أقلام وأراء

د. أسعد عبد الرحمن يكتب – ما فعلته كورونا بالعالم

د. أسعد عبد الرحمن – 20/11/2020

مع اقتراب مرور عام كامل على جائحة كورونا في العالم، بدأنا نشهد تغييرات واسعة في نمط حياتنا الاجتماعي، حيث أرغمنا الحال على التنازل عن مسلمات كثيرة اندرجت سابقاً تحت عناوين الحرية الشخصية، ذلك أنه منذ تعاظم الوضع الوبائي عالمياً، وما واكبه من ضربات هزت الاقتصادات والحكومات، تسابق سياسيون ومفكرون وناشطون وغيرهم من الجهات الفاعلة على المستويين الدولي والإقليمي إلى قراءة مستقبل العالم والبشرية بعد الجائحة، وسط إجماع عام على أن الأمور لن تعود كما كانت عليه في السابق، ومع متابعة مجمل ما يتحدث فيه ويكتبه هؤلاء، لربما من أهم المتغيرات في زمن «ما بعد كورونا» أن غالبية التيارات السياسية في الدول الديمقراطية الغربية قد دخلت في حالة طوارئ نتيجة الضرر الاقتصادي والانهيار الاجتماعي.

ويرى البعض أن الجائحة ستقوي هيمنة الدول وتعزّز توجهاتها القومية الخاصة بها، وإن الفيروس سيسقط ما سمي سابقاً «التكافل العالمي»، على افتراض أن العديد من الحكومات قد تبنت وستتبنى إجراءات طارئة لإدارة الأزمة بما يمنحها سيطرة أكبر لن تتخلى عنها بسهولة، وأن الناس سوف تلجأ بالمقابل لحكوماتها، وعليه، وفيما يرى هذا البعض، فإن العالَم سيكون أقل انفتاحاً وأقل ازدهاراً وأقل حريةً، لأن الدول ستبحث عن الاستقلالية والتحكم بمصيرها.

ويرى آخرون أن العالَم سيشهد تسارعاً في انتقال مركز القوة والنفوذ من الغرب إلى دول آسيوية، وخاصة الصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية، بسبب ما أظهرته من كفاءة في السيطرة على المرض بطرقها المختلفة، الأمر الذي حسَّن من صورتها مقابل صورة دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها، وهي الدول الأكثر تضرراً، والتي اتسمت استجاباتها للجائحة بعدم الاستعداد والجاهزية، وبالتالي بالعشوائية والبلبلة والضعف.

صحيح أن الجائحة لن تنجح في تغيير جوهر الاتجاهات الاقتصادية العالمية، لكنها ستسرِّع التغيرات التي بدأت بالفعل، ومنها التحول تدريجياً عن العولمة المتمحورة حول الولايات المتحدة نحو عولمة تبرز فيها الصين التي حققت لنفسها خلال العقود القليلة الماضية ازدهاراً اقتصادياً ملحوظاً نتيجة المشاركة في الفعاليات العالمية، وفي السياق ذاته، ازدادت ثقة الصينيين بأنفسهم، فباتوا يعتقدون بأنهم يملكون القدرة على منافسة الجميع.

وبالمقابل، ستتسبب الجائحة في تقويض المبادئ الأساسية للتصنيع العالمي، حيث ستعيد الشركات التفكير بسلاسل التوريد متعددة الخطوات والبلدان التي تهيمن على الإنتاج اليوم، وستقلصها، وهنا، ليس مستبعداً تدخّل الحكومات لإجبار الصناعات الاستراتيجية على توفير خطط احتياطيات محلية.

ومع كل ما سبق، لا خلاف على أن جائحة كورونا (الأزمة العالمية الأكبر في هذا القرن)، والتي نلحظ تحديها وأثرها المدمران على المجتمعات، ستجبر البشرية على الاستجابة لدعوات التكافل والتكامل، كما أيقظت مظاهر التضامن الإنساني المتزايدة يومياً منذ بداية الأزمة، حيث نلحظ في معظم دول العالم، حساً إنسانياً عالياً بالتعامل مع الأزمة، من السياسيين والطواقم الطبية والأفراد العاديين.. ما يمكن أن يبشر بمستقبل أفضل.

*كاتب وباحث سياسي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى