطن لعلاقتها مع أوروبا، خاصة ألمانيا، كورقة رابحة في إعاقة النمو الاقتصادي الصيني. هذا مع العلم بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وارتباطها باتفاقيات مع بكين سيمثّل عقبةً أمام مساعي الولايات المتحدة، بالإضافة إلى سعي الإدارة الأميركية الجديدة إلى حشد الدول المتحالفة معها لمواجهة الصين.

إدارة بايدن ستحاول الوقوف في وجه الصين، لكنها ستتبع أسلوباً أكثر عقلانية من الناحية السياسية على عكس إدارة ترامب، وربما عبر إقامة حوار بين البلدين بغية الوصول إلى حلول وسطية تحافظ على التوازن الاقتصادي. ورغم ذلك، لا يزال التوتر بين البلدين مستمراً ويتواصل. ففي أول اجتماع مباشر رفيع المستوى منذ أن تولى بايدن مهام منصبه، أنهى كبار الدبلوماسيين الأميركيين والصينيين يومين من المحادثات المكثفة في ألاسكا. وفي تعليقات عامة نادرة، تبادل وزير الخارجية الأميركي (أنتوني بلينكين) ونظيره الصيني (وانغ يي) وجهات نظر متباينة بشدة. ثم تلاها توجيه الولايات المتحدة اتهامات مختلفة للصين، قبل أيام، بعضها يتعلق بقضايا الديمقراطية وأوضاع الأقليات. هذا، بينما وجهت بكين اتهامات إلى واشنطن بالتمييز والكراهية «وحتى القتل الوحشي للأشخاص المنحدرين من أصول أفريقية وآسيوية». وجاء هذا الاشتباك في احتفال الجمعية العامة للأمم المتحدة باليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري!

في عهد الإدارة السابقة، أغلقت جميع قنوات الحوار بين البلدين، وانخفض الشعور بالثقة إلى أدنى مستوياته، الأمر الذي أدى إلى تكبيد الجانبين أضراراً اقتصادية كبيرة. هذا، ومن المتوقع أن الصراع بينهما سيأخذ منحى أكثر شمولية خلال السنوات المقبلة، وسيكون للتحالفات الاقتصادية دورها البارز في معادلة التنافسية بين واشنطن وبكين. ومما يجدر بنا هنا التأكيد عليه أن الموقف الصارم للولايات المتحدة حيال النمو الصيني لم يكن موقفاً خالصاً لترامب وحده، بل هو سياسة استراتيجية للولايات المتحدة منذ سنوات طويلة. لذا، ستستمر سيطرة روح التنافس على العلاقات بين واشنطن وبكين، رغم بروز احتمالات خفض حدة الصراع نسبياً مقارنة بعهد ترامب.

ولعل الأمر الخطير حالياً يتجلى في أن أيديولوجيا صراع الهيمنة الجاري في الوقت الحالي بين بكين وواشنطن ربما يؤذي العالم كثيراً، وسط تحديات جائحة كورونا وما يرافقها من كساد اقتصادي عالمي. ذلك أن صراع الهيمنة بينهما مبني –حتى الآن- على أن تحقيق المكاسب لا يتم لطرف إلا بخسارة الطرف الآخر! ولعل هذه الحقيقة الصارخة والمؤذية ستدفع الطرفين إلى التهدئة ومباشرة التفاوض بحثاً عن حل وسط!

*د. اسعد عبد الرحمنكاتب وباحث سياسي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى