أقلام وأراء

د. أسعد عبد الرحمن يكتب – ماذا تريد تركيا من العراق؟!

د. أسعد عبد الرحمن  *- 18/9/2020

في عام 1991، استفادت الدولة التركية من الفراغ الذي أحدثه الحظر الجوي الأميركي في شمال العراق، ما سمح للجيش التركي بإنشاء سلطة محلية كردية مستقلة عن بغداد، وسمح كذلك بوضع يد الأتراك على معسكر «بعشيقة»، الذي يبعد 20 كيلومتراً من الموصل شرقاً، والذي ما زال يشكل منطلقاً للعمل العسكري التركي في الشمال العراقي، معززاً نفوذ تركيا في المنطقة ضد «حزب العمال الكردستاني»، وهو الحجة الأولى لتركيا في تدخلاتها العسكرية في العراق، هذا، رغم تخوف العراقيين من تحول الوجود التركي «المؤقت» (كما يصفه القادة الأتراك)، إلى تواجد «دائم» بحجة «العمال الكردستاني»، الذي يتمركز في جبال القنديل.

وتسعى تركيا وراء مصالحها ولها أطماع في العراق تعود إلى قرون طويلة، والعراق من أوائل الدول التي اتضح فيها «المشروع التركي» في المنطقة، ذلك أن أنقرة تريد لعب دور بارز في المنطقة، وتحاول استعادة مناطق كانت بحوزة العثمانيين، فوجدت في «العمال الكردستاني» الذريعة لتدخل من شمال العراق بحجة ضرب مواقعه، ومنع إعلان دولة كردية منفصلة في إقليم كردستان تمتد من إيران للعراق إلى سوريا إلى جنوب تركيا. ومعروف أن تركيا تريد توسعة نفوذها في المنطقة، ولا ننسى أن لتركيا أطماعاً قديمة في مدينة الموصل لا تخفيها، وهي المدينة التي احتلتها على مدار أربعة قرون، والتي حرمتها منها معاهدة لوزان.

وترى تركيا أن حدودها المشتركة مع العراق (331 كيلومتراً تتمثل في حدود محافظة أربيل ودهوك الكرديتين التابعتين لإقليم كردستان، ومحافظة نينوى العربية)، تجعلها مؤهلة أكثر من غيرها لفرض وجودها على المشهد السياسي العراقي، وفي هذا السياق، تجلت التدخلات التركية في العراق بصورة واضحة، عندما واجهت أنقرة انتقادات حادة بعد نشر الرئاسة التركية خريطة مواقع انتشار جيشها في شمال العراق، حيث تظهر وجود 37 موقعاً عسكرياً تركياً ضمن حدود شمال شرق إقليم كردستان العراق، وبعمق يصل في بعض المناطق إلى 40 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية، هذا، فضلاً عن حزام عسكري أقامه الجيش التركي على طول شمال العراق، يتراوح عمقه بين عشرين وأربعين كيلومتراً، وتُظهِر الخريطة نشر تركيا وحدات عسكرية بالقرب من عاصمة الإقليم أربيل، وكذلك بالقرب من مدن زاخو ودهوك وبعشيقة.

وقد أثارت الخريطة انتقادات حادة، فهي تتناقض مع الطرح التركي المعلن الذي يؤكد على وحدة الأراضي العراقية، ومن جهتهم، يرى مراقبون عراقيون أن نشر الخريطة خطوة تمهيدية، تسعى تركيا من ورائها لتثبيت قواعدها العسكرية هناك، على غرار ما حدث في إدلب السورية، والتي سبق أن نشرت تركيا كذلك خريطة مواقعها العسكرية فيها، بذريعة مواجهة الأكراد، أي الذريعة المتكررة دوماً وأبداً.

*كاتب وباحث سياسي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى