أقلام وأراء

د. أسعد عبد الرحمن يكتب – معاً ضد الإرهاب

د. أسعد عبد الرحمن *- 13/11/2020

في العقدين الأخيرين، أضحى أمن القارة الأوروبية واقعاً تحت تهديدات متواصلة ومحتملة لعمليات إرهابية. وبات الواقع الأوروبي المجتمعي والسياسي والأمني يظهِر القلق والخوف من حدوث هذه الهجمات. فحالة الشك والارتياب المسيطرة على المجتمعات الأوروبية فيما يتعلق بحدوث عمليات إرهابية مفاجئة تتجلى من خلال انتشار شبه دائم لمختلف أجهزة الأمن في الشوارع الأوروبية.

ومع وقوع بعض الحوادث الإرهابية الإسلاموية مؤخراً في دول أوروبية، مثل فرنسا والنمسا، نعيد التأكيد على أن الإرهاب والتطرف ليسا مرادفين لدين أو عرق بعينه. فالخطر الأصولي قد ينبع أيضاً من الفكر الديني اليميني الغربي الرافض لكل ما هو خارج عن دائرة معتقداته وثقافته ولونه. وهذا اليمين هو نفسه الداعي إلى التدخل القسري واستخدام العنف واستعمال السلاح لفرض التقاليد والقيم، ودفع من يحملون ويؤمنون بهذه الأفكار والتوجهات إلى ارتكاب أعمال إرهابية لتخليص مجتمعاتهم مما يعتبرونه «مظاهر غريبة» تحت غطاء «الإسلاموفوبيا»! فهذا اليمين ينفث الأفكار التي تعتمد في خطاباته على العرق والثقافة، وحتى الدين، خاصة أن العالم اليوم، ومنذ عدة سنوات مضت، يعيش عهداً من تزايد هيمنة التطرف القومي والديني، حيث نجد أن المحافظين المتشددين باتوا يسيطرون على عدد من حكومات دول العالم عبر صناديق الانتخابات!

في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، حين أخفقت القوى القومية والاشتراكية بالدفع بمطالب التغيير والديمقراطية في بلدان العالم العربي، وبعد أن تآكل دورها وتراجع إثر عملية تهميش كبيرة، تعاظمت وصعدت قوى «الإسلام السياسي» عبر نجاحها في مداعبة العواطف الدينية للجماهير، وغالباً بأساليب ديماغوجية وشعبوية. وعليه، بات المطلوب، عربياً وإسلامياً، المساهمة الفاعلة في تجفيف منابع الإرهاب على امتداد العالم. فالحرب على الإرهاب يجب أن تكون، خاصة ببعديها الديني والفكري، من مسؤولية العرب والمسلمين أيضاً، ذلك أن الإرهاب لم ولن يتوقف إلا بجهود مشتركة من رجال السياسة والاقتصاد، مع رجال دين محترفين قادرين على المواجهة والتصدي لأي فكر متشدد يحاول التغلغل في المجتمعات.

ولأن الإرهاب أصبح معضلة عالمية مشتركة، فإن العرب والمسلمين بحاجة إلى إرادة قوية ومناقشة عقلانية للسؤال الجوهري: متى سيكون الخطاب السياسي والديني في عالمنا العربي والإسلامي، والموجه ضد الإرهاب، أكثر وضوحاً، كي لا يتغلغل الفكر المتطرف أكثر مما حدث حتى الآن؟! وفي هذا السياق، لا بد من بدء العمل على القضاء على الكراهية ونبذ الآخر عبر خطاب إسلامي حداثي معتدل، مع إعادة طرح موضوع التراث لتخليصه من كل ما علق به من بدع وأكاذيب. ذلك أن من اللبنات الأساسية في أي مجتمع معافى، بغض النظر عن دينه وعرقه ولسانه ولونه، منظومة القيم والمبادئ العليا الحاكمة لهذا المجتمع وما يتصل فيه بالتسامح والتعايش في إطار المحبة الإنسانية.

لا يمكن الادعاء بأن تجديد الخطاب الديني أمر سهل وبسيط في ظل مؤسسات دينية جامدة لا تملك حرية الحركة، فالأمر يحتاج إلى مبادرات ترسخ معنى الوسطية باعتباره نقيضاً للتطرف الديني، مع التركيز على تصحيح المفاهيم المريضة السائدة نتيجة تحوير الكثير منها وإخراجها عن سياقها. وغني عن الذكر أن منظومة من مثل هذه القيم (الانفتاح، التسامح، مناهضة العنصرية.. إلخ) تشكل السد المنيع أمام الكراهية والإرهاب.

*كاتب وباحث سياسي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى