أقلام وأراء

د. أسعد عبد الرحمن يكتب – العلاقات الأميركية البريطانية

د. أسعد عبد الرحمن *- 8/1/2021  

الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، دولتان كبيرتان ترتبطان بتاريخ مشترك وبالدين واللغة وحتى روابط القرابة التي تعود إلى اكتشاف أميركا منذ مئات السنين. وقد تعززت العلاقات الأميركية البريطانية (الأنجلوأميركية) منذ الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة. ووصف المؤرخ الإنجليزي «بول جونسون» هذه العلاقة بأنها «حجر الزاوية للنظام العالمي الحديث والديمقراطي».

ومع تولي الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم في واشنطن عام 2016، انتشرت الشعبوية في القارة الأوروبية في ظل خطاب يميني. ومنذ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكسيت» في عام 2016 ذاته، ثم انتخاب بوريس جونسون في يوليو 2019 رئيساً لوزراء بريطانيا، إحدى أعرق الديمقراطيات الأوروبية، باتت سياسات لندن أقرب ما تكون إلى توجهات واشنطن وأبعد ما تكون عن الاتحاد الأوروبي في غمرة الخروج منه. ووصف جونسون الاتحاد بأنه «مشروع زعيم النازية أدولف هتلر الذي حاول إنشاء دولة أوروبية واحدة»! وقد خاض ترامب حملة لصالح جونسون، واعداً بوضع بريطانيا في «أول الطابور» للتوصل إلى اتفاق تجارة بعد أن حذّر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما من أن «بريكسيت» سيعيد بريطانيا إلى نهاية الطابور. وكم من مرة انحاز جونسون إلى إدارة ترامب بشأن العديد من القضايا، فيما أشاد الأخير بأداء جونسون، واصفاً إياه بـ«ترامب بريطانيا».

والآن خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وخلال أيام سيغادر ترامب مقر البيت الأبيض ويبقى جونسون في مواجهة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن الذي سبق وأن تحدث عن تطابق في التوجهات بين جونسون وترامب. ومن الطبيعي أن لا ينسى بايدن والحزب الديمقراطي أن جونسون أشار ذات يوم إلى أن «الرئيس أوباما يحمل مشاعر معادية لبريطانيا بسبب أصوله الكينية»! وبغض النظر عن الحساسيات الشخصية، يؤكد العديد من المراقبين أن بايدن سيركز على إصلاح العلاقات عبر الأطلسي بعد أن تضررت في عهد ترامب، وسيركز بالتالي على باريس وبرلين أكثر من لندن التي يهمها أساساً الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. وسيعمل بايدن على إصلاح «منظمة التجارة العالمية» وتحسين العلاقات التجارية مع «الاتحاد الأوروبي».

وبعيداً عن شخصية جونسون وتوجهاته السياسية، ستسعى بريطانيا، بمقتضى الميزان الاستراتيجي، لتعزيز الروابط مع الولايات المتحدة التي لن تمانع في ذلك. وبحسب «إريك براتبيرغ»، مدير برنامج أوروبا في «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، فـ«من الواضح أنه يوجد شعور لدى بعض المحيطين ببايدن بأن بريكسيت كان سياسة خاطئة تماماً، لكن بايدن يقر بأهمية العلاقة مع بريطانيا ولن يكون صورة معكوسة لترامب الذي خرق البروتوكول الدبلوماسي عبر التقليل من شأن قادة دول حليفة، خاصة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل». واعتبر براتبيرغ أن «مقاربة ترامب كانت ترتكز أكثر على تغذية الانقسامات داخل أوروبا، في حين يعتبر بايدن أن إرثه يجب أن يرتكز على محاولة معالجة بعض تلك الانقسامات». وفي المحصلة، نستذكر عديد القضايا التي تتوافق فيها آراء بايدن بشكل كبير مع آراء بريطانيا: على رأسها الموقف من روسيا، وإحياء الاتفاق النووي الإيراني، ومكافحة انتهاكات حقوق الإنسان في بعض المناطق، علاوة على قضية المناخ وخفض انبعاثات الكربون.

*كاتب وباحث سياسي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى